"شكرا" لبنعلي على ديكاتوريته و نظامه البوليسي الذي جعل من شعب تونس أستاذا في "فنون" الثورات الشعبية المغاربية و العربية،حتى أنه اجترح لها من نضالاته عنوانها الخاص الذي صار العالم كله يردده على لسانه،"ثورة الياسمين". ثورة انفجرت من الخبز اليومي للشعب التونسي. شعب زحزح تلك الأنظمة،التي تسير على منوال نظام بنعلي البائد،فوق كراسيها الصدئة بفعل سنوات الحكم.و لا يشك أي كان اليوم أنه تسرب إلى مفاصلها هسيس القلق و الخوف من المستقبل،خشية أن "تتوتنس"،نسبة إلى تونس،شعوبها،و تجرفها تيارات إراداتها نحو مزبلة التاريخ. شعب أخرج علماء السياسية في الغرب من أستاذيتهم،في التحليل و قراءاة واقع المجتمعات العربية،إلى الشارع التونسي،لفهم معنى إرادة شعب مغاربي و تقدير إرادته في إعلان تغيير جذري مشمول بالحرية و الديمقراطية،و استحضاره كعنصر مهم و ملازم لأي تحول في نحو الديمقراطية في بلده،بعيدا عن أي ترقيعات خبزية. و كذب هذا الشعب الرائع المقولة السائدة لدى الغرب،على أن هذه الشعوب المحسوبة على العالم العربي و الإسلامي غير قادرة على منح نفسها أملا في التغيير من خلال الشارع،ما جعله،أي الغرب،يراهن على النخب المقربة من الحكم في أي "تغييرات" إنقلابية ممكنة تراعي،طبعا،مصالحه. لقد أجبرها هذا الشعب لأن تصفق له،و تعلن عن دعمها له بصوت عال،و إلا كانت ستبقى على حافة التاريخ،و لقنها بخط مقروء أن هذه الشعوب تستحق الديمقراطية و الحرية بعيدا عن منطق الخصوصيات التي تركها تواجه مصيرها لوحدها. الشاب البوعزيزي الذي أحرق نفسه ليضيء غد تونس لم يمت،بل منح لنفسه حياة المجد دون أن يخطط لذلك. فهو انتفض لأجل كرامة كل المغاربيين و العرب،و إن كان لم يدر أن جسده, المثخن بجراح الخبز,سيكون,يوما,عود ثقاب أشعل ثورة شعبية أحرقت كليا العمر السياسي لحاكم ديكتاتوري اسمه بنعلي.