في الأسبوع الماضي حلت الذكرى السابعة والثلاثون لرحيل الزعيم علال الفاسي ونحن المغاربة علينا أن نعرف كيف نحسن التعامل مع التراث النضالي لزعيم التحرير وغيره من قادة الحركة التحريرية مثل الراحلين محمد بن عبد الكريم الخطابي، شيخ الاسلام الفقيه محمد بن العربي العلوي، محمد اليزيدي، الحاج احمد بلافريج، محمد حسن الوزاني، المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وغيرهم من الراحلين المعروفين أو الجنود المجهولين في المعارك ضد الاستعمار. جمعتني مؤخرا إحدى المناسبات بمهندس مغربي حكى لي بأن المنطقة النائية التي ولد وكبر وترعرع بها، كان ينتظره فيها مستقبل آخر يجعل منه في أحسن الأحوال واحدا من "السُرّاح" أي مجرد راع للغنم أو المعز، لولا زيارة قام بها علال الفاسي إلى "دوار" مسقط رأسه في فجر الاستقلال، آنذاك، بعد عودته من المنفى نهائيا إلى أرض الوطن، في صيف 1956 حيث بدأ زعيم التحرير يقوم بجولات عبر أقاليم المملكة ويلقي هنا و هناك خطابات كان يستهلها بصوته الفصيح : " بسم الله خير الأسماء في الأرض وفي السماء" و ينصت الناس باهتمام إلى السي علال ويصفق الرجال ويطلق النساء الزغاريد. المهندس صاحبنا لم يكن قد ولد آنذاك ولكن أباه قال له بأن علال الفاسي تكلم مع أهل الدوار صراحة : "عليكم هنا في البادية أن تعملوا على تعليم أبناءكم وبناتكم لأننا في جميع أنحاء المغرب سواء في المدن أو العالم القروي نحتاج في المستقبل إلى أجيال يجب أن تنال حظها من العلم والمعرفة ولا يعقل أن تتركوا أولادكم وبناتكم عرضة للجهل والأمية... " ما هو الحل ؟ سؤال كان للزعيم رحمه الله جواب بسيط لشرح الهدف من كلامه : "تعرفون أن للحكومة الوطنية إمكانيات مالية محدودة ولهذا فهي لا تستطيع بناء المدارس التي نحتاج إليها في كل مدينة وفي كل قرية وعلى المواطنين وخاصة في المناطق النائية أن يتحدوا وأن يضعوا يدا في يد لجمع الأموال ومواد البناء، أو التطوع بالعمل من أجل تشييد مدرسة صغيرة، وعندما تقومون بذلك ستكون الحكومة ملزمة بتجهيز المدرسة بالطاولات والسبورات وترسل إليكم المعلمين". يقول المهندس : "هذا بالذات ما حدث في قريتنا التي أصبحت تتوفر على مدرسة وجدتها قريبة من "الدوار" يوم بلغت سن الالتحاق بالتعليم ولولا تلك المدرسة ولولا ما قاله علال الفاسي لآبائنا، لكان مصيرنا أن نكبر كغيرنا من رعاة الغنم أو المعز." لم أستغرب ما سمعته من المهندس، وأتذكر الآن ما سمعته من زعيم التحرير في محاضرة بمقر الحزب بباب الحد عن وجوب تنظيم مكتبات خاصة بالتلاميذ في أحياء العاصمة، وشرح لنا فكرته بما وقف عليه من تجارب في جولاته عبر أقطار أمريكا اللاتينية، وخاصة في المناطق الجبلية حيث يتم إرسال الكتب إلى القراء على ظهر الحمير والبغال لتقريب الكتاب من القراء الصغار. "هذه تجارب ناجحة في بلدان أخرى فلماذا لا نطبقها هنا في مختلف مدن وقرى المغرب ؟" يقول علال الفاسي رحمه الله. كان هذا هو الخطاب الذي يردده الزعيم علال الفاسي بعد عودته إلى أرض الوطن، خطاب كان يتضايق منه كثيرون ممن كانوا لا ينظرون بعين الرضى إلى جولاته واتصالاته مباشرة مع المواطنين. في محاولة لإيقاف الزعيم علال من مواصلة توعية المغاربة بوجوب الاتجاه إلى الاجتهاد للحصول على العلم والمعرفة، قاموا بإطلاق رصاصات على موكب السي علال قرب قرية بولمان، كرسالة لإشعار الوطنيين بوجوب الابتعاد عن بعض المناطق الجبلية. كان الاعتداء على الزعيم علال الفاسي في شهر شتنبر 1956، بعد شهر من عودته من القاهرة إلى أرض الوطن وطبعا لم يكن الهدف من تلك الرصاصات هو اغتيال زعيم التحرير، إذ كان ذلك الحدث بمثابة إعلان عن حرب باردة كان على الوطنيين أن يصمدوا أمام تحدياتها بداية من السنة الأولى لعهد الاستقلال والحرية. ولهذا وبكل أسف لم نعرف نحن المغاربة كيف نحقق واحدة من متمنيات الزعيم علال بأن يكون عندنا اليوم المزيد من المكتبات والقراء والمفكرين والعلماء. عبد اللطيف جبرو