«لقد التحقتم بالمعهد في ظروف خاصة، ظروف تاريخية مهمة جدا بالنسبة لمستقبل المغرب، التحقتم بالمعهد بعد مرور 10 سنوات على تربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه الميامين، وخلال هذه المدة عرف المغرب عدة أوراش في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبشهادة الجميع في الداخل والخارج، حقق المغرب قفزة نوعية، فمغرب اليوم ليس هو مغرب التسعينيات. فجلالة الملك أعطى الأسبقية لورش إصلاح القضاء، وجعله في مقدمة الأوراش الأخرى، وهذا الإصلاح ستعيشونه، بل وستُفَعِّلونه، لذلك فهذه الظروف التاريخية ستجعلكم تساهمون في أهم ورش من أوراش الإصلاح في بلادنا، وهذا حظ لو تنله غيركم من الأفواج». بهذه الكلمات خاطب عبد الواحد الراضي فوج الملحقين القضائيين الجدد بالمعهد العالي للقضاء. وقال وزير العدل في خطابه بمناسبة استقبال الفوج 36 من الملحقين القضائيين« أنها، أول مرة يتم فيها استقبال فوج جديد التحق بالمعهد العالي للقضاء في انتظار تكوينه ونجاحه وانخراطه في سلك القضاء.» وكان الحفل الذي تم بالمعهد العالي للقضاء يوم الخميس 31 دجنبر 2009 قد عرف حضور الرئيس الأول للمجلس الأعلى ، الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى ، الكاتب العام لوزارة العدل ، المدير العام للمعهد العالي للقضاء ، المسؤولون القضائيون .. وفي ما يلي نص الكلمة التي ألقاها وزير العدل.. في البداية أريد أن أثير انتباه الجميع أنها، أول مرة يتم فيها استقبال فوج جديد التحق بالمعهد العالي للقضاء في انتظار تكوينه ونجاحه وانخراطه في سلك القضاء. وهذه مبادرة حسنة جديدة، اتخذناها لنبين الأهمية التي نوليها لأفواج الملحقين القضائيين منذ التحاقها بالمعهد. صحيح أنه في السابق كنا نحتفل بتخرج الأفواج، ولكننا فضلنا هذه السنة استقبال فوجكم تكريما لكم لهذه الفترة الحاسمة في حياتكم قصد تشجيعكم، ولنؤكد لكم على الثقة التي نضعها فيكم، سيما أن المرحلة التي ستواجهونها ستكون صعبة، لتكونوا عند حسن ظن أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وعند حسن ظن الشعب المغربي بأجمعه. أريد كذلك أن أهنئكم على نجاحكم في امتحان الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء، ومن دون شك أنكم اشتغلتم بجد، وتكللت مجهوداتكم بنتائج إيجابية، وأتمنى لكم الاستمرار بهذه العزيمة والجهد، حتى تكونوا في نهاية المسار التكويني والتربوي في أعلى مستوى. لقد اخترتم الالتحاق بسلك القضاء، وعليكم أن تعلموا أن هذه المهنة ليست كسائر المهن، إذ لها وظائف كبرى وخاصة في المجتمع، كما أنها تتطلب من ممارسيها أن يكونوا على قدر كبير من الكفاءة، لأن هذه المهنة لا تقبل الضعف في التكوين، لأنها تلعب دورا أساسيا في إصدار الأحكام واتخاذ القرارات، التي نريدها أن تكون أحكاما صحيحة وعادلة. إن مهنة القضاء تتطلب أكثر من غيرها قيما وسلوكا وأخلاقا من النوع الرفيع، وهذه الصفات لا تتوفر إلا في نخب المجتمع. والقضاة يعتبرون ضمن نخب المجتمع، لما يجب أن يتوفر فيهم من الصفات الحميدة والطيبة. وأنتم أثناء تكوينكم في المعهد العالي للقضاء، ستتلقون دروسا في ميدان القيم والأخلاق القضائية؛ سيما أننا نتوفر على مدونة للقيم القضائية أنجزتها الودادية الحسنية للقضاة، وأغتنم الفرصة للتنويه بهذا العمل، وهذه المدونة لا يجب أن تبقى حبرا على ورق، فأنتم من سيعطيها الروح لتتجسد في الواقع. لقد التحقتم بالمعهد في ظروف خاصة، ظروف تاريخية مهمة جدا بالنسبة لمستقبل المغرب، التحقتم بالمعهد بعد مرور 10 سنوات على تربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه الميامين، وخلال هذه المدة عرف المغرب عدة أوراش في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبشهادة الجميع في الداخل والخارج، حقق المغرب قفزة نوعية، فمغرب اليوم ليس هو مغرب التسعينيات. فجلالة الملك أعطى الأسبقية لورش إصلاح القضاء، وجعله في مقدمة الأوراش الأخرى، وهذا الإصلاح ستعيشونه، بل وستُفَعِّلونه، لذلك فهذه الظروف التاريخية ستجعلكم تساهمون في أهم ورش من أوراش الإصلاح في بلادنا، وهذا حظ لو تنله غيركم من الأفواج. وأغتنم هذا اللقاء للتطرق لبعض جوانب الإصلاح، والتطرق لبعض خطوطه، لأنكم معنيون بهذا الورش، كما أنني أريد أن يعرف الجميع ما نقوم به ونطمح إليه، عبر وسائل الإعلام، فكما تعلمون منذ صيف 2007، اشتغلت وزارة العدل في ميدان الإصلاح، مباشرة بعد خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش لسنة 2007، والحكومة الحالية التي تكونت في 25 أكتوبر 2007، جعلت من هذا الخطاب مرجعا في جميع الميادين، وخصوص قطاع العدل. وبالنسبة لوزارة العدل عرف الإصلاح عدة مراحل، الأولى خصصناها طيلة سنة 2008، للتعمق في معرفة المشاكل وتشخيص اوضاع القطاع، ومن خلال ذلك تم التوصل إلى تحديد استراتيجية منهجية للإصلاح، ثم وافق جلالة الملك على هذا المخطط العملي. وتم الشروع في تنفيذ الجزء الأول منه، الذي يتضمن محورين، أولهما هيكلي نسميه إصلاح المحكمة، وثانيهما مؤسساتي. فبعد الموافقة الملكية على هذه المنهجية أعطت الحكومة الوسائل اللازمة للوزارة في ميزانيتها لتنفيذ الإصلاح الهيكلي، فعرفت ميزانية وزارة العدل سنة 2009 ارتفاعا بنسبة 28 في المائة في ميزانية التسيير و18 في المائة في ميزانية التجهيز. أما بالنسبة للموارد البشرية ارتفع عدد المناصب المالية التي كانت تعطى لوزارة العدل (مشاركة مع إدارة السجون) من 100 منصب مالي، إلى 1000 منصب مالي، مما مكننا خلال هذه السنة من إنجاز عدة مشاريع وتحقيق عدة أوراش. ففي مخطط إصلاح المحكمة في آفاق 2012، ستقوم الوزارة ببناء 22 محكمة جديدة، من بينها 18 محكمة ابتدائية و4 محاكم استئناف،إضافة إلى توسيع 20 محكمة، وتهيئة وإصلاح 20 أخرى في نهاية 2012 . أما بالنسبة للتجهيزات، فقد بدأت الوزارة في تجهيز المحاكم وتحديثها، فنصف المحاكم في المملكة مجهزة بالمعلوميات، مما سيساهم في إحداث ثورة في هذا المجال أسوة بقطاعات أخرى اقتصادية وثقافية وتجارية وفلاحية؛ والقضاء لا يمكنه أن يظل متأخرا في هذا المجال؛ بل سيصبح متقدما بالنسبة لقطاعات أخرى. وستشجع الوزارة كل المرشحين للعمل بالوزارة سواء كانوا قضاة أو موظفين على استعمال الإعلاميات، حتى نحقق قيمة مضافة لعملنا. ولهذا سنهدي للفوج 34 من القضاة حواسيب محمولة، ستساعدهم على طبع أحكامهم بنفوسهم، كما أنكم ستستفيدون ضمن هذا الفوج من العملية نفسها بعد نهاية مساركم التكويني، مما سيعود بالفائدة على الجميع، من خلال التغلب على البطء، وطبع الأحكام، وفي تعزيز الشفافية والتخليق. وفي نهاية سنة 2012 سيتم تعميم المعلوميات على جميع محاكم المملكة، مما سيساهم في دعم الشفافية والتواصل والولوج السريع بالنسبة للمحامين وجميع المتقاضين، هؤلاء الذين تم تخصيص شبابيك لاستقبالهم في كل المحاكم، وإرشادهم، تلبية لتأكيد جلالة الملك على أن يلمس المواطن في أقرب الآجال بوادر الإصلاح، وفي هذا الإطار أعطينا يوم 24 نونبر انطلاقة الأبواب المفتوحة للمحاكم لتكون تجسيدا للقرب من المواطن، ولهذا نريد أن تفتح المحاكم أبوابها للمواطنين، لتجسيد القرب البشري والإنساني. وسنعمل على تحسين ظروف عمل القضاة والموظفين، ونريد أن يشتغلوا في ظروف جيدة. وستتعزز الموارد البشرية للوزارة في أفق سنة 2012 بزيادة 1500 قاض، أي 50 بالمائة من إجمالي العدد الحالي إضافة إلى 2500 موظف، وإذا استمر المجهود نفسه وبنفس الوتيرة إلى سنة 2017، سيتضاعف عدد القضاة 100 بالمائة ، وستصل الزيادة في عدد الموظفين إلى 5000 موظف. إننا نهتم بشكل كبير بالمستوى التقني والفقهي للقضاة، فأغلبهم حاصل على شهادة علمية مهمة، لذا عليكم أن تواجهوا الروتين، والتعمق في دراستكم، وفي الميدان العلمي والتقنيات، وأصول مهنتكم، وعدم التوقف عن التحصيل المعرفي، لتصلوا إلى أعلى المستويات. فإلى جانب الإصلاح الهيكلي، هناك الإصلاح المؤسساتي، وهو إصلاح كيفي وليس كمي، وجوهره الأساسي، استقلال القضاء كما ورد في الخطاب الملكي، ليوم 20 غشت 2009؛ ثم هناك التخليق، إذ أن من يريد أن يكون قدوة للمجتمع عليه أن لا يكون فيه ضعف. كما أن الإصلاح يهتم بالكفاءة لكونها أساسية فهي تحمي القاضي من الوقوع في الأخطاء التي لا تقل شأنا عن الانحراف. ثم هناك تقوية الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته، والحريات الأساسية والديمقراطية، فغاية الإصلاح هو تحقيق المحاكمة العادلة. فالإصلاح يجب أن يؤدي إلى هذه النتيجة، فالمحكمة هي وحدة الإنتاج، التي تنتج الأحكام، هذه الأخيرة يجب أن تكون عادلة. فالقاضي نريد أن تتوفر فيه كل هذه الأوصاف، إضافة إلى روح المواطنة والكفاءة، وهو بذلك يجب أن يكون محميا، ويتوفر على الوسائل التي تحميه وتحمي أسرته، ولذلك فتحسين الوضعية المادية للقضاة والموظفين جزء هام من الإصلاح، مما حتم النظر في نظام الترقية للجميع بمراجعة مددها وتحسين وضعية المسؤولين القضائيين نظرا للأعباء التي يضطلعون بها في التأطير والتسيير داخل المحاكم. إن هذا الإصلاح المؤسساتي قمنا به بتوجيهات من جلالة الملك، وفي إطار منهجية تشاورية، حيث راسلنا أزيد من 80 مؤسسة، شملت كل من له ارتباط بالعدالة، وتوصلنا بأجوبة واقتراحات، وبعد هذه الاستشارات حررنا تقريرا تركيبيا لكل الاستشارات، ورفع إلى جلالة الملك وقرر جلالته أن يعطي توجيهاته السامية خلال يوم 20 غشت 2009، هذا اليوم الذي يرمز للكفاح الوطني، والقيام بالتضحيات في سبيل الوطن. فقد اختار جلالة الملك هذا الحدث الرمزي لإعلان خطة الإصلاح، حيث خصص جلالته الخطاب من بدايته إلى نهايته للإصلاح، لذا يعتبر هذا الخطاب مرجعا ينبغي الرجوع إليه دائما، كإطار مرجعي. وعلى إثر الخطاب الملكي جندت وزارة العدل جميع إمكانياتها وطاقاتها لتفعيل التوجيهات الملكية. وترجمتها إلى نصوص قانونية، فالإصلاح ليس إجراءات إدارية، بل هو عبارة عن نصوص قانونية، وفي هذا الإطار أعلن أنه يوم أمس الأربعاء 30 دجنبر 2009 توصلت الأمانة العامة للحكومة بما مجموعه 17 مشروع قانون، هي كالتالي: 1 مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء؛ 2 مشروع القانون الأساسي لرجال القضاء؛ 3 مشروع القانون الأساسي لموظفي وزارة العدل؛ 4 مشروع مرسوم يتعلق بتحسين الوضعية المادية للقضاة؛ 5 مشروع مرسوم يتعلق بتحسين الوضعية المادية للموظفين؛ 6 مشروع القانون المحدث للمؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية؛ 7 مشروع قانون التفتيش القضائي؛ 8 مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي يهدف إلى إلغاء نظام حكام الجماعات والمقاطعات والاستعاضة عنه بقضاء قرب يمارس من طرف قضاة محترفين؛ 9 مشروع قانون قضاء القرب؛ 10 مشروع قانون المسطرة المدنية؛ 11 مشروع قانون بتعديل قانون المسطرة الجنائية؛ 12 مشروع قانون يتعلق بالمرصد الوطني للإجرام؛ 13 مشروع قانون يتعلق بالمساعدة القضائية؛ 14 مشروع قانون مدونة التجارة؛ 15 مشروع قانون السجل التجاري؛ 16 مشروع مرسوم الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء؛ 17 مشروع مرسوم يتعلق بالتنظيم الهيكلي لوزارة العدل. ويمكن القول أنه مع نهاية هذه السنة طوينا صفحة، ومع بداية 2010 ستفتح صفحة جديدة في ميدان الإصلاح كمرحلة ثانية. وأغتنم هذه الفرصة لأعبر عن اعتزازي الشخصي وابتهاجي لما قام به نساء ورجال وزارة العدل، وكل الهيئات القضائية وغيرها التي تمت الاستشارة معها، كما أنوه في هذه المناسبة بكل من ساهم من قريب أو بعيد في إنجاز هذا العمل الذي سيعود على البلاد بكل خير. لذا يمكننا أن نقول إن الإصلاح قد وضع فوق السكة التشريعية ليأخذ مساره التشريعي، لكن المجهودات المبذولة يجب أن تستمر لتنفيذ ما تم تخطيطه في أفق 2017، فميزانية وزارة العدل الحالية ارتفعت مقارنة بسنة 2007، بحوالي 77 بالمائة بالنسبة لميزانية التسيير و72 بالمائة بالنسبة لميزانية التجهيز، إضافة إلى 1000 منصب مالي جديد. كما حصلنا على المناصب المالية لترقية كل القضاة المتوفرين على شروط الترقية دون الاكتفاء بالحصيص. هذه هي النتائج التي توصلنا إليها، وفي البرلمان سيكون هناك حوار ونقاش سياسي حول الإصلاح، ونحن واثقون أن البرلمان سيتخذ القرارات التي تصب في مصلحة البلاد. هذه هي الظروف الوطنية والتاريخية التي جئتم فيها، فأنتم محظوظون لأنكم ستعيشون المسلسل من بدايته إلى نهايته، وستساهمون في تقديم خدمات جليلة للبلاد، نتمنى أن تظهروا كفاءتكم، وحسن أخلاقكم ومدى تشبثكم بالعدالة لتكونوا قضاة مسؤولين تسهرون على ضمان قضاء أفضل لهذا البلد. مرة أخرى أتقدم لكم بالتهاني على نجاحكم، وأتمنى لكم التوفيق، وأطلب من الله أن يمدكم بالقوة والمناعة والإرادة لتساعدوا بلادكم وترفعوا من شأنها.