تتميّز العلاقات المغربية - الجزائرية بكثير من الاضطراب والتصادم بل والتوتر الذي استمر أزيد من ربع قرن بسبب تداعيات أزمة الصحراء الغربية وما أفرزته من تعقيد في المشهد السياسي المغاربي عموما، وقد باتت هذه العلاقات شبيهة إلى حدّ كبير بالعلاقات الهندية - الباكستانية بسبب تداعيات أزمة كشمير والتي تليها أزمة الصحراء الغربية من حيث كونها أعقد قضية بقيت بدون خلخلة إلى يومنا هذا• ومنذ اندلاع أزمة الصحراء الغربية وبداية التفكير في تفسيخ الجغرافيا المغاربية بطرح مشروع قيام كيان سياسي جديد بين الجزائر والمغرب ظلت العلاقات الجزائرية - المغربية محكومة بهذه الأزمة التي أعطيت أكثر من حجمها وأريد - بضمّ الألف ? لها أن تصل إلى ما وصلت إليه، وهذه الأزمة لم تنهك العلاقات الجزائرية - المغربية فحسب بل أنهكت الجزائر كما المغرب سياسيا واقتصاديا وإستراتيجيا، فالجزائر فقدت الكثير من ثرواتها التي تحوّل بعضها إلى عسكرة جبهة البوليساريو وتوفير كل المعدات الحربية واللوجستية لها، والمغرب أستنزف لأنّه ظلّ يقاتل ضدّ تفتيت جغرافيته على اعتبار أنّ الصحراء الغربية هي مغربية بالأساس، وبسبب أزمة الصحراء الغربية اندلعت مناوشات عديدة بين البلدين، بل كانت الحرب وبكل صراحة تدور بين الجزائر والمغرب، لأنّ جبهة البوليساريو كانت تنطلق من الأراضي الجزائرية في شنّ حملاتها العسكرية ضدّ الجيش المغربي• ورغم حجم التغيرات الدولية واحتمال دخول الإرادات الدولية إلى الواقع المغاربي وفعليا هذه المرة فإنّه لم يتمّ التعلم لا من دروس الماضي ولا من دروس الحاضر، بل إنّ هناك من يدفع باتجاه إنتاج حرب بين الجزائر والمغرب تكون قاصمة لكل من الجزائر والمغرب على السواء ثمّ تتدخل الإرادات الدولية لتقدم الحل الذي تراه مناسبا لهذه القضية والذي بالتأكيد لن يكون لا في صالح المغرب، ولا في صالح الجزائر• وما دامت أزمة الصحراء الغربية قائمة فلا يمكن الحديث مطلقا عن تكامل سياسي أو اقتصادي أو إستراتيجي بين الجزائر والمغرب• و كانت بعض الصحف الجزائرية وللأسف الشديد تنشر معلومات مستقاة من الأجهزة الإستخباراتية وتحديدا تلك الأجهزة التي تتولى الإشراف على ملف العلاقات الجزائرية - المغربية وملف الصحراء الغربية على وجه التحديد، وبعض هذه الأجهزة يعتقد أنّ المغرب ساهم في دعم العمل المسلح في الجزائر، وساهم في دعم الجماعات الإسلامية المسلحة لإضعاف الدولة الجزائرية، وبالتالي إضعاف جبهة البوليساريو التي تتنفّس بالرئة الجزائرية، وأي ضعف يصيب الجزائر سيصيب بالتأكيد جبهة البوليساريو، وتعتقد هذه الأجهزة أيضا أنّ المغرب كان ولا يزال على علاقة بالعديد من الشخصيات الجزائرية المعارضة أو أقلا يغضّ الطرف عنها عندما تزور هذه الشخصيات المغرب، وهذا التحليل والذي يحرص بعض صناع القرار في الجزائر على التأكيد بوجود معلومات تردفه هو الذي جعل هذه الأجهزة تملي على بعض الصحف الجزائرية بالكتابة في سياق معادي للمغرب أو فتح صفحات هذه الجرائد لمعارضي النظام المغربي من قبيل احتضان هشام المنداري وغيره• والظاهر أنّ هناك طرفا في الجزائر يعمل على تسخين الجبهة المغربية - الجزائرية لأسباب عديدة منها إعادة تغليب العسكري على السياسي وخصوصا بعد أن نجح بوتفليقة نسبيا في تمدين الدولة الجزائرية بعد أن كانت مصبوغة بالعسكريتاريا، ولإرباك الجزائر وجعلها تفقد ما جمعته من عملة صعبة جرّاء إرتفاع أسعار النفط، وهذا الطابور الخامس ينسق مع إرادات دولية لنقل العسكريتاريا الأميركية إلى المغرب العربي، لأنّ أي صراع عسكري سيندلع بين الجزائر والمغرب سيفتح الباب على مصراعيه أميركا بالقدوم إلى الساحة المغاربية، صحيح أنها حاضرة بقوة في المغرب العربي، لكنّ أميركا لا ترضى بنسبة خمسين بالمائة في حكم المجتمعات والمقدرّات• وقد أدى إعتراف دولة جنوب إفريقيا بدولة البوليساريو إلى تعقيد الموقف أكثر بين الجزائروالرباط، ولا شكّ أنّ قرارا من هذا القبيل سيؤثّر إلى أبعد الحدود على العلاقات المغربية - الإفريقية بإعتبار أنّ دولة جنوب إفريقيا دولة لها وزنها وتأثيرها السياسي في الساحة الإفريقية عموما ولا شكّ أنها ستعمل على إقناع دول إفريقية أخرى بضرورة الإعتراف بجمهورية الصحراء الغربية، لكن مواجهة الموقف تكون بتعزيز التعاون مع المحور الإفريقي وإقناعه بضرورة **وأد فكرة تفتيت المغرب العربي إلى مزيد من الكيانات**• لو كانت جبهة البوليساريو تتحرك بمفردها في الساحة المغاربية وتتحرك وفق أجندتها السياسية لأمكن حلّ أزمتها مع الرباط بسهولة بالغة، لكن عندما نقول جبهة البوليساريو يجب أن نقول الجزائر** وعندما نقول الجزائر يجب إسترجاع أزيد من ربع قرن من تراكم التعقيدات في ملف العلاقات المغربية - الجزائرية، **فالجزائر وحتى تحمي تندوف أرادت أن تخلق للمغرب أزمة في عقر داره، وأتصور أنّ الحل المنطقي يبدأ بحصول الجزائر والمغرب على ضمانات، بمعنى أنّ المغرب يقرّ بجزائرية بعض المناطق الصحراوية الجزائرية كتندوف مثلا والجزائر تقرّ بالحدود الرسمية للمغرب، الحالية طبعا، وتبقى جغرافيا الصحراء الغربية والتي لا تتمتّع مطلقا بمقومات دولة ذات أسس، **فهذه الصحراء ليست بالتأكيد جزائرية، وإذا لم تكن جزائرية **فهي إما مغربية أو صحراوية،* لكن من أين جاء هؤلاء الصحراويون ! وهنا ضرورة أن يتناقش المغربيون والصحراويون حول الحل الأمثل لحلحلة الأزمة وليس للجزائر أن توجّه الطرف الصحراوي بإتجاه تبني خيّار الدولة فقط، لأنّ هذا سيدفع المغرب نحو خيارات مشابهة في الجزائر وبالتالي التمهيد الفعلي لبلقنة منطقة المغرب العربي• يجب على الجزائروالرباط أنّ يقتنعا بأنّ حلّ أزمة الصحراء الغربية هو بينهما وأنّ أي تأجيل لحلّ هذه الأزمة سينتقل الملف تلقائيا إلى أيدي الإرادات الدولية وهي ستحلّ هذه الأزمة بما يمكّن لمصالحها البعيدة بالتأكيد عن مصالح الجزائر والمغرب على السواء، ثمّ هل سيرضي الجزائر أن تكون الصحراء الغربية أميركية أو فرنسية أو صهيونية مثلا، فأنا أفضل أن تكون في الحضن المغربي خير من أن تكون في الحضن الأميركي. * كاتب من الجزائر