lafif.lakhdar_(at)_yahoo.fr عندما كلف الملك محمد الخامس وليّ عهده ، الحسن في الخمسينات ، برئاسة الحكومة . علقت الأسبوعية الفرنسية "الأبسرفاتور" على ذلك قائلة : يعرف الحسن أنه لن يملك بعد أبيه فأراد أن يتمتع بالحكم في ظله ... وعندما جلس محمد السادس على العرش كرر كثير من المعلقين نبوءتهم المتشائمة . وهاقد مضى عقد كامل برهن فيه الملك الشاب على أن الملكية المغربية قادرة على البقاء . وأفضل من ذلك ، على أنها جديرة بالبقاء . وذلك عندما وقع على مدونة اصلاح الأحوال الشخصية التي هي في الاسلام ، كما دلت التجربتان التركية والتونسية ، حجر الزاوية ونقطة الانطلاق في عملية الاصلاح الديني الصعبة والمثيرة للحماس . بهذه المناسبة ، سأكتفي إذن بهذا النداء القصير للنخب المغربية، وبين السطور المغاربية، للتعبير عن قناعتي التي كوّنتها منذ توقيع جلالة الملك محمد السادس على مدونة الأحوال الشخصية التي دشنت في المغرب – كما دشنت قبل ذلك في تونس – مسار الإصلاح الديني الكفيل بفتح أوراش التنمية المستدامة، التي يشكل الإصلاح الديني رافعتها المركزية بقدر ما يشكل المشروع الديني الظلامي عائقها الأول. 2 قناعتي هي أن نقطة الانطلاق لفهم المجتمع المغربي، الملكي حتى النخاع، وخاصة لحماية وحدة الأمة المغربية، بعنصريها الأمازيغي والعربي، السائرة على طريق الحداثة والديمقراطية، هي الالتفاف حول المَلَكية المغربية التي تمثل سدا منيعًا في وجه أقصى اليمين الديني العامل بنشاط على تسليم المغرب إلى فوضى دامية على الطريقة الصومالية أو الإيرانية حيث يقتل البوليس السياسي المعارضين في منافيهم والمثقفين، المشكوك في ولائهم، في منازلهم، ولولا إيقاف الرئيس محمد خاتمي لهذه المذبحة لتواصلت حتى الآن. وحيث يقضي القانون الإسلامي على من "تُُسيء ارتداء الحجاب" ب 15 يوما سجنا أو ب 75 جلدة... ومع ذلك اعتبر راشد الغنوشي أن الثورة الإيرانية أعطت المرأة المسلمة جميع حقوقها! ورأيتم السنة الماضية، بمناسبة الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها أحمدي نجاد بالتزوير، كيف كان الحرس الثوري يصطاد الشباب الإيراني الاحتجاجي بأسهل من اصطياد العصافير. رأى الغنوشي أيضا في هذه اللعبة الدموية دليلا على وجود "حكومة حقيقية ومُعارَضة حقيقية" في إيران الديموقراطية! رغم أن أحمدي نجاد نفسه كان أكثر صدقا من رئيس النهضة التونسية عندما صرح: "لم نقم بالثورة من أجل الديموقراطية". وهو صادق تماما فالديموقراطية هي آخر ما يهتم به الإسلاميون الحاملون لمشروع مضاد للحداثة والحداثة السياسية، ألا وهو "استعادة الخلافة والتطبيق الكامل للشريعة" كما كتب الغنوشي أيضا. 3 هذه السلطة التنفيذية لأول جمهورية إسلامية في التاريخ، والتي لا تُقارن في هوسها بقتل مواطنيها إلا بسلطتي كوريا الشمالية وبرمانيا العسكريتارية، هي التي اتخذها أقصى اليمين الإسلامي المغاربى مثلاً أعلى له. سلطتها القضائية لا تقل دموية عن سلطتها التنفيذية. فقد أدانت سابقا أستاذا جامعيا بحد الردة من أجل محاضرة جامعية. ومن آخر أخبارها أنها حكمت منذ أيام برجم امرأة حتى الموت. أما سلطتها التشريعية فالمبكى ينازع فيها المضحك. مثلاً، منذ أيام دخل أحمدي نجاد في نقاش حاد مع آية الله أحمد خاتمي ، أثناء مناقشات المجلس (البرلمان الإسلامي)، عما إذا كان وضع رابطة العنق حلال أم حرام! قبل سنوات، أصدر المجلس إياه قراراً بتحريم استيراد البطيخ الخالي من الابزار لأنه يسبب العجز الجنسي. هذا النمط من التفكير الديني القروسطى فى بداية الألفية الثالثة يجعلنا نلتمس عذراً لسخافة مناقشات كهنة بيزنطة عن جنس الملائكة، إناث هُم أم ذكور، مقارنة بمناقشات أعضاء برلمان الجمهورية الإسلامية مع رئيسها، خاصة و الفارق الزمني لا يقل عن 576 عاما. ولاسيما أن قصف بلادهم بما في ذلك بالسلاح النووي، مطروح على جدول أعمال قيادات الأركان الإسرائيلية والأمريكية و الأوروبية. هذه الجمهورية الإسلامية المأسوية نصفاً والملهاوية نصفا، هي ما يريد كل من العدل والإحسان والعدالة و التنمية إقامتها على أنقاض الملكية المغربية الواعدة بالتقدم والديمقراطية والحداثة. 4 الإسلاميون لا يقدمون أية إجابة خلاقة على سؤال – الذي هو السؤال بامتياز – "كيف نعيش في العالم الذي نعيش فيه؟" هل بالفرار منه، كما يفعل مجانين الله، إلى القرن 7 على ألحان بكائية خطاب تضحوي ضد : "القرية الظالم أهلها" ونشيد إعلان الجهاد عليها إلى قيام الساعة؟ أم – كما يريد الذين لم يفقدوا صوابهم – بإقامة الحداد على ما فات ومات، وإذن بقبول معايير وقوانين وقيم ومؤسسات العالم الذي نعيش فيه، واعين بأنها جميعا غير كاملة ولكنها قابلة للكمال... لكمال لا يكتمل أبدا. ونشارك، بكل تواضع، مع ذوي العزائم الصادقة من سكان هذا العالم في تحسينها تدريجيا من أجل جعلها أكثر عدلا وإنسانية وعقلانية، أي أكثر احتراما لحقوق الإنسان وحقوق البيئة؟ 5 السد المنيع أمام الشرعية الدينية المزيفة، لكلّ من "العدل والإحسان" و"العدالة والتنمية"، الساعيين مجاهرة، في حالة العدل والإحسان، ومراوغة، في حالة العدالة والتنمية، لتقويض الشرعية الدينية الملكية ولإعاقة إصلاح المغرب وتحديثه، هي الشرعيات الملكية الثلاث : الدينية، الوطنية والعقلانية التي لا تنافسها أيّة شرعية أخرى دينية أو دنيوية في المغرب. الشرعية الدينية : استقر في الوعي الجمعي المغربي أن ملوك الأسرة العلوية أشراف منحدرون من آل البيت مما جعلهم مُطاعين ومحبوبين في وقت واحد ؛ الشرعية الوطنية : هي تلك التي جسدها قرار الملك محمد الخامس التاريخي في 20/ 8/ 1953 ، بالتضحية بعرشه من أجل استقلال شعبه. وأخيرا الشرعية العقلانية : التي دشنها الملك محمد السادس بالشروع في بناء دولة القانون وإصلاح الإسلام بإصلاح قوانين الأحوال الشخصية. 6 يُحسب في رصيد الملكية المغربية أنها، حتى في سنوات الرصاص، أعطت لنخبها هامشا من حرية التعبير لم تعرفه لا تونس البورقيبية ولا الجزائر البومدينية ولا أي بلد عربي آخر باستثناء لبنان. مساندة التيار الحداثي الديمقراطي الكثيفة للملكية المغربية، وللملك محمد السادس تحديدا، سيشكل إسهاما حقيقيا في بناء مجتمع مغربي، العقلانية - وخاصة العقلانية الدينية - منطلقه، والحداثة رائده. كل محاولة للنيل من هذه الشرعيات الملكية الثلاث تحمل الحب إلى طاحونة حفاري قبر مستقبل الشعب المغربي، وسيسجله التاريخ كتواطؤ معهم. 7 أيها السياسيون والإعلاميون والمثقفون والفنانون والنقابيون والمواطنون المغاربة، محمد السادس ليس مجرد ملك، بل هو أيضا وخصوصا رمز لمستقبل أمة، فكونوا حزبه لقطع الطريق على جمهورية دينية دموية من طراز الجمهورية الإسلامية الإيرانية المتغولة التي تحاور معارضتها، المنحدرة من صلبها فضلا عن المعارضات الأخرى غير الدينية، بالحديد والنار، وتضع كل يوم، أكثر فأكثر، مستقبل شعب إيران وشعوب الشرق الأوسط على كف عفريت بسبب صناعة القرار الهاذية. الهاذية بأتم معنى الكلمة. فالإمام الغائب هو الذي يملي، من وراء مخبئه في مثلث برمودة، على أحمدي نجاد قراراته الداخلية والخارجية التي نعرف!