أنقذه محمد الخامس من الموت وأحبه الحسن الثاني ودعاه محمد السادس للغناء "" عندما انتشرت شائعة تقول إن المطرب اليهودي سامي المغربي يدير قصة غرامية مع سيدة من علية القوم في المغرب هدد أقاربها بقتله بعد أن استنكروا الزج باسم ابنتهم الكريمة في فضيحة مع مطرب يهودي! ولحسن حظه كان هناك شخص واحد فقط يؤمن ببراءته، هو الملك محمد الخامس ملك المغرب، والد الملك الحسن الثاني، وجد الملك الحالي محمد السادس. أتى محمد الخامس بالمطرب اليهودي سامي المغربي وواجهه بالشائعات التي تدور بين أرجاء القصر. وأنكر سامي كل شيء، وقال إن الفتاة التي يجري الحديث عنها هي التي تطارده! ورغم أن هذه القصة أنقذت حياة سامي، لكنها أجبرته على مغادرة المغرب فورا. ويتذكر الياس كاكون، الذي كان يعزف على آلة الأكورديون ضمن فرقة سامي المغربي التي كانت تحمل اسم سامي بويز في الدارالبيضاء، وهو عازف بفرقة الموسيقى الأندلسية الإسرائيلي، هذه الأحداث، ويقول: ذات يوم في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، دعاني سامي الى مكتب الفرقة على عجل، وقال لي سوف تسمع قريبا انني كنت على علاقة مع امرأة متزوجة من علية القوم. وها أنا ذا أقسم لك أنه لم يكن بيننا شيء. أنت تعرفني جيدا وأكثر من الآخرين، هل تنقصني فتيات يهوديات لأذهب الى المسلمات؟ .. وقال أيضا فقط لأن الملك يحبني أبقاني على قيد الحياة ولم يسمح لاحد بأن يمسني. وقد صدقني الملك ولكنه طلب مني الرحيل ومغادرة المغرب . وسافر سامي الى باريس حيث بقي هناك لعدة شهور. ولكن أسطورة غرام المطرب اليهودي بالسيدة المسلمة في المغرب ظلت على قيد الحياة وتحولت الى اسطورة من تلقاء نفسها. وتقول الاسطورة إن سامي المغربي، قبل أن تنكشف قصة غرامه المحرمة، خص حبيبته السرية بأغنية قفطانك محلول يا لالا . وهي أغنية يغازل فيها المطرب حبيبته ويشير فيها الى أنها تخص رجلا آخر. ويقول موشيه ملول، وهو محاسب يعمل في القدس، وكان من اشد المعجبين بسامي المغربي في طفولته، ثم اصبح صديقا له عند انتقال المغربي الى اسرائيل: من اختلق هذه القصة ضد سامي المغربي هم المطربون الذين غاروا من نجاح سامي بهدف تشويه صورته وسمعته . وقد روى لي انه عندما كان يظهر في القصر كان يوصي كل عازفي الفرقة الموسيقية بارتداء نظارات قاتمة تمنع الرؤية لمنعهم من النظر او رؤية النساء الجميلات اللاتي كن يحطن بالملك محمد الخامس. وكان الملك يستثني سامي وحده من ارتداء هذه النظارات، بما يعني ان الملك كان يثق به، وكذلك ابنه الملك الحسن كان يحبه ايضا كثيرا، وحتى الملك الحالي محمد السادس سبق ان دعاه للغناء في المغرب. أحد شاهدي العيان في هذه القصة هو رجل الأعمال الفرنسي الاسرائيلي شموئيل بلاتو شارون الذي طلب من سامي المغربي في نهاية سنوات السبعينيات من القرن العشرين تقديم عدة حفلات غنائية امام الناخبين الذين ترجع اصولهم الى شمال افريقيا، في إطار الحملة الدعائية لشموئيل بلاتو شارون للفوز بمقعد في البرلمان الاسرائيلي (الكنيست)، وسافر الاثنان معا في زيارة الى الملك الحسن في قصره بالرباط. ويقول بلاتو شارون لصحيفة هآرتس الاسرائيلية: لن تصدقوا كيف استقبله الملك، كان مجنونا به، ولكن سامي كان حريصا على عدم مقابلة اية سيدة من عائلة الملك. فقد كان رجلا جميلا من ذلك النوع الذي يجذب النساء، فقد كان نجما كبيرا وجذابا جدا وقضينا الكثير من الليالي معا. مات سامي المغربي في 9 مارس 2008، عن عمر يناهز 86 عاما، في مونتريال بكندا، التي اقام بها بعد ان هاجر من اسرائيل عام 1996. وشكا كثير من اليهود ذوي الاصول المغربية من تجاهل الصحافة الاسرائيلية لوفاة سامي المغربي. شارك في جنازته مئات الاشخاص، وكان معظمهم من اعضاء الجالية المغربية في مونتريال. وقال الحاخام الرئيسي للجالية المغربية في كندا ديفيد صباح. كما شارك في الجنازة كل من سفير المغرب في كندا محمد طنجي الذي قرأ آيات من القرآن على قبره ترحما عليه. وقالت ابنته روني امزلاج أن أشخاصا كثيرين شاركوا في جنازة والدها لم تتعرف هي على هويتهم. واضافت: كان من بينهم مخرج جزائري كان قد بدأ في إعداد فيلم عن حياته لكنه لم يتمكن من إجراء لقاء معه قبل وفاته، وكان هناك شخص تولى ابي كل نفقات دفن والديه. وتلقينا التعازي من صندوق مساعدة فاقدي البصر الذي اقامه ابي في اسرائيل، ولم نكن نعلم نحن شيئا عنه. وقال الموسيقار المغربي الدكتور محمد المدلاوي، استاذ الموسيقى في جامعة الرباط المغربية، المتخصص في التراث الموسيقي ليهود المغرب: لقد تأثر كل المغاربة بوفاة سامي المغربي. فقد كنا جميعا نقدر موهبته واصالته. وكلما مر الزمن زاد إدراكنا لمدى تأثيره على ثقافتنا . ولد سامي امزلاج عام 1922، في ميناء آسفي المطل على المحيط الاطلنطي. توفيت امه عندما كان عمره 14 عاما فقط، وكان الأصغر بين اشقائه الثلاثة. وبعد وفاة أمه انتقل والده مع ابنائه الى مدينة سالي بالقرب من مدينة الرباط العاصمة. وتزوج هناك أرملة من الدارالبيضاء، كان لديها هي الأخرى 3 أبناء. وكون الاثنان اسرة جديدة وأنجبا 3 أبناء آخرين! وأكمل سامي المغربي دراسته في مدرسة اليانس الثانوية وتعلم العزف على العود الذي ارتبط به طول حياته وربطه بحبيبة عمره ماسودي كوهين. وتتذكر ماسودي التي تعيش هي الاخرى في مونتريال، هذه اللحظات الجميلة في حياتها، قائلة بلهجة مغربية: كان سامي في الواحدة والعشرين من عمره، وكنت أصغره بعام واحد فقط . وأحضره أبي آنذاك الى بيتنا وقال لنا: تعالوا لتقابلوا هذا الموسيقي الشاب . وعزف سامي على عوده طوال الليل في منزلنا. وقد كان يرمقني بنظرات خاطفة وكنت أفعل الشيء نفسه، حتى عشقني وعشقته وصرنا نشتعل من شدة الحب، لكن لم يجرؤ أي منا على الحديث. وبدا ياتينا كل يوم، وبعدش هر واحد فقط طلب يدي للزواج. ومال ابي للموافقة على طلبه لكنه قال له: بشرط ألا تقضي ابنتي لياليها بمفردها ، لأنه كان يعرف ان سامي مطرب اعتاد السهر ليلا. فما كان من سامي إلا أن وعد أبي أن يطمئن على ابنته معه، قائلا: أنا رجل مستقيم ومن أسرة طيبة، لن تحزن ابنتك معي أبدا، ولن أؤذيها طوال حياتي أبدا . وتزوجنا وانتقلنا للسكن في شقة بمدينة الرباط. وفي عام 1949 عندما أنجبنا ابنتين طلب سامي السفر الى باريس كي يتعرف على الموسيقى الجديدة هناك. والتقى هناك مع موسيقي باسم ميدرومي أعجب جدا بموسيقاه فأنتج له اسطوانة بصوته. وعندما عاد سامي الى المغرب أعطى نسخة من الاسطوانة الى رجل عربي يدعى الشيخ رضوان، وكان لديه ملهى في وسط المدينة. وأصبح سامي يغني في ملهى رضوان، وعلمه كيفية إنتاج اسطوانات بالتكنولوجيا التي أحضرناها معنا من فرنسا. وبدأوا في نسخ الاسطوانات حتى باعوا الآلاف منها، وهكذا ولت الأسطورة التي يسمونها سامي المغربي . وبعد وقت قصير من عودة سامي من فرنسا مات أبوه. وأصبح سامي ثريا من بيع الاسطوانات فانتقل وأسرته الى الدارالبيضاء وأنجب هناك 4 أبناء آخرين. عندما بدأت شهرة سامي المغربي في الانتشار توجه اليه رجال من قصر الملك محمد الخامس. وتتذكر زوجته تلك الايام قائلة: قال لنا رجال ملك المغرب: لم نسمع غناء رائعا كهذا من قبل. نريدك ان تغني امام الملك . ومنذ تلك اللحظة بات سامي مدعوا في كل مناسبة بقصر الملك. ولكن في عام 1955 وخلال نضال المغرب للحصول على استقلالها من فرنسا غادر يهود كثيرون من المغرب الى اسرائيل وفرنسا ودول أخرى من العالم. وسافرت اسرة سامي الى باريس، بينما تم نفي اسرة الملك على يد الفرنسيين الى مدغشقر! وفي مارس 1956 حصلت المغرب على استقلالها وعاد الملك محمد الخامس الى باريس واقام لفترة قصيرة في حي سان جيرمان. وحضر عازف الاوكورديون كاكون ذلك اللقاء الذي تم بين الملك المنفي وسامي المغربي، ويتذكر كاكون قائلا: قال له الملك: إذا عدت، سوف يكون بامكانك انت العودة أيضا، لا تخف . وأجاب سامي على الفور: إذا أذنت لي سأعود . وبمناسبة عودة الملك محمد الخامس الى المغرب كتب سامي أغنية ألف هنية وهنية يا للا الشهيرة، ثم أغنية قولوا حمدلله على السلامة لسيدنا محمد الخامس. وتقول مريم بن حامو الابنة الثانية لسامي المغربي والتي تسكن الآن في اسرائيل: عندما كنا أطفالا كنا نرافق والدنا كثيرا الى قصر الملك. وفي يوم الاحتفال بالعيد الخامس لميلاد الأميرة أمينة، ابنة الملك محمد الخامس وشقيقة الملك الحسن الثاني، (وتوفيت في أواخر فبراير 2009) امتلأ قصر الملك في الرباط بالمسارح والمنصات التي جلست عليها الفرق الموسيقية والمطربون من المغرب واسبانيا والبرتغال وفرنسا وممثلو قبائل من افريقيا. أما نحن أطفال سامي المغربي فظهرنا معه على المسرح لتقديم أغنية خاصة ألفها أبي تكريما للأميرة. وكان الملك جالسا على كرسي العرش محاطا بنساء تم حجبهن بالستائر. وعندما نزلنا من على المسرح طلبوا منا التقدم الى الملك وأعطى لكل واحدة منا 3 دنانير ذهبية كهدية. كان سامي يجيد الحديث والغناء بكل اللهجات العربية، بالمصرية والمغربية، واللبنانية والتونسية والجزائرية. وفي عام 1954 تلقى دعوة من إذاعة الجزائر للغناء هناك، فلبى الدعوة وحصل على ميدالية وشهادة تقدير من الاذاعة. ويقول احد اليهود المغاربة الذين يعيشون الآن في القدس وعاصروه ان من كان يريد الحصول على النقود من مناسبات سعيدة لديه، في صورة نقطة سخية كان يدعو سامي المغربي للغناء فيتحقق له ما يريد. ويقول أحد أعضاء فرقته التي كونها في المغرب باسم سامي بويز أنه منع أعضاء الفرقة من العزف في أية فرق موسيقية أخرى. كما فرض عليهم الالتزام بارتداء بدلة سوداء ورابطة عنق كرافتة او بابيونة وحذاء أسود لامع وجوارب بيضاء. عاش سامي المغربي حياة الرفاهية والمتعة، فكان يحظى بعشق النساء واحترام وتقدير الملوك، وحياة الليل المثيرة، لكنه ايضا كما يقول المقربون منه كان شخصية محترمة ورب اسرة ملتزم ومتدين وكان كل الحاخامات يقدرونه. وتقول زوجته ماسودي: سألوني الناس مرارا عن سر هذا التناقض في شخصيته. ففي الدارالبيضاء كان الحاخام ديفيد بوزجلو العظيم يدعوه الى معبده. وحاول سامي التهرب منه اكثر من مرة. وكان يقول له انه سيغني في الملاهي الليلية وسوف يسافر في ايام السبت (بالمخالفة لتعاليم الديانة اليهودية التي تلزم اليهودي بالبقاء في منزله في ذلك اليوم). ولكن بوزجلو كان يصر على مجيء سامي الى معبده، فزاد تدين سامي. والحقيقة انه لم يرتكب اية اخطاء زائدة عن الحد طوال حياته. وبعد 65 سنة سنة من الزواج اشهد انني عشت معه حياة سعيدة وانه كان رجلا مستقيما ولم اغضب عليه يوما . وتؤكد الابنة مريم ما قالته امها قائلة: كان أبي مطربا ناجحا وكان رجلا وسيما كانت النساء تتقاتلن عليه. ولكن أمي كانت البطلة دوما! فقد عرفت كيف تفهمه وتتعامل معه. وكانت كثيرا ما تذهب الى الملاهي والحفلات التي يغني فيها أبي، وكانت ترى بعينيها كيف كانت النساء تفترسه بعيونهن . وذات مرة كانت أمي جالسة وسمعت باذنيها فتاة تقول لصديقتها بكل غيظ: لو كنت أعرف زوجته لذهبت وقتلتها! . وكانت أمي تحكي لنا ذلك وهي منفجرة في الضحك. ولكن أبي لم يكن يحب الحديث في مثل هذه الأمور، فقد ربانا على الاحترام. وفي عام 1959 غادر سامي المغربي من المغرب نهائيا. وانشأ شركة لانتاج الاسطوانات في باريس باسم سامي فون ، كان مقرها يقع في شارع زيدكوف 5. وتركز أغلب إنتاجه على الطائفة اليهودية. ودعاه يهود من جميع انحاء العالم كي يحيي حفلاتهم ويغني في مناسباتهم السعيدة، في سويسرا والجزائر وفنزويلا والولايات المتحدةالامريكيةوكندا واسرائيل. وفي عام 1962 سافر إليه أحد أصحاب شركات الاسطوانات في اسرائيل واتفق معه على توزيع اسطواناته في اسرائيل. وتلى الأمر الاتفاق على أن يسافر سامي المغربي الى اسرائيل لإحياء عدة حفلات هناك. وفي اليوم المتفق عليه اضطر صاحب الشركة الى تخصيص أتوبيسات لنقل معجبيه من القدس ويافا لاستقبال سامي المغربي في المطار، حيث بكى كبار السن بمجد رؤيته من فرط السعادة، في مشهد لا ينسى، على حد تعبير من حضروه. ويحكي شقيقه رافي امزلاج الذي يعيش في مدينة حولون باسرائيل: كان سامي يرفض الغناء في الافراح او الحفلات وكان يغني فقط في الصالات الكبيرة. وذات مرة في بداية السبعينيات من القرن الماضي انكسر العود الذي يعزف عليه. وسأل عن مكان يمكن الحصول منه على عود جديد، فعرف ان عربيا في الناصرة يقوم بتصنيع آلات العزف، وطلب مني ان أخذه الى هناك. فوصلنا الى كوخ في حارة بمدينة الناصرة. وطلب من العربي عودا جيدا، فأعطاه العربي عودا، فأخذه سامي الى خارج الكوخ وراح يجربه، فعزف اغنية للموسيقار محمد عبد الوهاب، وشيئا فشيئا تجمع الناس حوله، واحيا سامي حفلة كاملة في تلك الحارة مجانا لاهالي الناصرة. وكان سعيدا للغاية بذلك. في عام 1967 انتقل سامي المغربي للإقامة في مونتريال بكندا، بعد ان تلقى عرضا مغريا للعمل كمنشد في المعبد الرئيسي المخصص لليهود ذوي الاصول الاسبانية والمغربية والبرتغالية. ولكن بعد 20 عاما، هاجر الى اسرائيل عام 1987 وأقام في أسدود، بعد أن قابله الوزير الاسرائيلي الأسبق ديفيد ليفي ودعاه الى الهجرة. وأسس سامي المغربي في اسرائيل مؤسسة لإحياء الموسيقى الأندلسية، وأدخل فيها الموسيقى الاندلسية والجزائرية والتونسية والشرقية التي تمثلها سيدة الغناء العربي ام كلثوم والموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الاطرش. ولكن سامي المغربي هاجر من اسرائيل عام 1996 عائدا الى كندا، بعد ان لم تعجبه الحياة في اسرائيل، ولم يلق التقدير الذي كان يتوقعه هناك. وبقيت ابنته مريم في اسرائيل لأنها تزوجت من نائب رئيس بلدية اسدود ايلي بن حامو الذي توفي منذ بضع سنين. كما تزوجت ابنته روني من مهاجر يهودي من شمال افريقيا خلال احدى زيارات الاسرة الى اسرائيل في بداية السبعينات. وفي الثمانين من عمره أنشأ سامي المغربي فرقة للموسيقى الاندلسية في كندا، وكان يشارك في حفلاته عدد من المطربين المغاربة. وكان آخر ما كتبه ولحنه بنفسه اغنية تحدث فيها عن نفسه قائلا: أنا عمري ثمانين، وفي الموسيقى قضيت ستين، اتعرفت على كبار الفنانين، يهود ومسلمين ، وكان الجمهور يرد عليه قائلا: يا رب يا سامي تعيش لنا لحد ما يبقى عمرك 120 سنة . ولكن سامي المغربي في النهاية لم يتمكن من تنفيذ أمنية معجبيه وعشاقه فمات في السادسة والثمانين من عمره!.