في الفيلم الهنديّ (راجا هندوستاني) من إنتاج عام1996 لمخرجه( دارميش دارشان), آرتي(Karisma Kapoor) تعيش مع أبيها الثريّ, وزوجته الشريرة, وفي مناسبة عيد ميلادها, تعبّر عن رغبتها بزيارة القرية التي التقى فيها والديّها منذ زمنٍ بعيد, يسافر الأبّ إلى ألمانيا, وتغادر بدورها إلىPalankhet, وتستغلّ زوجة الأب غيابهما, لتُدبر خططاً مع أخيها للاستيلاء على ثروة زوجها. وما أن تصل (آرتي) مع مرافقيّها (كامو, وغولاب) إلى مطار المدينة الأقرب للقرية, حتى تلتقي بسائق التاكسي راجا(Aamir Khan), ومساعده الصبي (راشدي), ومنذ تلك اللحظة يبدأ الإعجاب المُتبادل بينهما. ولأنهم لم يجدوا غرفاً شاغرة في الفندق الذي تخيّروا الإقامة فيه, يقترح (راجا) استضافتهم في منزل عمه. في تلك الرحلة, وبعيداً عن رقابة العائلة, تتكشف علاقة الحب, وتتطور, ويرفض الأب زواجهما بسبب التباين الطبقيّ بينهما, تختار (آرتي) العيش مع (راجا) في بيت عمه البسيط, المتواضع, وينجبا طفلا,ً تحاول زوجة الأب إثارة الخلافات بين الزوجين كي تستحوذ على الميراث, وفيما بعد تتكشف ألاعيبها, ويعود الحبيبان إلى بعضهما, وتلتقي العائلة الثرية, والفقيرة لتعيشا في هارمونية(لا تتحقق إلاّ في الأفلام الهندية, والمصرية). هذه المرة, (آرتي) رائعة الجمال, وثريةٌ مُتعلمة, و(راجا) وسيمٌ, يجيد الرقص, والغناء, ولكنه فقيرٌ لم يحظى بأيّ تعليم, ومع ذلك, يجمعهما الحب, وحزنٌ مشترك : هي يتيمة الأم, وهو يتيم الأب. سوف تكون اللقاءات اللاحقة بينهما في أماكن طبيعية ساحرة, تنطلق فيها المشاعر, والأحاسيس, وكأنّ الأفلام الهندية تتضمن مهماتٍ سياحية تجعل المتفرج يسرح بخيالاته بعيداً عن صخب المدن, وزحامها, والحال الصعب الذي يعيشه. (أرغب النظر إلى عينيكِ دائما,ً كيف خلقكِ الله بهذا الجمال..), في الأغنية الهندية لا داعي للتساؤل كيف تتغير الملابس, والزينة من لقطةٍ إلى أخرى بهذه السرعة, وكما هي فاصلةٌ, أو استراحة, تمتلك بالتوازي وظيفةً وجدانية تتأرجح ما بين الواقع, والخيال, يتبادل فيها الحبيبان الغناء بدل الحوار, والثرثرة, حيلةٌ دراميةٌ, وجماليةٌ انفردت بها الأفلام الهندية, وأخلصت لها, والإخلاص إحدى مميزات قصصها . والحقيقة, لو تخيلت(مجرد التخيل فقط) استبعاد تلك الأغاني, سوف يفقد الفيلم مذاقه, وتصبح الحكاية على درجةٍ كبيرة من التكرار, والملل. وبشكلٍ عام, يتجسّد الإيمان, وطقوس العبادة في تفاصيل الأحداث, وحتى في لحظات التعبير عن الحبّ, والهيام. وتُشكل المياه دوراً جمالياً(ودرامياً) مهمّاً : الينابيع, السواقي, الأنهار, البحيرات, البحار, والأمطار ... في مواقف كثيرة من الأفلام الهندية, يُفاجئ العاشقان بهطول الأمطار, وعاصفة تبدأ مع بداية الأغنية, خلالها, أو بعدها, كي يبحثا عن ملجأ في وسط الطبيعة, وربما تحدث خطيئة ما. تضفي الأمطار على المشهد جرعةً من الشهوانية المُتخفية في ثنايا اللقطات, ينفلتُ شعر البطلة الأسود, وتلتصق ملابسها المُبتلة بجسدها, تتأجج رغبة البطل بها, والتقاليد الهندية لا تسمح بأكثر من ذلك. في لقطاتٍ كبيرة متبادلة, تلتقي عينا (راجا) بعينيّ (آرتي), وتنفرج شفتيّها الحمراوين, وتشعرنا الأمطار بأنهما يستمتعان بحمامٍ بارد. في ذلك المشهد, تغلي العواطف, وتقترب شفاه العاشقين, وتجتمع في قبلةٍ مُترددة, تُصاحبها مؤثرات هطول الأمطار, والبرق, والرعد, وتتهادى في السماوات آهاتٌ غنائية نسائية, وتمنح الموسيقى المُصاحبة رومانسيةً أخاذة . والحقيقة, بأنني فُوجئت بتلك القبلة الخجولة, وهذه الحالة المُنتشية التي تعيشها (آرتي), وكأنها مارست الحبّ لتوّها. ولكن, ما هو مُفاجئٌ أكثر, ردة فعل الحبيبيّن, فبدل أن يحتضن أحدهما الآخر, ويغرقا في سعادتهما, يتراجع(راجا) مصدوماً, وتهرب (آرتي) بعيداً عنه, وكأنهما ارتكبا خطأً قدريا.ً في المشهد التالي, لا أعرف كيف وصل والدها فجأةً, وكيف عرف مكان إقامتها ؟ بعد ساعة تقريباً من بداية الفيلم, تبدأ العقدة الفعلية للأحداث, وقبل أن تعود (آرتي) مع أبيها إلى (بومبايّ), يكشف العاشقان عن حبهما, ويقترح الأب بأن يعود (راجا), ويعيش معهم وُفق تقاليد العائلة الثرية, ولكنه يرفض بكرامة, ويضع (آرتي) في موقفٍ صعب : العودة مع أبيها, أو البقاء معه, ولكنها تتخير حبها, ويتزوجا لاحقاً وُفق الطقوس المحلية. يقدم الأب منزلاً فاخراً هدية زواج لابنته, ولكن (راجا) يعترض أيضاً, ويهدد (آرتي) بهجرها إن قبلت (إحسان) الأب الذي رفض زواجهما بسبب الفوارق الطبقية بينهما. في تلك اللحظات من السيناريو, يظهر الوجه الحقيقي لزوجة الأب الراغبة بإحداث القطيعة بين الأب, وابنته كي تحرمها من الميراث, وتستحوذ على ثروته كاملة. يضطر (راجا) اصطحاب زوجته إلى بيت الأب في (بومباي), وتحاول زوجة الأب بمساعدة أخيها الكشف عن أصول (راجا), وتحقيره أمام الضيوف, ولكنه يدافع عن فقره, وأصوله, وأخلاقه العالية, ويفضح نفاق, وكذب المحيطين بالأبّ. يعود (راجا) إلى قريته, تلد (آرتي) طفلاً, تستمر المحاولات للتفريق بينهما حتى تنكشف ألاعيب زوجة الأب, وأخيها, ومن ثم تتضح مفارقات العقدة, وغموضها, ويعود الحبّ إلى الزوجين, وتجتمع العائلة الفقيرة, والثرية, وتتقاربا في مشهدٍ ميلودراميّ مؤثر, يلخص رسالةً أخلاقية, اجتماعية, ..الحبّ ينتصر دائماً. ومن المفيد الإشارة, بأنّ المدة الزمنية المُعلنة للفيلم هي 165 دقيقة, ولكنّ مدة النسخة التي شاهدتها تقتصر على120 دقيقة فقط, وهذا يعني بأن 45 دقيقة حُذفت من النسخة الأصلية, مما جعل الأحداث في نهاية الفيلم تتسارع بطريقة لا تتناسب مع السينما الهندية المُولعة بالشرح, والتفسير, والإسهاب. ولمرةٍ نادرة, يقدم لنا هذا الفيلم البوليوديّ من الطراز الأول مُرافقان مثليّان, شخصيتان ثانويتان (كامو, وغولاب), رجلٌ تطغى عليه الملامح الأنثوية, وامرأةٌ في ملابس رجل, ويقتضي دورهما مرافقة (آرتي) في رحلتها إلى Palankhet, وسوف يُزيدا من جرعة الهزل, بشكلهما, وحركاتهما, وإمكانية الخلط بينهما, أيّ منهما الرجل, وأيهما المرأة ؟ هما شخصيتان مخلصتان تماماً لسيدتهما إلى حدّ اختيار البقاء معها, ورفض العودة مع أبيها إلى (بومباي), كما أنهما على استعدادٍ للتضحية من أجلها في أيّ لحظة. يُظهر السيناريو أكثر من مبررٍ لتواجدهما في الفيلم, فالتقاليد الهندية(العائلات الثرية خاصةً) تمنع سفر(آرتي) لوحدها إلى مدينةٍ غريبة, وبعيدة, وبالآن ذاته, فإنها تحتاج لمن يقضي حاجياتها, يعتني بها, يقوم بخدمتها, ويساندها معنوياً في الأزمات النفسية. شخصيتان ظريفتان, خفيفتا الظلّ, وبوجودهما, يفتعل السيناريو مواقف كوميدية كثيرة ناتجة عن مظهرهما المُلتبَس. ولكنهما تؤديا دوراً وظيفياً مهماً في نهاية الفيلم, يتخطى دورهما الثانويّ, عندما ينطلق (جوني) صديق (راجا) بالغناء يطلب من (آرتي) البقاء مع زوجها, يستعطفها, ويُذكرها بعلاقة الزواج المُقدسة, وبطفلهما, تظهر موهبتهما في الغناء, والرقص : (أيها الغريب, لا تذهب, وتتركني.....). ما هو طريفٌ في هذا الفيلم, بأنّ الشخصيتين, وماعدا ملابسهما, سلوكهما, وحركاتهما.. لا تُظهرا أيّ ميولٍ مثليّة نحو سيدتهما, أو الآخرين, وكأنهما فقدتا منذ زمنٍ طويل رغباتهما الجنسية, وكان بالإمكان إضحاكنا بدون التأكيد على اختلافهما المظهري, والسلوكيّ. ومن المعروف بأنّ السينما الهندية تمتلك حياءً شديداً في إظهار العلاقات الجسدية بين الشخصيات, حتى ولو كانت بين زوجيّن. إنّ أكثر ما نستطيع مشاهدته في فيلمٍ هنديّ (مع قليلٍ من الاستثناءات) بعض أجزاء من الجسد, ومبادرة قبلة يندر أن تلتقي فيها شفاه العاشقين. ويستخدم المخرجون عادةً الاستعارة, الرمز, والإيحاء للتعبير عن النشاط الجنسيّ للشخصيات, وتُحاذر الأفلام صدم المتفرج الهنديّ, وخلخلة تقاليده المُتوارثة, ولهذا, فإنّ الأفلام التي تعاطفت مع العلاقات المثلية/أو أظهرتها نادرةٌ جداً في السينما الهندية, وعندما يظهر فيلمٌ ما في الصالات التجارية, فإنه يُثير زوابع من السخط, والاستياء العام, كما حدث مثلاً مع Fire من إنتاج عام 1996 لمخرجته (ديبا ميهتا). ولهذا, فقد تواجدت الشخصيتان(كامو, وغولاب) في (راجا هندوستاني) بهدف الإضحاك أكثر من التعاطف مع اختلافهما. وقد حظيتا بقبول المتفرج لأنهما في خدمة البطلة أولاً, ولم تتخطيّا الخطوط الحمراء ثانياً, ولم يتعدىَ اختلافهما الجانب المظهريّ . صلاح سرميني