قال القيادي و الحقوقي محمد بولامي،في حوار خص به الحدود المغربية،إن "قوة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تعدديتها"،مضيفا "متى فقدت هذه التعددية،فقدت عناصر قوتها...و تحولت إلى إطار رديف أو ملحق لحزب سياسي يستنسخ نفس مواقفه و مقارباته". و يأتي كلام بولامي محاولة من الحدود لفهم التوترات التي كادت تعصف بتلاحكم مكونات أكبر إطار حقوقي مغربي،بعد سعي طرف سياسي،أي النهج الديمقراطي،حسب مستجوبنا،إلى فرض مواقفه في قضايا معينة،سيما قضية الصحراء. حاوره بوعلام غبشي على ما يبدو أن الأجواء التي انعقد فيها المؤتمر الوطني للجمعية المغربية لحقوق الإنسان كان مكهربا؟ مع بداية عملية التحضير للمؤتمر التاسع للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، برزت عدة خلافات بين مكونات الجمعية حول :العلمانية والحريات الفردية ودمقرطة الجمعية.واندلعت حربا إعلامية بين مكونين من مكونات الجمعية ، ووصلت ذروتها على صفحات الانترنيت . فتدخلت عدة فعاليات من أصدقاء الجمعية لوقف الحرب، والبحث عن الحلول للإشكالات المطروحة بالطرق الديمقراطية . وعقد لقاءين حضره جزء من القيادة السابقة للجمعية وحساسيات مختلفة. نجح اللقاءان في وقف الحرب الإعلامية والتخفيف من حدة الاحتقان . وخلال نقاش التجربة (التقريرين الأدبي والمالي ) داخل المؤتمر ، تباينت الرؤى والمقاربات، وقرر مؤتمرو الطليعة والاشتراكي الموحد التصويت بالتحفظ على التقريرين الأدبي والمالي كإشارة واضحة من المكونين على عدم الرضا عن الخط الذي سارت عليه الجمعية ودون مراعاة جميع الحساسيات المشكلة لهذا الإطار الحقوقي .لكن الأغلبية داخل الجمعية لم تلتقط الإشارة ، ولم تتفاعل معها بشكل ايجابي ومارست التحدي باقتراح رئاسة للمؤتمر بدون توافق حولها أو رضى الأطراف المكونة للمؤتمر ،وفرضتها بمسطرة الأغلبية . وكما هو معلوم فلأرئاسة دور حاسم في نجاح المؤتمرات أو فشلها ، فكلما كانت الرئاسة مقبولة من طرف جميع الحساسيات ، كلما ساعدت على حل إشكالات المؤتمر . وكاد موضوع الرئاسة أن يعصف بالمؤتمر. وارتفعت حدة التوتر مرة أخرى في اللجان ، فلم يتفاعل مقررو اللجان مع أراء مختلف الحساسيات ، ونفس السلوك مارسته قيادة المؤتمر وشعر مؤتمرو بقية الحساسيات وكأنهم مجرد ديكور لتأثيث فضاء ناضلوا طويلا من أجل توسيعه وتعميق جماهيريته ،وأصبحوا غرباء فيه ، او غير مرغوب في تواجدهم به . فقرر مؤتمرو عدة حساسيات الانسحاب من المؤتمر. وعقدوا اجتماعا مشتركا وأصدروا بلاغا في الموضوع. أضحى مؤخرا،في كل محطة للجمعية من هذا الحجم يكثر الشد و الجذب بين مكونات الجمعية،هل هي حالة صحية أم مؤشر سلبي لا يخدم مستقبل هذا الإطار الحقوقي الكبير؟ لا يخلو أي إطار جماهيري نقابي كان أو حقوقي أو حزبي أو جمعوي من الخلافات، وتعدد وجهات النظر والرؤى والمقاربات للأشياء. وقوة الجمعية المغربية في تعدد مكوناتها السياسية مقارنة مع غيرها من الإطارات الحقوقية، وشكل هذا التعدد قيمة مضافة لها، وحافظت مكوناتها على الحد الأدنى من نقط التقاطع التي تجمع بينها كخط سياسي ، ومارست تناوبا على قيادتها بين الطليعة والنهج ، وابتداء من المؤتمر الثامن أخذت الجمعية تنحو منحى لا يحافظ على الحد الأدنى ، حيث بدأت تتخذ مواقف لا تراعي فيها الحد الأدنى المتفق عليه ، وبدأ تيار الأغلبية العددية يمارس مواقفه السياسية داخل الجمعية. وهذا السلوك وضع الجمعية على فوهة بركان، فسلوك الأغلبية يتناقض مع إطار جماهيري متعدد الحساسيات، متعدد في المقاربات لقضايا سياسية كالموقف من مسألة الصحراء بين من يدعو لتقرير المصير ، ومن يدعو للانفصال ، ومن يدعو لحق الشعب المغربي في استكمال وحدته الترابية .نفس الإشكال يطرح مع مسألة العلمانية، بين من يتشبث بالموقف الحقوقي وهو حرية الاعتقاد الواردة في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ، ومن يدعو إلى تبني العلمانية في مواجهة الدولة الدينية ، نفس الخلاف طرح حول مسألة الحريات الفردية وتهم هنا بالأساس المثليين ،بين من يدعو إلى مساندتهم ، ومن يتحفظ على ذلك ، ومسألة أوضاع الصحراويين بتندوف، والموقف من الانتخابات بين المشاركة أو المقاطعة بدل الاكتفاء بالمراقبة .....إلخ إن الاختلاف في وجهات النظر مسألة صحية، عندما تتم إدارتها بشكل ديمقراطي يراعي الحد الأدنى بين المكونات، والبحث عما يجمع ، لا ما يفرق. لكن الاختلاف في وجهات النظر قد يفجر الجمعية من الداخل عندما لا تحسن مكوناتها وحساسياتها المختلفة كيفية إدارة الاختلاف فيما بينها ، أو عندما يحاول مكون واحد الانفراد بالقرار، ضد على الجميع. لقد انسحبت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي والعديد من الفعاليات من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان عندما انفرد مكون حزبي بالقرار فيها . إن قوة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تعدديتها، ومتى فقدت هذه التعددية فقدت عناصر قوتها ، وفقدت خصوبتها ، وتحولت إلى اطار رديف أو ملحق لحزب سياسي يستنسخ نفس مواقفه ونفس مقاربته للأشياء. هل تعتقد أن الممارسة الحقوقية في إطار كالجمعية المغربية لحقوق الإنسان ممكنة بعيدا عن الخلفيات السياسية للاطراف المشكلة لها؟ معظم أعضاء الجمعية ينتمون لأحزاب او تيارات سياسية أو ثقافية ، الانتماء الحزبي حق من حقوق المواطنة .و لا يمكن لأي واحد منهم أن يتخلى عن مواقفه السياسية ، هكذا بمجرد انتمائه للجمعية ، الانتماء الحزبي ليس معطفا يتم ارتداؤه في مكان وخلعه في مكان آخر ، ومعظم مكونات الجمعية تجمعهم قواسم مشتركة عديدة ، ولهم وجهات نظر مختلفة من عدة قضايا.كما تختلف مقاربتهم لعدة أشياء. ويناضلون على عدة واجهات بشكل مشترك، في التنسيقيات ، في القطاع الطلابي ، في النقابات ، ويشكل موضوع الوحدة الترابية نقطة اختلاف جوهرية بين النهج اليمقراطي والناشطين الصحراويين بالجمعية من جهة وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والاشتراكي الموحد ولكل طرف مقاربته للموضوع . ويتوقف حل الخلافات على مدى قدرة المكونات والحساسيات داخل الجمعية على التفاعل ايجابيا مع بعضها البعض ، بالبحث عن نقط التقاطع بدل نقط الاختلاف ، وتتحمل الأغلبية مسئولية كبرى في الحفاظ على تعددية الجمعية وعلى إيجاد آليات لإشراك الجميع في التقرير والتنفيذ .وعندما يحاول أي مكون تمرير مواقفه السياسية على حساب الآخرين ، يدخل الجمعية إلى منطقة الزوابع. هل هناك بالفعل جهة سياسية ما تسعى إلى الاستحواذ على سلطة القرار بالجمعية؟ هناك واقع عيني عشناه منذ المؤتمر الثامن وتكرس في المؤتمر التاسع ، هو هيمنة أعضاء النهج الديمقراطي على القرار في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، وتهميش باقي المكونات الحزبية والحساسيات للجمعية، ومحاولة فرض مقاربتهم للأشياء والقضايا المطروحة وطنيا . كالعلمانية والحريات الفردية وتقرير المصير في الصحراء المغربية، وهي نقط خلافية داخل الجمعية. وهذا هو سبب التوتر داخل الجمعية، ورفض باقي المكونات لهذه الهيمنة. النهج اغلبية حقيقية داخل الجمعية ، لا أحد ينكر ذلك، لكننا أمام اطار جماهيري جمعوي، ليس من حق أية أغلبية تمرير مواقفها الحزبية فيه وضدا عن مواقف باقي الحساسيات، وهنا تطرح مسألة دمقرطة القرار داخل الجمعية. وتطرح الآلية لتمثيل باقي الحساسيات. وأحسن آلية بالنسبة لأوضاع الجمعية هي الانتخابات بالنسبية ، حيث ستمكن هذه الآلية جميع الحساسيات من التمثيل داخل الأجهزة القيادية للجمعية، وكل مكون سينال وزنه الحقيقي، وبدون هبة أو صدقة من أحد. ولا منة من الأغلبيبة. وسيضمن الاستقرار للجمعية ويعقلن التنافس بين فروعها وحساسياتها .وسيجنب الجمعية العديد من الممارسات التي خربت العديد من الاطارات النقابية والجمعوية. حتى الآن اليسار المغربي بمكوناته هو الذي يدير بمسؤولية الملفات الشائكة لحقوق الإنسان في المغرب،هل يمكن للإسلاميين في رأيك أن ينافسون الصف اليساري على هذا الدور بالنظر لما أصبحت تتمتع به العديد من التيار الأصولية من شعبية في المغرب؟ حقوق الإنسان هي كلية وليست جزئية، وعندما يتعرض أي إنسان للاضطهاد أو القمع أو التعذيب ، فالمرجعية الكونية هنا هي المعتمدة بغض النظر عن انتمائه العرقي أو الديني أو المذهبي أو السياسي، حقوق الإنسان هي الدفاع عن الإنسان وعن كرامته. ولقد تحمل اليسار هذه المسئولية التاريخية وواجه قمع الدولة بشجاعة نادرة، ودفع الثمن غاليا. و لم يميز بين هذا يساري و ذاك إسلامي. فعندما كان عبدالسلام ياسين مرشد العدل والاحسان رهن الاقامة الجبرية، كان لدينا الجرأة أن نطالب بفك الحصار عنه عبر جريدة انوال، وعندما منع حزبي البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة من حقهما في عقد مؤتمراتهما ، وضعنا مقر حزبنا رهن اشارتهم، وعندما اعتقل المرواني والمعتصم والسريتي والركالة وقفنا ضد ذلك و لا زلنا، وعندما تعرض معتقلو السلفية الجهادية للتعذيب و الاختطاف نددنا بذلك.وعندما تعرض حزب العدالة والتنمية لهجمة شرسة تستهدف وجوده الشرعي عارضنا ذلك. بالمقابل،ماهي مواقف الإسلاميين من انتهاكات حقوق الإنسان عندما تمس اليساريين، الم يعتبر أحدهم أن الشهيد المهدي بنبركة ليس شهيدا، ألم يغتال تنظيم اسلامي عمر بنجلون، وتنظيم اسلامي آخر ايت الجيد الحسين ؟. ألم يتعرض سعيد لكحل للتهديد بالتصفية بسبب مناقشته افكار بعض الجماعات ؟، ألم يتعرض الأستاذ الساسي لهجمة شرسة من طرف صحافة التجديد واتهامه بالفكر والتطاول على النبي لمجرد مناقشته لفتاوي ضد المنطق والقانون والعقل ؟،أليس هذا مصادرة للحق في الرأي. هل صدرت مواقف من الجماعات الاسلامية دفاعا عن معتقلي الحركة الطلابية، وما تعرضت له بعض الصحف من قمع وبعض المدونين من اعتقال؟. للأسف لازالت الحركة الاسلامية في بلادنا متخلفة في هذا الجانب، و لازالت تتموقف من المرجعية الكونية لحقوق الانسان، وتتعامل معها بانتقائية شديدة. تحتج عند اعتقال ناشط اسلامي ، وتصمت عند اعتقال يساري. من هو محمد بولامي؟ من مواليد مدينة اسفي، المهنة :أستاذ ، مناضل سابق في صفوف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وعضو النقابة الوطنية للتعليم {ك.د.ش} منذ 1977. ساهم في تأسيس عدة أندية سنيمائية وجمعيات ثقافية بعدة مدن مغربية، وعضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، من مؤسسي منظمة العمل الديمقراطي الشعبي واليسار الاشتراكي الموحد، والحزب الاشتراكي الموحد.عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد. له كتابات بمنابر صحفية متعددة : أنوال، الأنوار، المنظمة، العمل الديمقراطي اليسار الديمقراطي.