كانت السنة التي تشارف على الانتهاء صعبة للغاية بالنسبة للاقتصاد الجنوب إفريقي، الذي انغمس في أزمة تفاقمت جراء ضبابية سياسية تحجب الرؤية. ففي بداية السنة، كان الاقتصاد الجنوب إفريقي، الذي يعد من بين الاقتصادات الأكثر تقدما في القارة، قد تعافى لتوه من سنة 2016 صعبة، قبل أن يدركها عدم اليقين عقب قرار الرئيس جاكوب زوما القاضي بإقالة وزير المالية السابق جوردهان برافين. وأثار هذا القرار، الذي جرى اتخاذه على الرغم من رفض العديد من الأعضاء المؤثرين داخل المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم، توترات شديدة داخل الحزب، مما زاد من حدة الانقسامات التي كلفت حزب نيلسون مانديلا فقدان السيطرة على الحواضر الاستراتيجية لجوهانسبورغ وبريتوريا وبورت إليزابيث خلال الانتخابات الجماعية ل2016. وكانت الخسائر هامة في أعقاب هذا التعديل. فقد فقدت عملة جنوب إفريقيا "راند" الكثير من قيمتها، بما يؤشر على الضائقة الاقتصادية التي أرخت بظلالها منذ بداية العام. ومن جهتها، أعلنت البنوك الجنوب إفريقية عن خسائر تقدر ب 86 مليار راند (1 دولار أمريكي = حوالي 14 راند). ولم يفت وكالات التصنيف الدولية الانتباه إلى هذه الشكوك التي خيمت على آفاق جنوب إفريقيا، إحدى القوى القارية الوازنة. وهكذا، هددت هذه الوكالات بخفض التصنيف السيادي للبلاد ردا على إقالة وزير المالية الذي يحظى باحترام كبير، والمعروف لدى الشركاء الأجانب بعمله الرصين في تدعيم القاعدة الضريبية للبلاد. وفي هذا السياق، تراجعت ثقة المستثمرين في الآفاق المستقبلية للبلاد إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من 30 عاما، وذلك وفقا لغرفة التجارة الجنوب- إفريقية، التي ترى بأن جنوب إفريقيا ليست قادرة على الاستفادة من تحسن المناخ الاقتصادي العالمي. وفي الآن ذاته، انخرط النمو الاقتصادي في منحى تنازلي، حيث يتوقع أن يستقر، وفقا لتوقعات حكومة جنوب إفريقيا وشركائها الدوليين، في 0,7 بالمائة بالنسبة لسنة 2017 بأكملها. ويثير هذا المعدل الضئيل جدا الكثير من المخاوف في بلد يعاني من بطالة تطال 27,7 بالمائة من الساكنة النشيطة، وفقا للحكومة، والفقر الذي يهم نحو نصف مجموع الساكنة التي تقدر ب 56 مليون نسمة. وواصلت مؤسسات بريتون وودز، لاسيما صندوق النقد الدولي، دق ناقوس الخطر، مشيرة إلى أن الضبابية السياسية والإخفاق في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة يعقدان الآفاق الاقتصادية لجنوب إفريقيا. ووفقا لما ذكره صندوق النقد الدولي بعد زيارة قام بها وفد من المؤسسة لجنوب إفريقيا في نونبر الماضي، فإنه بالرغم من قوة مؤسساتها والمناخ الدولي المواتي، ستواجه جنوب إفريقيا آفاقا اقتصادية متنامية الصعوبة نتيجة تفاقم الضبابية السياسية وغياب الإصلاحات الهيكلية. وكان رد فعل مجتمع الأعمال متوقعا وسط هذا المناخ القاتم. فيبدو أن بلاد نيلسون مانديلا لم تعد تستفيد من خدمات المستثمرين القلقين حيال عدم اليقين السياسي الذي انغمست فيه البلاد. وتحيل العديد من مراكز الأبحاث الوطنية والدولية على حالة غياب الاهتمام بالسوق الجنوب- إفريقية، مؤكدين أن جنوب إفريقيا مدعوة إلى القيام بإصلاحات هيكلية عميقة بغية الإبقاء على الأمل في الانخراط في مسار جديد للتنمية المستدامة ذات المصداقية في أعين مجتمع الأعمال. وحسب شركة الاستشارات والبحوث الاقتصادية جاك هامر، فإن المستثمرين الدوليين الراغبين بالاستثمار في إفريقيا صرفوا النظر عن التوجه صوب جنوب إفريقيا كبوابة لولوج أسواق أخرى في القارة. ويقول ديبي غودمان- بهيات الرئيس المدير العام لشركة جاك هامر "تظهر التحاليل التي أجريناها أن الشركات الدولية الراغبة في الاستقرار بإفريقيا لم تعد تعتبر جنوب إفريقيا كمنصة للولوج". وأضاف المسؤول أن هذه الوضعية تجد تفسيرها، جزئيا، في الآفاق المتزايدة الصعوبة بالنسبة لاقتصاد جنوب إفريقيا. وفي نهاية شهر نونبر، ظهر الحكم الذي كان محط خشية كبيرة من طرف ستاندرد آند بورز، إحدى وكالات التصنيف الدولية الأكثر تأثيرا والتي قامت بخفض التصنيف السيادي لجنوب إفريقيا إلى مستوى المضاربة. وقررت وكالة التصنيف الأخرى "موديز"، في الآن ذاته، وضع حالة اقتصاد جنوب- إفريقيا تحت المراقبة في انتظار التطورات التي ستشهدها البلاد، لاسيما المؤتمر الذي سيعقده المؤتمر الوطني الإفريقي الموجود في السلطة، بين 16 و20 دجنبر بغية انتخاب زعيم جديد خلفا للرئيس جاكوب زوما. وفور الإعلان عن هذا الخفض، فقدت العملة الجنوب إفريقية 25 بالمائة من قيمتها. وأوضحت ستاندارد آند بورز أن القرارات الاقتصادية المتخذة خلال السنوات الأخيرة من طرف السلطات الجنوب- إفريقية همت، بالخصوص، إعادة توزيع الدخل الوطني عوض العمل على تنميته. ونتيجة لهذه القرارات – تقول الوكالة – شهد الاقتصاد حالة من الركود وتضاءلت تنافسيته الدولية. وأجمع المحللون على التأكيد أن تدهور التصنيف الجنوب- إفريقي من شأنه زيادة الضغوط على البلاد التي أضحى ينظر لمستقبلها الراهن من زاوية قليلة التفاؤل. عبد الغني اعويفية