في المغرب يمكن تفويت أرض الدولة إلى الخواص بدون مقابل وخارج أي سند قانوني. وزارة الشباب والرياضة، على عهد الوزيرة السابقة نوال المتوكل، قدمت هكتارين ونصف بموقع إستراتيجي بمدينة وجدة لشركة الأسواق الممتازة «لا بيل في». فوّتت نوال المتوكل، وزيرة الشباب والرياضة في الحكومة السابقة، قطعة أرضية، مملوكة للدولة، بمدينة وجدة وتصل مساحتها إلى أكثر من هكتارين ونصف الهكتار، بتاريخ 15 يونيو 2009، إلى شركة «لابيل في»، مقابل أن تمنح هذه الأخيرة للوزارة قطعة أرضية لتشييد مركب للشباب. منذ هذا التاريخ، وإلى هذه اللحظة، لم تتوصل الوزارة المعنية بأي عقار من طرف الشركة المعنية، كما أن الوزارة لم تتوصل بأي مقابل، نظير تفويت هذا العقار الذي يوجد في موقع إستراتيجي بالعاصمة الشرقية للمملكة. المتابعون لهذا الملف يرون أن هذا الأمر تحوم حوله الشبهات. هذه القطعة الأرضية سبق أن منحتها مديرية الأملاك المخزنية للوزارة. وتنازلت عنها الوزارة لفائدة «لابيل في» من أجل بناء سوق ممتاز تابع للشركة المذكورة بمدينة وجدة، لتنتقل إلى ملكية هذه الأخيرة رسميا عام 2010، بعد إتمام الإجراءات الإدارية. وينص الاتفاق المبرم بين الطرفين على أن تنازل الوزارة عن هذه القطعة الأرضية مقرون بمنح «لابيل في» مساحة أرضية ثانية لصالح الوزارة من أجل بناء مركز للشباب. لكن لم تتوصل المندوبية الإقليمية لوزارة الشباب والرياضة، إلى حدود الساعة، بأي قطعة أرضية من طرف الشركة المذكورة. لذا، فإنه بعد مرور هذه المدة تطرح العديد من علامات الاستفهام، والبعض ذهب إلى أن الأمر تشتم منه رائحة فساد في مكان ما من هذه المملكة. إنها القصة نفسها والوقائع نفسها، لكن شخوصها يتغيرون؛ حكاية أراضي الدولة التي فوّتت إلى شركات كبرى من أجل إنجاز مشاريع استثمارية بأثمنة رمزية أو زهيدة، إن لم تكن بالمجان أحيانا. هكتاران ونصف بالمجان بحي القدس، وتحديدا في الجهة الخلفية لمدرسة ابتدائية أطلق عليها اسم «محمد بن الحسن الوزاني»، الموجودة في شارع محمد السادس بطريق سيدي يحيى، توجد أراضي ذات مساحات شاسعة. القطعة الأرضية الأولى منها في ملكية أشخاص ذاتيين، والقطعة الثانية كانت تابعة لما يعرف بالأملاك المخزنية، وتقع على مقربة من مسجد «الإمام النووي». هذه الأرض سبق أن منحتها الدولة لوزارة الشباب والرياضة، على اعتبار أن مديرية الأملاك المخزنية هي المختصة باقتناء العقارات التي تدخل في ملك الدولة الخاص وتخصيصها للوزارات والمؤسسات العمومية. الوزارة، وعلى عهد الوزيرة السابقة نوال المتوكل، قامت بتفويت قطعة الهكتارين ونصف في هذا الموقع الإستراتيجي، الذي يعج بالتجزئات السكنية حديثة البناء، إلى شركة «لابيل في»، في إطار صفقة تبقى تفاصيلها غامضة. لماذا؟ لأن تفويت هذا العقار تم في إطار عملية تبادل للعقارات، بين الشركة المستفيدة والوزارة، على أن يتم تعويض هذا العقار المذكور بقطعة أرضية ثانية منحت للوزارة من طرف الشركة المذكورة؛ لكنها لم تتوصل بها إلى حدود الساعة. مصادر برلمانية كانت قد أكدت في اتصال مع مجلة «الآن» أن مجموعة من الأراضي منحت، في وقت سابق، إلى وزارة الشباب والرياضة من أجل تخصيصها لتشييد مركبات رياضية أو ثقافية للشباب من طرف «الأملاك المخزنية»؛ لكنها فوّتت إلى شركات خاصة، لأن الوزارة لم تقم باستغلالها. بل إن التقارير الرسمية نفسها أشارت إلى ذلك بوضوح؛ يقول محمد أوزين في تقرير للجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، الذي حصلت «الآن» على نسخة منه: «نسبة 6,6 في المائة من هذه المساحة الإجمالية لعقار وزارة الشباب والرياضة، مستغلة من طرف الأغيار، وتتكون من 15 مرفقا، 7 مستغلة من طرف قطاعات وزارية، و8 مستغلة من طرف الخواص». ويوضح التقرير في لائحة العقارات الممنوحة للوزارة أن القطعة الأرضية الواقعة بوجدة، موضوع هذا التحقيق، تدخل ضمن العقارات الثمانية المستغلة من طرف الخواص. ويشير التقرير نفسه إلى أن «كل الاستغلالات غير القانونية للملك الخاص للدولة هي موضوع متابعة قضائية تحت إشراف الوكالة القضائية للمملكة»، لكنه لم يحدد إن كان موضوع البقعة الأرضية الممنوحة في وقت سابق للوزارة بوجدة، تدخل ضمن نطاق هذه المتابعات القضائية أم لا. شهادة الملكية.. وثيقة سرية؟ للتدقيق أكثر في قصة التفويت كان علينا التنقل إلى مدينة وجدة. هناك حاولنا في البداية تحديد الأرض بدقة، لذلك مررنا على عدة جهات مختصة. الأمر لم يخل من معاناة الانتظار والتسويف التي ألفها معظم موظفي الإدارات العمومية. بعد ذلك، اتجهنا إلى المحافظة العقارية. موظفو هذه الأخيرة كانوا أكثر موظفي المؤسسات العمومية تعاونا مع موفد «الآن»؛ لكنهم طلبوا من أجل الحصول على شهادة الملكية (انظر الصورة)، أن ندلي برقم الرسم العقاري. وللحصول على هذا الرقم كان علينا أن نتوجه إلى المركز الجهوي للاستثمار، الذي يعد أحد الأطراف في صفقة وزارة الشباب والرياضة مع شركة «لابيل في». هذا المركز لم يكن أحسن حالا من باقي المؤسسات العمومية. حملنا سؤالين إلى رئيس المركز يخصان «رقم الرسم العقاري للأرض المذكورة، وقيمة الصفقة المالية بين الطرفين»، فكان جواب الرئيس كالتالي: «لا يمكنني أن أمنحك معلومات بهذا الخصوص، لأنها معطيات سرية»، هكذا!!؛ لكن رئيس المركز تناسى أن الصفقة تخص طرفا يعني جميع المواطنين المغاربة وهو الدولة، بما يضع مسألة التصرف في المال العام في مركز القضية، وبالتالي فكل مواطن له الحق في الحصول على المعلومة بهذا الشأن (كما نص على ذلك دستور المملكة في الفصل ال26) والتأكد من مطابقة صفقات من هذا النوع مع القانون ومدى شفافيتها. لم يبق من حل أمامنا سوى التوجه مباشرة إلى موقع الأرض وتحديد إحداثياتها عبر تقنية GPRS، ومن ثم الحصول على رقم الرسم العقاري، الذي كان كالتالي: «T.F 15457-02»، وللإشارة، فالأمر هنا يتعلق برقم رسم عقاري هو نفسه لثلاث قطع أرضية تابعة للأملاك المخزنية، مقسمة إلى ثلاث بقع، الأولى وهي P1 الأرض التي خصصت لبناء مؤسسة تعليمية، وP3 المخصصة لإدارة عمومية، وP2 وهي القطعة الأرضية التي «أهدتها» الوزارة إلى شركة «لابيل في». بعد الحصول على رقم الرسم العقاري، والذي تطلب منا وقتا طويلا ومشقة فاقمتها البيروقراطية الإدارية وعدم تعاون معظم المعنيين، عدنا إلى المحافظة العقارية لتسلم شهادة الملكية. وبناء على هذه الأخيرة، تبين لنا أن الأرض لم تعد موثقة باسم الأملاك المخزنية، بل أضحت باسم شركة «لابيل في»، تحت رسم عقاري يحمل عدد 77-9353، مع الإشارة إلى عدم وجود تقييد لحق عيني أو لتحمل عقاري يخص هذا الرسم العقاري، بمعنى أن القطعة الأرضية، لم يشيد فوقها السوق الممتاز الذي تعتزم شركة «لابيل في» بناءه في المنطقة. قصة التفويت ما زالت أشغال بناء السوق الممتاز لم تنطلق بعد، وكل ما في الأمر هو وصول بعض الجرافات إلى عين المكان من أجل القيام ببعض أعمال الحفر وإزالة الأتربة من الفضاء استعدادا للشروع في البناء، وفق ما أفاد به شهود عيان. جل هؤلاء يعلمون أن هذه البقعة كانت تابعة لوزارة الشباب والرياضة وخاضعة لسلطة الأملاك المخزنية، وفوتت إلى شركة للأسواق الممتازة من أجل تشييد واحد من تلك الأسواق هنا. في انتظار الشروع في تشييد هذا السوق، ما زال أطفال الحي يمارسون هوايتهم المفضلة كرة القدم، في شبه ملعب لا تتوفر فيه طبعا أدنى شروط السلامة للأطفال واليافعين. هؤلاء ربما لا يعلمون أنهم لن يستفيدوا حتى من هذا «الفضاء» بعد مدة وجيزة. مصدر من المركز الجهوي للاستثمار أكد ل«الآن» أن الشركة مطالبة بالبدء في الأشغال على أقصى تقدير بعد شهرين، وفق ما تنص عليه اتفاقياتها مع الدولة، وإلا جاز للأخيرة التراجع عن الصفقة في حال ثبت أنها لم تف بالتزاماتها من دون سبب وجيه، كعرقلتها من طرف الإدارات العمومية بالإجراءات والمساطر. المصدر نفسه حاول أن يقنعنا بأن المشروع فيه مصلحة للمنطقة والمدينة معا، لما سيوفره من فرص للشغل لأبنائها، وحركية اقتصادية في المدينة؛ لكن هذا لا يبرر أن يتم تحويل الأرض من مركبات اجتماعية مخصصة للشباب إلى مشروع تجاري محض، ولشركة خاصة، خصوصا أن الوزارة لم تتسلم البقعة الأرضية التي وعدت بها الشركة لحدود اللحظة في إطار عملية المعاوضة التي نصت عليها الاتفاقية بين الطرفين. المصدر ذاته عاد ليؤكد ل«الآن» أن الشركة لا دخل لها في المسطرة الإدارية، التي تبقى شأنا يخص فقط المصالح المختصة للدولة، مضيفا أن القانون ينص على تضمين دفتر التحملات التزامات المفوت لهم، ولاسيما بخصوص إنجاز المشاريع التي تم تفويت الأراضي من أجلها داخل الأجل المحدد، والتنصيص على شروط فسخ العقد واسترجاع الأراضي موضوع التفويت. فكيف تم تفويت هذه البقعة الأرضية؟ بدأت حكاية هذه الفضيحة العقارية بعد أن حددت الشركة المعنية بالصفقة القطعة الأرضية المراد اقتناؤها، وراسلت الوزارة المعنية التي منحت لها من طرف الدولة. وهكذا حددت القيمة التجارية الحقيقية من طرف لجنة إدارية للخبرة تتألف من ممثل عن الولاية ومندوب الأملاك المخزنية الذي يتولى عمليا سكرتارية اللجنة وممثل عن مديرية الضرائب وممثل عن وزارة الشباب والرياضة التابع لها القطاع الذي ينتمي إليه مشروع الاستثمار والممثل الجهوي للسلطة الحكومية المكلفة بالتعمير. القيمة التجارية حددت في 600 درهم للمتر المربع، بالإضافة إلى قطعة أرضية تخصص لتشييد مركب اجتماعي للشباب تسلمها الشركة للوزارة؛ لكن الوزارة إلى حدود اللحظة لم تتوصل بهذه القيمة المالية، كما أنها لم تحصل على العقار المذكور، ليبقى سيل التساؤلات متواصلا. طريقة الاستفادة من عقارات الدولة يقصد بالأملاك المخزنية كل الأراضي التي توجد في ملكية الدولة، و»تتصرف فيها السلطة المخزنية عن طريق استغلالها أو تفويتها للغير من أجل الانتفاع مقابل دفع ضرائب ومكوس لبيت المال أو بيعها؛ وتشمل أنواعا كثيرة من الأراضي البورية والسقوية والمغروسة (الملك الغابوي) وكل الأراضي التي لا ملاك لها أو يجهل ملاكوها الأصليون (أراضي الأموات). ويتم تخصيص ملك الدولة الخاص لفائدة مختلف الإدارات والمصالح العمومية لإنجاز مشاريع إدارية تدخل ضمن اختصاصاتها. وتنجز عملية التخصيص وفقا لعدة شروط؛ أولها أن يبقى العقار في ملك الدولة الخاص، وأن تقوم الإدارة المعنية باستغلاله أو إنجاز مشاريعها بكيفية مباشرة، وأن يتم استعماله للغرض الذي من أجله تم تخصيصه، وأن تبقى البنايات المحدثة في ملك الدولة الخاص. بالإضافة إلى هذا «تسترجع إدارة الأملاك المخزنية العقار بعد رفع اليد عليه من طرف الإدارة المعنية، إما لعدم استغلاله أو انتهاء الغرض الذي خصص من أجله». وتجدر الإشارة إلى أنه يتم التخصيص بقرار لوزير المالية لفائدة الإدارة المعنية، بعد تحديد الغرض من هذه العملية وشروطها. كيف تنتقل أملاك الدولة إلى الغير ينص القانون على أن طلب بيع العقار التابع لملك الدولة الخاص يجب أن يتم عبر إيداع القطاع الحكومي الذي منح له، لدى مندوب الأملاك المخزنية التابع له العقار أو لدى مدير المركز الجهوي للاستثمار، الذي يتخذ الإجراءات اللازمة لدراسة الطلب وفق النصوص التشريعية أو التنظيمية السارية عليه. وبما أن التفويت عملية عقارية يتم بمقتضاها نقل الملكية من الدولة إلى الغير، مقابل ثمن يلتزم هذا الأخير بدفعه لميزانية الدولة، فإن تفويت العقارات من طرف الدولة يرخص بقرار من الوزير المكلف بالمالية. وللإشارة، فإن بيع العقارات من ملك الدولة الخاص يباشر عن طريق المزاد العلني، ما عدا إذا نصّت أحكام تشريعية أو تنظيمية على خلاف ذلك، وفق ما ينص عليه الظهير الملكي بتاريخ 26 أبريل 1967 المتعلق بالنظام العام للمحاسبة العمومية، كما تم تتميمه وتغييره بالمرسوم رقم 2.02.185 بتاريخ 5 مارس 2002 المتعلق بتفويت الاختصاص لولاة الجهات. القانون نفسه ينص على أنه يمكن بيع عقارات من ملك الدولة الخاص، بالتراضي، بموجب قرار للوزير المكلف بالمالية لفائدة «الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين قصد إنجاز مشروع استثماري، إذا كانت القيمة التجارية الحقيقية للعقار المراد بيعه لا تتجاوز 10 في المائة من التكلفة التقديرية الإجمالية للمشروع المذكور». عن موقع «الآن»