لقد كانت عملية التواصل بين الأفراد قبل عقد من الزمن محدودة للغاية، حيث كانت تتخذ من الرسالة الوسيلة الوحيدة المعتمدة للتواصل بين الطرفين المعنيين، فضلا عن الدور الوظيفي الذي يضطلع به الهاتف الثابت منذ عدة عقود والهاتف النقال منذ أقل من عقد. غير أن الوسيلة الأبرز اليوم التي صارت أكثر انتشارا وأشد ذيوعا هي ما صار يصطلح عليه في أوساط الشباب بالدردشة باعتبارها المصطلح المقابل للعبارة الانجليزية: الشات. مع انتشار الإنترنيت في المجتمعات العربية في السنوات الست الأخيرة، صار بإمكانية الأفراد وخصوصا الشباب التواصل بينهم والنفاعل بشكل أفضل وأكثر نجاعة بفضل ما أصبح يتيحه الإنترنيت من إمكانية توفير بعض الخدمات المجانية خصوصا ما عرف في السنوات الأخيرة بالدردشة عبر الإنترنيت، نظرا لما تسمح به هذه الوسيلة من ضمان تواصل فعال بين المرسل والمرسل إليه عبر إرسال وتبادل رسائل قصيرة في التو وفي الحال، فضلا عن إمكانية ظهور صورة الشخصين المتواصلين، إضافة إلى الصوت، خصوصا في إطار ما سمي ب msn . إن هذا النظام الجديد نظام فعال في التواصل وتحقيق التفاعل بين الأفراد عبر ربوع الدولة الواحدة وعبر دول العالم، بفعل ما يضمنه من تواصل بالكتابة والصورة والصوت الفوري والسريع، حيث تستشعر وكأن الشخص المتواصل معه وكأنه أمامك أو بجانبك أو في الحجرة المجاورة. ولقد مكن هذا النظام الجديد من التواصل من تقريب الهوات وردم المسافات وقلب المفاهيم وتغيير القيم التي يحيا عليها المجتمع. وبما أن ظاهرة الدردشة ظاهرة جديدة، فإنها قد حملت معها كباقي الظواهر الجديدة دوما إيجابيات عديدة، كما نشرت عبرها سلبيات كثيرة. وإذا كان لا تخفي الأدوار الهامة التي تقوم بها ظاهرة الدردشة، فإنها قد كرست قيما سلبية جديدة في بنية المجتمعات العربية. إن أي متتبع لظاهرة الدردشة لا يسعه سوى أن يقتنع أو ينتبه على الأقل إلى الدور المحوري الهام الذي ينهض به هذا النظام. فقلد ساهم في خلق وضعيات نفسية واجتماعية عديدة تتمثل في تثبيت قيم التواصل وترسيخ دعامة التفاعل بين الأفراد والعائلات والمجتمعات والدول. ولعه صار الطريقة الأكثر ضمانا لتواصل أفضل، حيث يقوم نظام msn على تبادل المعلومة والخبر والحدث وتعميمها بشكل أكبر لدرجة أن العالم صار بالفعل قرية صغيرة، إذ صار بالإمكان تناقل وتبادل ةتلقي المعلومات والوثائق بسرعة فائقة. بموازاة لذلك، لا يخفى الدور السلبي الكبير الذي قام بخلقه هذا النظام الذي يكمن في تغيير قيم المجتمع وضرب بعض الأخلاق والمبادئ الإنسانية في الصميم، بفعل اختزال الناس هذا النظام في مجال العلاقات الوجدانية والغرامية غير المسؤولة... ينضاف إلى ذلك تواكل الناس ووركونهم إلى الدعة والراحة وبساطة الحياة. فإزاء الكم الهائل الهائل الذي قد يوفره عالم المعلوميات ككل، فإن الإنسان قد استأنس بالدعة وعدم التفكير والإبداع والابتكار.. لأجل ذلك، فبدلا من أن تكون هذه الوسيلة أداة فاعلة في تثبيت دعائم مجتمع المعرفة لتكون المدخل الملائم لتنمية بنيات المجتمع ككل، تحول في المجتمعات العربيى إلى أداة لتكريس ثقافة التهاون والكسل والابتذال. وإذا كانت ظاهرة الدردشة قد صارت جزءا من الطقس اليومي عند معظم الشباب، فإنه ينبغي الانتباه إلى أنه يتعين على الإنسان العربي أن يوجه عنايته واهتمامه إلى جعل عالم المعلوميات والإنترنيت وما يرتبط بالدردشة وغيرها وسيلة هامة لترسيخ مجتمع المعرفة وأن يكون آلية فاعلة في تنمية الإنسان والمجتمع والحضارة الفاعلة والفعل الجاد والمسؤول. (*) صحفي بالاذاعة الوطنية