في الفيلم الأخير للسيناريست والكاتب السينمائي المتميز وحيد حامد "الوعد"، تألق الفنان محمود ياسين بأدائه الشاعري لشخصية يوسف توفيق، المريض بالسرطان، والذي يحس بأنه مثل المحكوم عليه بالإعدام، ينتظر الموت ولا يعرف الميعاد، ويرفض أن يكمل العلاج، لأن لا أمل من الشفاء. يتعرف على عادل (آسر ياسين)، الذي كان مكلفا بقتله، لكنه يعرض عليه مهمة أخرى، ويطلب منه ألا يقتل، وألا يخضع لابتزاز السحراوي (السوري غسان مسعود)، " لأنه لو اضطر أن يقتل سيظل مطاردًا طوال عمره، لأن القاتل يموت وقت ارتكاب جريمته"، وهو الهارب من الصعيد، المطارد طوال حياته، بعد أن قتل زوجته وعشيقها خوفا من ثأر أهل العشيق، وبموت يوسف على يد أحد رجال السحراوي (باسم سمرة) يفقد الفيلم الكثير من جاذبيته وشاعريته، ليقع في فخ التمطيط والرتابة. من مشاهد محمود ياسين اللافتة في الفيلم، طلبه من عادل أن يتصل به هاتفيا مرة في الصباح ومرة في المساء، لكي يعرف أنه مازال على قيد الحياة، بعد أن يشتري له هاتفا خلويا لا يعرف رقمه غيره، وكذلك أن يدفن بعيدا عن الآخرين، فوق جبل عال مطل على البحر، حتى يستعيد تلك الحرية التي افتقدها في حياته. وحين سأله يوسف: هل جهزت الصندوق؟ استغرب عادل وسأله : أي صندوق، وأخبره بأنه قبطي.. و المشاهد -أيضا- يفاجأ مثل عادل، الذي رد عليه بأنه لا يوجد صليب معلق أو صورة للعذراء، ورد عليه ببساطة بأنه قبطي عاصٍِِ مثلما هو مسلم عاصٍ، وتهجى اسمه الكامل : يوسف توفيق سالم، وتعمّد الضغط على مخارج الكلمة الأخيرة من اسمه، مكررا نطقها للتأكيد : (غُبْرٍيَال). وقد سبق أن كتب وحيد حامد عن العلاقة بين المسلمين والأقباط في مسلسله التلفزيوني: "أوان الورد"(بطولة هشام عبد الحميد ويسرا). وسيدفع البحث عن الصندوق عادل إلى التعرف على جرجس، والذي برع في أداء دوره الفنان الشاب أحمد عزمي، الذي يعمل (حانوتيا) في جمعية قبطية.. وهو أحد أيتام الكنيسة، ويبدو بمظهره وكأنه خارج من تابوت. و سيقرر جرجس أن يغير مسار حياته، وأن يغادر عالمه المنغلق ووحدته، لأنه ملّ- بتعبيره- أن يصلي ويرسم الصليب على صدره، ويحمل الأموات ويمثل أنه حزين عليهم. ومن المشاهد غير المألوفة في السينما المصرية، نرى صعودهما إلى قمة الجبل، وشروعهما في الحفر، و بعد الدفن يصليان عليه، كل واحد حسب ملته... ولا ننسى أن وحيد حامد يكتب الحوار في مختلف أعماله بأسلوب أدبي وحرفية عالية، ولو كان باللهجة العامية، تماما مثل أسامة أنور عكاشة، لأنهما بدآ كاتبين للقصة القصيرة، و يحرصان على التواصل -مع القراء- عبر الكتابة في الصحف. وحين سئل كاتبنا الكبير عن إساءته للمغربيات، نفاها بقوله أن المسألة كلها "كذب في كذب"، وأنه لا توجد أدوار لبنات الهوى في فيلمه الجديد "الوعد"، وأشار إلى أن البطل في أحداث الفيلم يهرب من مصر إلى المغرب، ويدخل أحد النوادي الليلية، فتأتي إحدى الفتيات إليه، وتدرك أنه مصري، وتتعرف إليه، وهذا المكان يضم فتيات مغربيات، "وهو أمر عاديّ" !! و نقلَ-السيناريست- المطاردة من مصر إلى المغرب، لأنه اكتشف أن أفلاما كثيرة تم تصويرها فى أوروبا، فقرر أن ينقل التصوير إلى المغرب. لكن يبدو أن السبب الرئيس هو التأشيرات(الفيزا)، وبقية التكاليف الباهظة التي ستثقل كاهل المنتج !! طبعا لا يوجد في الفيلم، مشهد واحد جنسي بين البطل والممثلة المغربية، ولا حتي قبلة، لهذا كانت الرقابة المغربية سعيدة جدا بهذا الاحتفاء، ومن طرف كاتب كبير.. لا سيما وأن السينما المغربية بائسة، ومعظم مخرجيها متفرنسين، لا يجيدون حتى الكلام بلغة بلدهم الأم. ووحيد حامد كان مؤدبا للغاية في فيلمه الأخير، وهو الذي سبق أن قدم نبيلة عبيد ويسرا و نادية الجندي وإلهام شاهين، في مشاهد ملتهبة أقرب إلى البورنو. و من سوء حظ لوسي في "الوعد" ، التي نستغرب سرّ قبولها أداء مشهد يتيم مع روبي، لا يقدم ولا يؤخر شيئا... استهل بلقطة زووم على صدرها، وهو أول مشهد التقطته الكاميرا قبل أن نعرف من هي، ثم نرى ساقيها، و روبي تقلم أظافر قدميها، ليُختم حديثهما عن زبائن الليل بضحك فاجر. قد يحزن المشاهد العادي لو لم يرَ جسد لوسي، لكنه لن يهتم لموت صوفيا ( الفتاة المغربية) التي تعرف عليها عادل، كما غرق الفيلم في مشاهد (الأكشن) على الطريقة الهوليودية، وبشكل مبالغ فيه، مثل المطاردات بالدراجات النارية في الأزقة الضيقة والشوارع، والقفز من فوق الأسطح، وهي مشاهد ممططة، وغير مبررة، أو بعبارة أخرى لا لزوم لها نهائيا.. كأنك تشاهد فيلما أمريكيا في شوارع طنجة. وسيترسخ في أعماق كل المشاهدين أن المغرب بلد سياحة جنسية بامتياز.. إيحاء فقط، وهذه خطورة لغة الفن السابع !! وربما تناسى كاتبنا الكبير أن المطارد يعيش مختبئا، و كان بإمكانه أن يجعل صديقته (روبي) تهرب معه إلى المغرب ويصوّر ما يشاء ولن يتهمه أحد بالإساءة لا إلى المغربيات ولا المصريات، لا سيما و أنها اعتادت على أن تصور أغانيها بثيابها الداخلية !! لقد خان الحظ وحيد حامد هذه المرة، ففي نهاية الفيلم يظهر مندوب جديد للسحراوى، دلالة على أن الشرّ لا ينتهي، ويتحد الأبطال الشباب الثلاثة(عادل وصديقته وجرجس)، ليقفوا في وجه السحراوي الجديد.. نهاية الفيلم مستهلكة، فاترة..ولنسأل صديقنا وحيد حامد :هل هذه الوقفة الجماعية الأقرب إلى الحركات المسرحية، بنفس قوة وتأثير وسحر المشهد ما قبل الأخير في فيلم أسامة أنور عكاشة وعاطف الطيب "كتيبة الإعدام"(بطولة نور الشريف)، حينما اتحد الأبطال الأربعة، وأطلقوا الرصاص دفعة واحدة على الخائن؟ أترك الإجابة للقراء والمشاهدين !!! هشام بن الشاوي الفوانيس السينمائية