سألني، صديق مشرقي، عن حقيقة الحركات الأصولية بالمغرب، من موقع قلق، بسبب حجم المتطوعين المغاربة في العراق، المنخرطين في العمليات المسلحة ضد التواجد الأجنبي ببلاد الرافدين، وضد التوجه السياسي العام للسلطة الحاكمة هناك. وكانت أحكامه، فيها الكثير من العطب في التحليل، بسبب الأحكام الإطلاقية التي مبعتها ضعف المعرفة وانتفاء التواصل من هنا ومن هناك. ولعل ما نسقطه دوما في مثل هذه المقاربات، أن حسابات الشرق السياسية والمصلحية ليست بالضرورة هي حساباتنا في المغرب. لكن، الحقيقة أن مقاربة ملف الحركات الاسلامية المغربية (بمختلف تلاوينها وتفرعاتها)، لا يمكن أن تتم، لضمان أكبر قدر من الحجية العلمية، دون مقاربتها على مستويين: أ البعد الدولي وأثره الكبير في رسم معالم هوية هذه الحركات الاسلامية. ب الخصوصية التاريخية للتأطير السياسي الديني بالمغرب. عمليا، هناك اليوم، ثلاثة تيارات كبرى تميز خريطة هذه الحركات مغربيا.. هناك التيار الصوفي، ثم التيار السلفي، ثم التيار السياسي (الحزبي والجمعوي).. وداخل كل تيار هناك تفرعات عدة، تسمح برسم شجرة أنساب متشابكة للحركات الاسلامية بالمغرب.. وإذا كان التيار الأول قوياً، وله عدد كبير من الأتباع الأوفياء المنضبطين، وله إشعاع دولي وازن وقوي، فإن التياران الآخران، هما الأكثر فعالية، والأكثر حضوراً في وسائل الإعلام، وفي المتابعة والرصد الأمني والسياسي داخليا وخارجياً. بخصوص التيار الصوفي، هناك مدارس متعددة، بعضها لها عمق تاريخي وبعضها حديث جداً.. ولعل أقواها مدرستان كبيرتان، هما المدرسة الصوفية التيجانية بفاس، والمدرسة الصوفية البودشيشية بمنطقة «مداغ»، قرب مدينة بركان. ولكلا التيارين، خاصية مميزة، أنهما معاً تياران تعبُّديان مسالمان، يتأسسان على تراتبية حاسمة للشيخ (شيخ الطريقة)، الذي له سلطة مطلقة وكاملة على المريدين. مثلما أن لهما أتباعاً كثر داخل المغرب وخارجه. التيار السلفي، موزع مغربياً، بذات التوزيع المتحقق في العالم العربي الاسلامي.. حيث هناك، التيار السلفي الحركي المتشدد، وهناك التيار السلفي الدعوي.. في الأول هناك تعدد تنظيمي، من الوهابي التكفيري « جماعة الهجرة والتكفير » إلى القاعدي « الجماعة المغربية المقاتلة » (نسبة الى أطروحات القاعدة). وهو يؤمن بالخيار الجهادي المسلح والعنيف، الذي يصنف ضمن خانة التطرف. أما التيار السلفي الثاني، فتنتظم فيه ذات التجارب الحركية الدعوية المتحققة عربياً وإسلامياً من جماعة «الخروج في سبيل الله» إلى جماعات «الدعوة والتبليغ» الى الجماعات الوهابية الدعوية المتشددة في مجال العبادات والسلوكيات. التيار السياسي (الحزبي والجمعوي) يتميز بتعدد ثلاثي كبير.. هناك حزب العدالة والتنمية (المعترف به رسمياً، ويشارك في العملية السياسية، وله حضور وازن في البرلمان وفي الجماعات المحلية، ويشارك في كل العمليات الانتخابية). ثم هناك جماعة «العدل والإحسان» الأقوى تنظيمياً ، خاصة في المدن. ثم هناك، تيار ثالث يتحدد في حزبي «الأمة» و «البديل الحضاري» الذين تم حلهما مؤخراً، بتهمة خطيرة هي التخطيط لعمل مسلح لقلب النظام. وهو تيار صغير، مقارنة مع التيارين السابقين. إن ما يؤكده البحث العلمي الرصين، أن التيارات الدينية في المغرب لها عمق تاريخي واضح، خاصة من خلال التراكم المتحقق في عمل الزوايا الدينية، التي أخصبت مدارس متعددة وتيارات سياسية متناقضة. مثلما أنتجت كماً هائلا من الاجتهادات الفقهية في مجال الفتاوى تاريخياً (خاصة ما يصطلح عليه ب «فقه النوازل»). بالتالي، فإنه في التكوين الذهني للمغاربة، حضور الزوايا والتأطير الديني هائل وكبير. مثلما أن تراكما لتجربة الصوفية ضخم جداً، إلى الحد الذي يجزم الباحث أن هناك مدرسة صوفية مغربية أندلسية. بينما تأثير العامل الخارجي (عربياً وإسلامياً) فهو كبير، منذ بدايات الحركة السلفية في الحجاز مع كتابات ابن تيمية وابن قيم الجوزية. ثم مع كتابات أقطاب النهضة العربية، خاصة الأفغاني، ومحمد عبده، مروراً بتجربة الإخوان المسلمين، وأقطابها سيد قطب وحسن البنة، وصولا الى التيار الوهابي السعودي، الذي يعتبر الإطار النظري لكل التيار السلفي في شقه الدعوي ثم الجهادي (المنشق عنه، بزعامة أسامة بن لادن وغيره من كبار منظري هذا التيار السلفي المتشدد).