تشهد صالات السينما الكندية والأميركية عرض فيلم «أين أسامة بن لادن في هذا العالم؟» للمخرج والممثل وكاتب السيناريو الأميركي مورغان سبورلوك. عنوان الفيلم جذاب ومثير ويلخص جانباً كبيراً من مغزاه البعيد، إذ يتمحور حول فكرة بسيطة في ظاهرها شديدة التعقيد في ملابساتها وتداعياتها وتفاصيلها. ويختصرها سبورلوك بعبارة مقتضبة، إذ يسأل: «في أي عالم سيحيا ابني الذي سيولد قريباً؟». يحاول بطل الفيلم سبورلوك في كل الوسائل أن يلاحق هذه الفكرة ويتكبد من أجلها مشقات السفر والتنقل في بلاد «شديدة الاضطراب أمنياً» كما يقول... بلاد لم يزرها من قبل آملاً في العثور على بن لادن، رمز الإرهاب العالمي الذي بات أسطورة على ألسنة الناس في كل مكان. يأخذ سبورلوك قراراً بالعثور على بن لادن بمفرده من دون مساعدة أحد، لا من «سي آي إي» ولا «أف بي آي» ولا الجيش الأميركي. فهؤلاء على حد قوله «لم يفلحوا حتى اليوم في اعتقاله». ويرافقه في مهمته الشاقة التي دامت نحو خمسة اشهر فريق عمل صغير يتألف من مصور فوتوغرافي ومترجم ومعد للصوت... وهكذا يحط سبورلوك رحاله في بعض بلدان الشرق الأوسط متنقلاً بين أفغانستان وباكستان ومصر والسعودية وغزة والمغرب وإسرائيل. ويرتاد الأسواق التجارية والساحات العامة والمساجد، ويقابل فيها الناس العاديين، نساء ورجالاً من مختلف الأعمار. يتودد إليهم، ويمازحهم ويسترسل في الحديث معهم في موضوعات شتى، بعضها ذات صلة بالإرهاب. ويحرص في كل ذلك على أن يلبس زيهم ويشاركهم طعامهم وشرابهم، ويتطبع بعاداتهم، ويشعرهم كأنه واحد منهم على أمل أن يحصل بطريقة أو بأخرى على معلومة قد تقوده الى مخبأ بن لادن، على رغم أنه يشعر في قرارة نفسه بأن القبض عليه أمر يهمهم كما يهمه شخصياً. ولا يخفي أن ما حصل عليه من معلومات كان أقرب الى التكهنات والإشاعات منه الى الحقائق، علماً أن من قابلهم لم يأخذوا حديثه على محمل الجد. حتى ان بعضهم قابله بالسخرية والاستهزاء وبمشاعر لا تخلو أحياناً من العدوانية والغضب. في مجمل هذه المشاهد يبدو سبورلوك مصاباً بخيبة أمل وإحباط بعدما أيقن ان جولاته في القرى والمدن والجبال وصولاً الى كهوف تورا بورا ومنحدراتها، لم تجدِ نفعاً وكأنه يلاحق شبحاً أو يبحث عن سراب. وبعدما فقد سبورلوك الأمل باقتفاء إي اثر لبن لادن، يردد في مشهد سوريالي يائس: «ان أسره لم يعد بالأهمية ذاتها التي كانت عليه غداة تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001». ويضيف: «ان المتطرفين من أنصاره اصبحوا أقلية بين شعوب العالم، كاشفاً عن سعادته بما توصل إليه من نتائج «إيجابية»، منها أن محاولته كانت نقطة انطلاق لإعادة نقاش ضروري، لا في الولاياتالمتحدة وحسب، إنما في العالم الذي لا يزال يعيش هاجس الإرهاب والحروب». ويشير الى ان الحوار الذي أجراه مع من قابلهم عكس نبض الشارع في الشرق الأوسط حيال عدد من التساؤلات حول أميركا والإرهاب والإسلام. كما ان هدفه لم يكن، كما يقول، «ان يقدم للسينما دروساً في الاجتماع والسياسة بمقدار ما كان تسليط الضوء على ان السلام الحقيقي لا يتحقق إلا بالحوار، وبتعايش الثقافات كسبيل وحيد يكفل لمولوده الذي سيبصر النور وللملايين من أمثاله، حياة بلا خوف ولا إرهاب». باختصار يبدو أن سبورلوك قد تعرض لموضوع ربما كان اكبر منه وفوق طاقته وقدرته، إذ لم ينجح في النهاية في ان يفصل بين الوهم والحقيقة على رغم ما يتمتع به الفيلم من عناصر قوة فنية لجهة أسلوب العرض والتبسيط والموسيقى التعبيرية ودقة الملاحظة ومتابعة الوقائع، إضافة الى نجاحه في الإثارة والتشويق ومزج الجد بالفكاهة في المواقف الصعبة. الى درجة أن المخرج لا يتردد بالقول إن فيلمه «كان كوميدياً أكثر منه وثائقياً». ومهما قيل في الفيلم يبقى سبورلوك ربما أصدق من غيره لدى جوابه عن سؤال للصحافة الكندية حول كيفية شرحه لمواطنيه الأسباب التي قادته الى هذا المأزق، خصوصاً أن كثراً لم يفهموا الى الآن لغز أسامة، فيجيب: «أعرف تماماً أن هناك من يلومني على هذه الرؤية البسيطة لمشكلة معقدة جداً. ولكن أرى انني قمت بخطوة هي افضل من لا شيء، إذ وجدت الناس في الشرق الأوسط كارهين للحرب والإرهاب ومحبين للحياة والسلام. وهذه رسالة الى من يعنيهم الأمر». مونتريال - علي حويلي/ الحياة - 30/05/08//