يصبح سوق درب عمر في الدار البيضاء، في هذه الفترة من السنة بالأساس، قبلة مفضلة للعديد من التجار والحرفيين والباعة، لكن الفضاء الضيق للسوق، يؤزم وضعية زبنائه والمارين منه، إذ أن وجود السوق في قلب المدينة وقربه من كل الاتجاهات، يجعل من الصعب على السيارات الخاصة وسيارات الأجرة المرور منه. إنه القلب النابض للبيضاء الذي مر على إنشائه حوالي 140 سنة. الساعة تشير إلى التاسعة والنصف صباحا، أشعة الشمس الحارقة، وحركة السير المختنقة، وضجيج منبهات السيارات والشاحنات ودخانها، وأصوات الحمالة والسماسرة، والغبار الذي يعلو المكان، أضفى على السوق فوضى عارمة، وأصاب المتجولين في درب عمر بالدوار وألهب حماسة بعض الباعة، يقول المصطفى (ط)، صاحب محل تجاري في درب عمر، الذي كان منهمكا في مراقبة الزبناء الكثر، الذين حجوا إلى السوق، خوفا من أن تغفل عينه ويسرق أحد منه سلعته، التي لا تعدو أن تكون أواني منزلية وبلاستيكية، يقول المصطفى "دائما خلال هذه الفترة من السنة، يعرف السوق رواجا استثنائيا، لأن هذه الفترة تتزامن مع عيد الأضحى، واستعداد الأسر المغربية لهذه المناسبة الدينية، إذ من المنتظر أن يعرف هذا الشهر إقبالا متزايدا"، أغلب زبناء السوق، حسب التجار، من الباعة بالتقسيط الذين يقصدونه من مختلف المدن المغربية. فوضى نصيب مهم من الفوضى الذي يعيشه السوق، يعود إلى وجود أعداد كبيرة من الشاحنات الرابضة في جنبات شارع محمد السادس، والطرق والأزقة الموجودة في السوق، التي تشحن بالسلع منذ الساعات الأولى للصباح، لتتوجه بعد ذلك نحو المدن المغربية، ما يثير حفيظة أرباب المحلات التجارية وسائقي سيارات الأجرة بنوعيها الصغيرة والكبيرة، التي تستعمل الشارع بشكل يومي، يقول منير، سائق سيارة أجرة، الذي استشاط غضبا، عندما زاحمته شاحنة، كان صاحبه يريد إيجاد مكان له قرب الرصيف في شارع محمد السادس، يقول منير "هاد الشي ماشي معقول، واش أعباد الله هادي طريق ولا مطار للشاحنات" وأضاف "لا يعقل أن تبقى هذه الشاحنات هنا ونحن في القرن 21". يكفي أن تمر من الطريق للمرة الأولى، لتخرج بانطباع أنك وسط مدينة للشاحنات بكل أنواعها، المزينة بكل أنواع الزينة والملصقات، التي تعطي لها منظرا مخيفا أحيانا كثيرة. حميد، سائق شاحنة لنقل السلع، قضى سنوات عمره في السوق، ويتخذ من زاوية في شارع محمد السادس، طريق مديونة سابقا مكانا له، يعتبر أن "الموقف" كما يناديه به التجار والسائقون، الذي يدل على مربض الشاحنات، أن هذا هو المكان الطبيعي للشاحنات، ويعود لسنوات طويلة، يقول "نحن لي كنا هنا في البدايات الأولى للسوق، ولا يمكننا أن نبعد عن هذا المكان لأنه مكاننا الطبيعي". وعلاوة على استجابة سوق "درب عمر" إلى حاجيات الدارالبيضاء، فإنه يوفر أيضا كافة الخدمات التجارية لباقي مدن المملكة من منسوجات وألبسة وأثاث وأجهزة منزلية ومنتجات غذائية وديكورات، وأواني ومنتجات بلاستيكية، ونظرا لموقعه في قلب مدينة الدار البيضاء، ودوره المركزي في تنشيط الحركة التجارية على المستوى الوطني، تحول "درب عمر" إلى محج تتوافد عليه أعداد كبيرة من التجار ومهنيي الأدوات المنزلية والأسر، بل إنه أصبح يشكل جزءا من الذاكرة الجماعية لسكان الدار البيضاء وزوارها. حوالي140 سنة رأى هذا المركز النور منذ 140 سنة، حسب شهادات لعدد من التجار المسنين التقتهم "المغربية" بعين المكان، ومع توالي السنين ظهر تأثير الزمن على بعض المباني، التي توجد بها الدكاكين والمحلات التجارية، مما بات يفرض إعادة تأهيله ليستجيب إلى حاجيات الزبناء، الذين يقصدونه من بقاع المغرب. وبما أن المركز سيحافظ على موقعه في قلب العاصمة الاقتصادية للمملكة، فإن التجار العاملين بدرب عمر، الذين يناهز عددهم 2303 تاجر، حسب إحصائيات غرفة التجارة والصناعة والخدمات في 2007، مدعوون للانخراط التام، وبمواكبة من مديرية التجارة الداخلية، في عملية التأهيل وفق برنامج "رواج درب عمر 2008-2021"، الذي يندرج في إطار رؤية "رواج 2020"، التي أطلقت في 2007. يذكر أن هذه الرؤية، التي رصد لها غلاف مالي قدر ب12 مليار درهم، تشكل استراتيجية حكومية جديدة لتحديث التجارة الداخلية في مختلف مناطق المملكة، وترمي على الخصوص إلى دعم هذا القطاع، وعصرنة مكوناته المتنوعة، والرفع من مستوى الإنجاز في أفق 2020، بفضل تقديم خدمات مالية جديدة لفائدة التجار، وسلسلة من الاستثمارات الموجهة لتشجيع التجارة الداخلية على كافة الأصعدة.