توطئة: إذا كانت السينما الأمازيغية السوسية قد قطعت أشواطا كثيرة في ترسيخ تقاليد الفن السابع كما وكيفا . وبالتالي، فقد فرضت وجودها في الساحة السينمائية بشكل لافت للانتباه على المستوى التجاري والجمالي، فإن السينما الريفية مازالت متعثرة في مسيرتها الفنية والجمالية بسبب العراقيل والمتاريس الكثيرة التي وضعت في وجه الريفيين، وأيضا بسبب ما يطال منطقة الريف من تهميش وإقصاء ممنهجين من قبل السلطات الحاكمة. مع العلم ، أن أول سيناريو أمازيغي كان في سنوات الستين من القرن العشرين لابن الريف الدكتور عبد الله عاصم تحت عنوان" صراع القبائل". و من الملاحظ أيضا أن بعض المخرجين من غير أبناء منطقة الريف، قد بدأوا يتهافتون على هذه المنطقة لتشغيلها كفضاء بصري أو توظيفها كديكور للتصوير السينمائي والتلفزي أو رغبة في استغلال مواردها البشرية الرخيصة بدون خجل ولا استحياء ، وتفضيلها على مجموعة من المناطق من أجل تصيد منح الدعم التي تقدمها شركات الإنتاج التلفزي أو السينمائي المغربي لكل من يشتغل خارج المربع طنجة والدارالبيضاء ومراكش وأكادير. في حين أقفلت الأبواب العتيدة في وجه المبدعين والمخرجين والفنانين الريفيين سواء من قبل المركز السينمائي المغربي أم من قبل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أم من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي أصبح معهدا للسوسيين بامتياز. فيلم "إمزورن" لجمال السويسي أول فيلم ناطق بالريفية: إذا كان أول سيناريو أمازيغي يتعلق بمنطقة الريف قد ألفه الدكتور عبد الله عاصم في السنوات القليلة الموالية للاستقلال تحت عنوان"صراع القبائل"، فإن أول فيلم بالمنطقة كان فيلما تلفزيا للمخرج جمال السويسي بعنوان" إمزورن" ، وقد تم إنتاجه من قبل شركة دعاء سنة 2008م لصالح الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة . وقد عرض الفيلم لأول مرة بالقناة الأولى سنة 2009م. هذا، وقد ركز المخرج في هذا الفيلم على عقدتين أساسيتين، وهما: العقدة الطبيعية التي تتمثل في الزلزال الذي أصاب الحسيمة بصفة عامة وإمزورن بصفة خاصة، والعقدة الرومانسية التي تجسد لنا قصة حب تجمع الممثل الأمازيغي سعيد المرسي وثريا العلوي. ومن ثم، فرابحة أم البطل ( لويزا بوستاش) ترفض أن يستمر ابنها ميمون (سعيد المرسي) في معاشرة زوجته العاقر خيرة، وتنصحه بأن يتزوج مرة أخرى من ابنة عبد الكريم (فاروق أزنابط)، ألا وهي زوليخة( ريم شماعو) قصد الحصول على الذرية الصالحة. وأمام الرفض والإصرار، اضطر البطل إلى الزواج من ابنة فاروق أزنابط مع الاحتفاظ بالزوجة الأولى. ويظهر لنا الفيلم في مختلف لقطاته البعيدة والقريبة والمتوسطة ظاهرة الغش في البناء ، والتي تنم عن طمع وشجع المقاول قسو . بيد أن الزلزال سيسبب في انهيار كل المنازل والشقق التي ساهم قسو في بنائها. وأهم حدث سيؤزم الفيلم دراميا هو وقوع حدث الزلزال بشكل مفاجئ وغير متوقع، وسقوط المنازل على الأسر الريفية، ومنها : منزل ميمون الذي كان يؤوي في ذلك الوقت زوليخة الحامل وزوجها تحت سقف واحد. فتداعى البيت بشكل كلي، فماتت زوليخة صريعة الأنقاض. ثم، نجا ميمون الأب والطفل المولود بأعجوبة. فأصبح الولد في آخر الفيلم من حق خيرة الزوجة الصبور، والتي فرحت بابن زوجها ميمون أيما فرح، وسعدت به أيما سعادة. وما يلاحظ على هذا الفيلم الذي يعد أول فيلم أمازيغي مغربي ناطق بالريفية ، أنه اختار فضاءات الحسيمة ديكورا للتصوير ومكانا جماليا ومشهديا لتركيب لقطاته البصرية. زد على ذلك، فقد شغل المخرج الكثير من الممثلين الريفيين كسعيد المرسي، وفاروق أزنابط، ومحمد الحافي، وسعيد عبيد، ولويزا بوستاش، وطارق الشامي، وعبد القادر المنصوري، وسميرة مصلوحي... بيد أن الفيلم قد رجح كفة العقدة الرومانسية على كفة العقدة الحقيقية الجادة، والتي تتمثل في الكارثة الطبيعية ( الزلزال). لذا، أصبح الفيلم في الحقيقة فيلما هنديا رومانسيا ليس إلا. هذا، وقد أعطى المخرج لثريا العلوي دورا هاما، استطاعت بكل جدارة واستحقاق أن تتقنه تمثيلا وتقمصا وإيهاما، ولكنها لم تكن تنطق جيدا اللغة الريفية؛ مما أثر ذلك على الفيلم بشكل سلبي. كما لم يحترم الفيلم مجموعة من القيم والأعراف السائدة بمنطقة الريف، بل أخضعها المخرج لمنطقه التصوري الفني والجمالي، ولو كان ذلك على حساب الأخلاق وعادات أهل الريف. وعلى الرغم من الإيقاع السردي التتابعي للفيلم، فقد استعمل المخرج في بعض لقطاته الصدرية فلاش باك من خلال استرجاع الماضي ، والاستعانة بتقنيات التناوب في الانتقال من مشهد إلى آخر، والمزج الإيحائي بين أحداث الطبيعة وأحداث الحب. بيد أن الفيلم مازال كلاسيكيا في إيقاعه الفني والجمالي، يغلب عليه الطابع التجاري والتسويقي. كما يلاحظ ضعفا بينا في مجال التصوير والمونطاج وتشخيص الممثلين. وعلى الرغم من هذه السلبيات، فهذا الفيلم يكفيه فخرا أن يكون أول فيلم تلفزيوني يتم تصويره في منطقة الريف باللغة المحلية لتوثيق الزلزال الذي أصاب الحسيمة ، والذي خلف عويلا جنائزيا، وترك وراءه دمارا كارثيا مهولا . وبالتالي، فقد أثر على الكثير من الأسر الريفية التي تداعت طبقيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا وسياسيا وثقافيا. " عسل المرارة" لعلي الطهري نموذج للارتجال الفني والاستغلال البشع: من المعروف أن أول فيلم أمازيغي ريفي تم تصويره بمدينة الناظور هو فيلم" تامانت ءوريري/ عسل المرارة" لمنتجه عبد الله فركوس، وإخراج علي الطهري، وسيناريو وحوار لعمر حيضر ومحمد أنفلوس. في حين، ترجم فؤاد أزروال السيناريو من السوسية إلى الريفية . وقد تم تصوير مشاهد الفيلم في شهر أكتوبر من عام 2009م في مجموعة من الأماكن الداخلية والخارجية من المدينة. وما يلاحظه المتتبع لهذا الفيلم التلفزي أثناء عمليات التصوير هو الارتجال والعشوائية في اختيار الممثلين بدون اعتماد الكاستينغ Casting لاختيار الممثلين على أسس علمية مضبوطة ودقيقة، بل وزعت الأدوار بشكل اعتباطي دون مراعاة الأدوار في علاقتها بقسمات الشخصيات . مما جعل الجشع مساعدي المخرج يسابقون الزمن لحشد أكبر عدد من الممثلين الأمازيغيين الريفيين الكومبارس لملء فراغات الفيلم ، ولو كان ذلك على حساب الجودة الفنية والجمالية. بل الأدهى من ذلك، أن المسؤولين عن الفيلم الذي تم إنتاجه من أجل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة قد استغلوا الممثلين استغلالا بشعا، فهناك من الممثلين من كان يحصل على مائة درهم أو مائتين أو ثلاثمائة درهم، حتى ولو ظفروا بأدوار هامة في الفيلم. بل هناك من لم يحصل على أي شيء. فالمهم في هذا الفيلم هو تصيد المنحة، والاقتصاد فيها أيما اقتصاد من أجل الاستفادة منها بعد ذلك، ولو كان ذلك على حساب الجودة السينمائية الحقيقية. ومن سلبيات هذا الفيلم ضعف السيناريو وهلهلته على مستوى بناء اللقطات وتركيب المشاهد ، واتسامه بالتفكك على الرغم من توظيف بعض المشاهد التي فيها الفلاش باك. والأغرب من ذلك، أن كثيرا من المشاهد المنطوقة باللغة الريفية كانت تكتب أثناء لحظات التصوير والتجسيد الميزانسيني. وبالتالي، نجد الممثل لا يستطيع حفظ دوره بشكل جيد. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على التسرع والارتجالية اللذين يتسم بهما هذا الفيلم من أجل الانتهاء منه في أسرع أجل ممكن للظفر بأكبر حصة من المنحة التي قد تصل إلى أكثر من مائة مليون سنتيم. هذا، ويرتكز الفيلم على حبكتين دراميتين بسيطتين، حبكة تتعلق بالمتاجرة في المخدرات، وحبكة ترتبط بالرغبة في الهجرة إلى الضفة الأخرى قصد بناء الذات ماديا ومعنويا. فينتهي هذا الفيلم الاجتماعي الذي يتخذ طابعا بوليسيا ، ويرد أيضا في شكل مغامرات حركية من نوع " أكشن Action " ، بافتضاح أمر العصابة من قبل المهاجر ماسين الذي سيتزوج من أمال، ويصبح فيما بعد غنيا بفضل تركة عشيقته. هذا المنتوج التلفزي الذي أخرجه علي الطهري من الأفلام السطحية و المتجاوزة والمستهلكة، كما أنه من الأفلام التجارية الرخيصة في جل مراميها وأغراضها، وقد رأيناها بكثرة في ريبرتوار سينما الدارالبيضاء. وبالتالي، لاتحمل أية رسالة أو مقصدية حقيقية، ولا نرى في هذا الفيلم خصوصيات سينما المؤلف مادام الفيلم نسخة من الأفلام الحركية المنقولة عن الأفلام الأمريكية والهندية والفرنسية والإيطالية. ونتعجب للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة كيف تصرف أموال الشعب الطائلة في أفلام تافهة لا قيمة لها فنيا وجماليا ، ولا جدوى من مشاهدتها، ولاسيما أنها أفلام تنقصها الرؤيا الفلسفية والعمق الفكري والخبرة السينماتوغرافية على مستوى التصوير والتشخيص والتأثيث الفضائي والمونتاج. ومن هنا، ففيلم" تامانت ءوريري/ عسل المرارة" مفبرك بسرعة هائلة للحصول على أكبر قدر من فاتورة الدعم، ومصنوع بعرق الممثلين الريفيين المستغلين بكل دناءة وبشاعة. ومن هنا، ففيلم" تمانت ءوريري/ عسل المرارة" للمخرج علي الطهري هو فيلم أمازيغي لا عسل فيه، بل هو فيلم تلفزي رديء ومر بسبب سطحية الموضوع المطروق، واجترار نفس الحبكات الدرامية المستهلكة في السينما الأجنبية، مع خضوعه القسري لسرعة الارتجال في عملية التشخيص والتصوير من أجل تحقيق الربح المادي بأقل جهد ممكن، واستغلال الممثلين الريفيين أبشع استغلال. وإذا عرض هذا الفيلم على شاشات القنوات التلفزية المغربية، فسيكون ذلك العرض بمثابة فيلم كاريكاتوري ساخر صاخب، وسيكون كذلك نوعا من الضحك على ذقون المشاهدين المغاربة الذين يرفضون أن يشاهدوا فيلما تم صناعته بسرعة فائقة بعرق ممثلين أمازيغيين استغلوا أيما استغلال، ولم يأخذوا إلى حد الآن حقوقهم بالكامل، بعد أن أدوا واجباتهم كما يجب. فيلم" ميغيس" لجمال بلمجدوب أول فيلم سينمائي أمازيغي ريفي: يعد فيلم " ميغيس/ المناضل" لجمال بلمجدوب أول فيلم سينمائي أمازيغي طويل (35ملم) ناطق باللغة الريفية، وقد تم إنتاجه في سنة 2009م. والفيلم في الحقيقة مازال في مرحلة المونتاج والتوضيب والتحميض. هذا، ويتمحور هذا الفيلم الذي كتبه كل من أحمد زاهد وشارك فيه كل من المخرج جمال بلمجدوب وأحمد رامي حول المقاومة الريفية الباسلة في مجابهتها للغطرسة الإسبانية من خلال التركيز على الأبطال الريفيين الأشاوس الذين لقنوا العدو الأجنبي دروسا حية نابضة بالكفاح والنضال والتحدي والانتصارات الملحمية الخارقة. وقد مثل في هذا الفيلم السينمائي الذي تم تصويره في نواحي صفرو مجموعة من الممثلين الأمازيغيين الريفيين كفاروق أزنابط، وعبد الواحد الزوكي، والطيب المعاش، ولويزا بوستاش، ووفاء مراس،وحسن العباس، ومصطفى بنعلال، ، وعبد الله أنس، ونعيمة علاش، وبنعيسى المستيري، وصيفاكس كوسميت، و آخرين... بيد أن ما يلاحظ على هذا المخرج أنه استغل الممثلين استغلالا بشعا على الرغم من أن فاتورة الفيلم أكثر من 400 مليون سنتيم ، فلم يحصل الممثلون الريفيون من هذه المنحة سوى على الفتات، وعانوا الكثير الكثير أثناء التصوير بنواحي صفرو من شدة الجوع والعطش وحر الهجير. والغريب العجيب أن الفيلم الذي ينقل لنا تجربة المقاومة الريفية لم يصور في نواحي الريف التي مازالت شاهدة على آثار المقاومة جغرافيا وعمرانيا وحضاريا، بل اختار المخرج مكانا بعيدا عن المنطقة، ولا علاقة له بأجواء الريف بأي شكل من الأشكال. ونلاحظ أيضا أن هذا الفيلم الذي أخرجه جمال بلمجدوب ، والذي كان في الأصل مسرحية بعنوان"أرياز ن وارغ/ رجل من ذهب" من تأليف أحمد زاهد، قد تم تحويله إلى فيلم سينمائي تاريخي بطولي، ولكن في فضاء غير فضاء المقاومة الحقيقي، وبوسائل سينمائية فنية وجمالية لم تكن في مستوى المقاومة الريفية على غرار مستوى فيلمه التاريخي" خلخال البتول" الذي عرض في القناة الأولى سنة 2009م في شكل حلقات متسلسلة ، و يبدو للعيان أنه يتسم بالضعف والركاكة والهشاشة على مستوى التشخيص والتصوير والإخراج والديكور والميزانسين. خاتمة: وخلاصة القول: ما أحوجنا إلى سينما أمازيغية ريفية يبدعها أبناؤها الغيورون على الهوية الأمازيغية وكينونتها الحقيقية، وخاصة الذين يحبون وطنهم العزيز، فيرتبطون بأرضهم أيما ارتباط! ولكنننا نستغرب كثيرا حينما نجد المخرجين والمبدعين الريفيين محرومين من الدعم والمنح التي تقدمها المؤسسات العامة والخاصة أيما حرمان؛ وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية نحن في غنى عن ذكرها. وبالتالي، توصد في وجوههم كل الأبواب بالمفاتيح الحديدية. في حين، تفتح في وجه الآخرين من سوس وغير سوس. وهذا ينطبق بالتمام والكمال على جميع المثقفين الأمازيغيين من منطقة الريف، فيتم تهميشهم بشكل متعمد وغير متعمد في كل الميادين والمجالات على الرغم من كفاءتهم المتميزة وإنتاجاتهم العديدة اللافتة للانتباه محليا وجهويا ووطنيا ودوليا . وليس لدي في الأخير ما أقوله سوى ما قاله الشاعر المصري الكبير محمود سامي البارودي: فسوف يبين الحق يوما لناظر وتنزو بعوراء الحقود السرائر وما هي إلا غمرة، ثم تنجلي غيابتها، والله من شاء ناصر الدكتور جميل حمداوي ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر عند الاستفادة