عند عرض فلمه الجديد - جنة الشياطين / 2003 ومن قبله فيلم - عفاريت الإسفلت/ 1996، انتهج المخرج الشاب- أسامة فوزي، أسلوبا جديد في كتابة الواقع علي الشاشة، وبالوقت نفسه مستفيدا من الأوضاع والأزمات التي يمر بها الفيلم المصري خصوصاً والفيلم العربي عموماً في قضية مضمون او محتوي الشريط. في هذا الفيلم انتقاد واضح لكثير من المفاهيم التي ظلت محنطة في الواقع دون حراك، بعد إن زرعت أسطورتها الخرافية وطبيعتها في عالمنا العربي بشكل معقد وشائك، لاتزال تواصل إشكالية الخوض فيها تعطينا نوعا من الانفصال أو ما يسمي بالقطيعة، وهنا يقول باشلار: إن أية أزمة سابقة لا تحل إلا بظهور مفاهيم بديله تقطع الصلة بالمفاهيم القديمة. رسم هذا الشكل جوانب مهمة في الأدب وبالأخص الأدب السينمائي في فلسفته على الشاشة، فسعى إلي الاختلاف والمغايرة عن السائد والمألوف بمفاهيم عدة منها الواقعية الجديدة والواقعية السحرية وسينما الرمز والانفتاح وبدأت - الرؤية الإخراجية - تؤدي دوراً مهماً في تصوير الفرد وأوهامه وأحلامه وعزلته وقوته وضعفه.. والي جانب تحولات - الكينونة داخل الكائن - أثبرت مسألة الاعتقاد والمناخ الديني وعدتها اغلب - أفلام هذه الموجة - بأنها خصوصية ذاتية تهم الإنسان وحده، وجزء لا يتجزأ من مظاهر التعبير الفردي التي تتصل بالتصرف والسلوك ضمن المفاضلة والترجيح في الاختيار، وأي مساس بها يعد انتهاكاً لواقع هذا الإنسان في اعتقاده، كما نري ذلك واضحاً في فيلم - العام الماضي في الكنيسة - للمخرج والأديب الفرنسي المعروف - الآن رينيه- الذي قامت حوله ضجة واسعة وتفسيرات كثيرة متناقضة، ناهيك عن أفلام غطت ثلث القارة الأوربية نذكر منها.. اجوبتر غضب الرب، يسوع الناصري للمخرج فرنكو زيفري وحياة المسيح للمخرج نيكولا راي ويسوع الاخير للمخرج الامريكي مارتن سكورسيزة وفليم ملك الملوك للمخرج سيسيل داي ميل وآخر سلسلة هذه الأفلام الطويلة التي ظهرت مؤخراً فيلم - آلام السيد المسيح - اخراج ميل جبسون .. وكانت هذه الأفلام تظهر بمستوي أفلام جماعة الأدب الحديث ، الموجة الجديدة، التي كانت تتبني - لغة الضوء والصورة - في تشكيل محتوي اللقطة، المشهد، بتقنية فاعلة لموضوعاتها، أي أن السيناريو يكتب بلغة سينمائية وهو أسلوب انتهجته اغلب أفلامها مثل مصير الإنسان، عندما يمر البجع، كولمبس، بين الخرائب.. وفي هذا الصدد يقول الروائي - آلان روب غرييه - مؤسس هذه الموجة ، إن ما نكتبه لا يمكن أن يقرأ فورقتنا الوحيدة هي الصورة المجسدة علي الشاشة، أحيانا تعجز اللغة عن وصف ما نريده أو تتأخر في الإبلاغ فتحمل انطباعنا هذا أدوات العدسة بمهارة وحساسية شديدة. وبشكل موجز يمكن أن نتحدث عن أهمية مثل هذه الموضوعات التي تطرح في السينما لأقول من وجهة نظر خاصة جداً، إنها تحاول أن ترصد - فكرة اللقطة - التي بإمكانها أن تغير مسار الحروب والدمار والخراب إلى عالم تسوده المحبة والالفه، وأمم متجانسة ومشتركة في القيم والمثل العليا وان كان ذلك قد لايبدو ممكنا ، إلا أن بصيصاً في آخر النفق كما يقال لا يمنع أن يتوهج النفق في يوم ما. نعود إلى سياق الموضوع لنؤكد أن كل هذه الموجات التي تأثرت بها السينما سواء من الناحية الفنية أم الأدبية علي مستوي الاتصال بعالم الحلم أو بعالم الواقع كانت أفلاما مثيرة، تسعي إلى تغير الأنماط السائدة والمألوفة في الشريط. ولذا وفر هذا الأسلوب (الرؤية والتصور) الكامل لما يريد أن يضعه - الإخراج - ويصنعه في الفيلم، إذ أن فرصة الإخراج في العالم لم تعد قائمة علي جاهزية النص الأدبي وموضوعاته المختلفة التي يمكن أن تقحم علي المخرج أفكارها المسبقة (الثابتة والمحددة) علي الفيلم بينما الذي حصل، إن الرؤية الإخراجية أخذت تستمد أساس بلورتها من مساحة حرية التفكير لكون الإبداع يمثل حرية في التعبير عن خصائص الواقع ومفرداته. وهذا ما يدفعنا إلى القول: إن من غير المعقول إن تبقي السينما العربية وعلى الأخص السينما المصرية لما عرف عنها بالصدارة وغزارة الإنتاج إن تظل خارج الزمن واستهلاك ما يردها لتكرر تجربتها ونموذجها السابق.. لقد آنت اللحظة كما يري معظم النقاد العرب السينمائيين لإفساح المجال للمضمون والشكل ليتقولب مع الموضوع وليتحرر في الوقت نفسه من قالبيته. هذه الدعوة وان كانت تعد نقلة مهمة وتشخيصاً ثاقباً لمجموعة المهتمين بالنشاط السينمي والحرفي للصورة الحديثة في عالمنا العربي نحو التغير ، إلا أن العقبات والعيوب لم تزل تواجه المحاولات الجادة في الإنتاج.. وإذا كانت ثمة محاولات أخري، وكما أشار لها الناقد السينمائي - رضا الطيار - في كتابه - المدينة في السينما العربية - بأنها لا تعدو أن تكون ذات طابع إيديولوجي ، دعائي ، تقوم علي توظيف مشاهدها بطريقة(مفتعلة) تحريضية بحتة. وفي هذا السياق نستطيع أن نشير إلى عوائق أخرى ومهيمنات أدت بالتالي إلى مضاعفة إشكالية الفيلم العربي وهي ابتعاد معظم المخرجين العرب عن مسألة الصدمة أو الغرابة والدهشة في موضوعات أفلامهم تجنبا منهم مماحكة السلطة أو المؤسسات الدينية ولذا كانت خالية من الإثارة ولا تشكل خطورة تذكر بما يعرف بتجاوز - التابوات - العائق الأساس لفعالية تداول المعني الغائب، هذا المعني الذي أشار اليه د. صبري حافظ في – مقالته الرائعة عن - الافتراضات والحقائق – يقول : إذا كان الحال يلزم أن نتجنب إشكالية الواقع فماذا للكاتب بحثه. هذه النظرة لم تزل في عالمنا العربي بحاجة إلى استجابة كافية لفهم الشريط السينمائي. وأول هذه المميزات، هي أن يتحدد تقويمنا للفيلم برؤية وتصور فكري صافٍ ونقي ، لا أيديولوجي أو عقائدي كي نتجاوز عقبات أية أزمة قد تنتج عنها فروع ثانوية ربما تكون حجر زاوية لمشاريعنا وتجاربنا المستقبلية أو تبقينا ضمن إطار محدد وثابت تنقصه لغة العصر والانفتاح والحوار المعرفي. وفي هذا الاتجاه نري إن فيلم - جنة الشياطين- خير دليل علي ما ذهبنا اليه ، إذ انه لم يتناول من قبل المعنيين بشؤون السينما في التحليل والمناقشة بشكل مقنع أو بالقليل يغطي تغطية فنية بوصفه فلماً يحمل مؤهلات نجاحه حسب ما قاله الناقد السينمائي سمير فريد.. في حين نالت من الفيلم فئات معينة وصولية تبحث عن مآرب غير سليمة داخل المجتمع المصري ليس إلا.. وإلا بماذا نفسر مطالبة مجموعة من المحامين بحرق الشريط وإحالة المخرج - اسامة فوزي إلى القضاء.. وعند السؤال عن السبب، تجد المفارقة انكي وأدهى ، أنهم لم يشاهدوا الفيلم .. ولكن لقطة القبلة داخل الكنيسة القبطية (كما يروي) تعد خرقاً صارخاً لحرمة الأماكن المقدسة. وهنا حري بنا أن نسأل .. وهل هذا الجزء يعني الكل .. وهل هذه اللقطة تعني الفيلم.. أم إننا لم نعد نتحمل الممكن والمحتمل ما دمنا نجهل قيمة من يهبنا الاختلاف والمغايرة . الصورة للمخرج أسامة فوزي بقلم:عباس خلف علي ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة