لم تعد النظارات السوداء التي تغطي أعين العديد من المواطنين في مختلف مناطق وأحياء طرابلس دليلاً على قوة الشمس وأشعتها، بل باتت تشير إلى أنها تخفي تحتها انتفاخا واحمرارا وإفرازات بفعل «الرمد» أو الالتهابات التي تجتاح المدينة. وبدأ انتشار الفيروس يشكل هاجسا للهيئات الصحية والطبية في المدينة بسبب الأعداد الكبيرة من المواطنين الذين أصيبوا، والانتشار الواسع والسريع لهذا المرض بين الأهالي لا سيما في المناطق الشعبية التي وصل فيها الفيروس إلى كل بيت. وليس هناك توصيف علمي دقيق وعلاج محدد لدى الأطباء والصيادلة الذين يستقبلون يوميا العشرات من المواطنين المصابين، وبحسب معلومات المتوفرة تبين أنه منذ نحو أربعة أيام، تستقبل العيادات الطبية يوميا أكثر من 15 مصابا، بينما يصل الى الصيدليات والمستوصفات الخيرية أكثر من مئة مصاب في اليوم الواحد، وذلك لعدم قدرة كل المواطنين على زيارة الاطباء في عياداتهم بسبب الكلفة المرتفعة للمعاينات، فيلجأون إلى شراء المضادات الحيوية الخاصة بالتهابات العين من دون وصفات طبية، معتمدين بذلك على خبرات الصيادلة. ومن المتعارف عليه أن مثل هذه الالتهابات في العين تنتشر في فصل الربيع بما يعرف ب«الرمد الربيعي»، إلا أنه بحسب المصادر الطبية فإنها اليوم تطل مجددا بسبب الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، وتلوث الجو، وغياب الوعي لدى المواطنين. وتستبعد هذه المصادر إمكانية محاصرة هذه الظاهرة في الوقت الحالي، نظرا لعدم وجود مختبر نوعي للفيروسات في طرابلس والشمال، يمكنه تحديد نوعية الفيروس، وتحديد الأدوية والمضادات القادرة على مكافحتها، مشددة على ضرورة اعتماد الوقاية والنظافة وعدم الاختلاط مع المصابين، مبدية تخوفها الشديد من إمكانية نفاد الأدوية التي تستخدم في علاج هذه الحالات بسبب الإقبال الكثيف عليها. ويشير الدكتور كميل قليمة (اختصاصي في جراحة العين) الى أن الاصابات تطال شرائح مختلفة من المواطنين وبأعداد كبيرة جدا، لافتا الى أن هذا الفيروس يصيب العين بالتهابات حادة وهو من الأمراض المعدية وينتقل بالهواء واللمس واستعمال حاجيات الآخرين، مؤكدا ان إفرازات العين الناتجة من الإصابة بالمرض تحتاج إلى فحوصات مخبرية لتحديد المضادات الحيوية لعلاجها في أسرع وقت ممكن، لكن أكثرية المواطنين يلجأون الى الصيدليات ويشترون الأدوية المتعارف عليها، لعدم قدرتهم على زيارة العيادات. ويشير عضو اللجنة الصحية في بلدية طرابلس الصيدلي الدكتور إبراهيم حمزة إلى «أن التوصيف الشعبي لهذه الظاهرة يحددها ب«الرمد» ولكن في الحقيقة هي التهابات حادة تصيب العين وتؤدي الى انتفاخ واحمرار وإفرازات «خيطية» صفراء، ونحن نستقبل يوميا العشرات من هذه الحالات، ولا سيما من الطبقات الشعبية غير القادرة على الذهاب الى العيادات الخاصة، علما أنه يجب حصر هذا الفيروس من خلال الفحص المخبري لايجاد العلاجات الناجعة والسريعة له، ولكن للأسف الشديد فإن طرابلس والشمال يفتقران الى مثل هذه المختبرات. وعن الاجراءات التي تتخذها بلدية طرابلس، يرى الدكتور حمزة ان دور البلدية يقتصر على إصدار بيانات التوعية للمواطنين لاتخاذ إجراءات السلامة العامة والوقاية واعتماد النظافة، وعلى المصاب أن يساعد عائلته والمحيطين به، بعدم الاقتراب منهم. من جهته، يؤكد رئيس مصلحة الصحة في الشمال الدكتور محمد غمراوي أن هذه الحالات ليست حكرا على طرابلس، بل هي تعم كل المناطق اللبنانية، لافتا الى انه بعد الدراسات التي أجرتها مصلحة الصحة مع الاطباء الاختصاصيين تبين أن هذا الفيروس مرده الى عوامل عديدة اهمها موجة الحر، وانتشار الملوثات في الجو، وعدم مراعاة معايير النظافة وتغسيل الوجه بصورة مستمرة خلال اليوم. ويشدد الدكتور غمراوي على أن ما يحصل اليوم يمكن تسميته ب«موجة رمد» وهو ليس وباء مخيفا، ولا إجراءات يمكن أن تتخذ سوى الوقاية وعدم الاختلاط مع المصابين، وهناك أدوية وقطرات متوافرة في كل الصيدليات.