كان الذي وضع قدمه على الساحة السينمائية المغربية منذ خمسين عاما لا يعلم أن العالم سيتلون بهذا الشكل وأن الزمن سيتخطى حاجز الصوت ليصل إلى ما وصل إليه اليوم، إذ وضع اللبنة الأولى للصورة ورحل، ولم يدر في ذهنه آنذاك أن هذه الصورة ستتغير، لتصبح مجرد أرقام في معادلة إلكترونية معقدة، تتبادلها فضاءات افتراضية تواطأت مع ثورة رقمية عالمية لا لون لها. كرست التغيير وفرضت أشكالا أخرى من التعبير الإنساني لم تكن معروفة من قبل، أشكالا أصبحت تعتمد على الصورة كمنبع أساسي للتواصل الشمولي بين البشر، وتعكس بكل صدق العوامل البيئية التي تحكمها، الصورة في النهاية، محور الشخصية المجتمعاتية الحديثة..هي أسطورة الواقع وخلفيته الثقافية. تبقى الصورة في مجملها فنا إبداعيا راقيا ينهل من ملامح الواقع جزئياته المركبة، وحتى تكتمل لا بد من تعاون مشترك بين جهات متعددة وإبداعات مختلفة تنسج خيوطها وتشبكها للخروج بصنعة متقنة محبوكة. من بين هذه الخيوط، الانترنت، التي ألزمت الصورة على الرضوخ لها وبالتالي اختزالها داخل وعاء رقمي يتنقل حول العالم في ثمانين ثانية أو أقل، دون حدود تذكر أو تذاكر سفر، من هنا اكتسبت سلطتها وتأثيرها على المتلقي، وأصبح الكل تواقا إلى الحصول على هذه الأداة الرقمية والتحكم فيها وصياغة بوق لها يوصل من خلاله شخصيته للآخر. كان حلما فأصبح حقيقة، هذا الحلم هو الفوانيس السينمائية، التي حاولنا عبرها تمرير رسالات وتفكيك رموز كانت مستعصية علينا في الماضي، بحثنا عن الحل فلم نجد سواها ، لا نقول أننا تحكمنا فيها بما يجب، لكن على الأقل ساهمنا من منبرها في التعريف بصورتنا، التي كانت إلى زمن قريب يسيطر عليها الآخر، الغريب عنا، بنينا صرحها ربما ليس قويا بما يكفي لكنه على الأقل يفي بالغرض الذي أنشئ من أجله، بعيدا عن الأنا والأنت والهو والآخر...هو صرح أردناه كما نريد نحن ونحن فقط.. كانت في الأول فكرة راجت بيني وبين الأستاذ حسن مجتهد، لتكبر وتصبح ضرورة في النهاية، تم تدارسها من جميع النواحي، وبعد سهر ومناقشات طوال حول الصيغة والتصميم اللازمين لهذا المولود بيني وبين الصديق عبدالجبار خمران، خرجت في الأخير إلى العلن، خرجت بصيغتها الحالية، متحدية الواقع الذي كشف عن أنيابه، راضخا مرة ومستفزا مرات، المهم أننا هنا وهناك، نحيى بقطرات الندى على قلتها، من أجل هدف واحد ووحيد فقط هو الصورة..تخطينا الصعاب كما بدأ الأولون، لتظهر الملامح الأولى لهذا المشروع، نادينا بأعلى صوتنا: نحن هنا يا من يريد أن يشاركنا هَمَّ الصورة، فكان التجاوب للأسف ضعيفا إن لم نقل منعدما، بل إن هناك من طلب منا المقابل، في هذا الوقت بالضبط، وهو مرحلة مهمة من التأسيس، تكونت الأسرة، فأحاطت بكل حب بهذا المشروع، إذ التحق بنا الأستاذ حسن وهبي والدكتور الحبيب ناصري، والأستاذ عبدالإله غاوش، بالإضافة إلى الأستاذين حسن مجتهد وعبد الجبارخمران هذان الأخيران اللذان أعتبرهما أول من ناضل ودافع عن هذا المشروع، ليكون أول مشروع الكتروني مغربي يهتم بالسينما الوطنية، هي إذا الفوانيس بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومغزى عميقين، لتصبح جزءا لا يتجزأ من شخصيتنا الجماعية. اتسمت بالواقعية بعيدا عن السريالة والفانتزيا المقرفة، إذ أردناها منبرا مفيدا للكل، بعيدا عن التجريد والإغراق في استخدام الرموز المختبئة بين السطور، أردناها منبرا حرا للأفكار والتجارب السينمائية الصامتة المتوارية خلف الأبواب، أردناها حلما سينمائيا جميلا بعيدا عن تراجدية الواقع الممل، بكل بساطة أردناها أن تكون ظلنا وكفى.. تابعت الفوانيس مشوارها تبحث وتنقب ولو من بعيد، علها تصادف من يحمل همها وهم الصورة معا، فوجدت ضالتها أخيرا في الأستاذ أحمد سيجلماسي، والدكتورين نورالدين محقق، والمسعودي بوشعيب، الذين التحقوا مؤخرا بإخوانهم في أسرة التحرير لتكتمل الصورة، وتتفرغ المجلة للمهم والأهم، وهو ترسيخ توجهها وشعارها المتمثل في طرح القضايا السينمائية بشكل جاد وعميق، خدمة للسينما الوطنية أولا ثم للقارئ والمهتم ثانية، بعيدا عن التفاهة والمواضيع الصفراء. لا يسعني في الأخير إلا أن أرحب بأعضاء الهيئة الجدد، وأنا كلي يقين أن أسماءهم ستكون إضافة إيجابية للمجلة، ونورا مشعا من فوانيسنا يضوي سبيل الآخر المار من تحتها.. كما أشكر كل أعضاء الهيئة الأولى على تفانيهم وعملهم الجاد والمستمر في خدمة الصورة السينمائية حتى لا تكون مضببة أو نسخة من الآخر..وأشكر بالطبع كل المؤسسات العمومية أوالخاصة التي توفر لنا الظروف المواتية للعمل. صفحة هيئة التحرير زويريق فؤاد صفحة زويريق فؤاد في مجلة الفوانيس: نرجو الضغط هنا