سينما أحمد المعنوني : الانتساب الواقعي والبعد الجمالي كتاب سينمائي مغربي جديد سيصدر قريبا عن مطبعة منشورات آنفو - برانت بفاس كتاب سينمائي مغربي جديد بعنوان " سينما أحمد المعنوني : الانتساب الواقعي والبعد الجمالي " ، وهو في الأصل تجميع لاشغال يوم دراسي حول تجربة المبدع أحمد المعنوني السينمائية نظم بالرشيدية سنة 2010 في اطار مهرجانها السينمائي الجامعي . فيما يلي التقديم الدي أعده الناقد والصحافي السينمائي أحمد سيجلماسي لهدا الكتاب الجديد تقديم أجمع أصحاب النصوص التسعة ( ستة بالعربية وثلاثة بالفرنسية ) المتكاملة ، التي يتكون منها مثن هذا الكتاب ، على أن التجربة السينمائية للمبدع أحمد المعنوني تجربة لها خصوصيتها وفرادتها . فهي أولا تجربة تنتسب إلى الواقعية بشكلها ومضامينها وجمالياتها ، يتداخل فيها المشترك الثقافي والمشترك الإجتماعي والتجربة الذاتية ، وهذا الإنتساب الواقعي هو ما حاول الباحث حميد اتباتو ، من منظور اختلافي ، أن يقف على خصوصيته عبر تحليله لأفلام " أليام أليام " و " الحال " و " القلوب المحترقة " ومساءلة الواقع وجماليات الواقعية فيها . وانتهى إلى خلاصة مفادها أن سينما المعنوني جعلت الواقع مادتها الأساسية وانشغلت بتنويع هذه المادة بين ما هو اجتماعي ( أليام أليام ) وما هو ثقافي ( الحال ) وما هو شخصي وذاتي ( القلوب المحترقة ) . وتمييزا لهذا الأسلوب الواقعي راهن المعنوني على التخييل الوثائقي ، الذي يرتكز على مرجعية سينما الفقير وما تتميز به من خصائص كاعتماد البساطة في الديكور والإنتاج وآليات العمل والإهتمام بالتفاصيل والجزئيات والتركيز على المهمش واللامرئي... وهي ثانيا تجربة يتميز فيها المخرج المعنوني بقدرته على الجمع بين التقنيات المسرحية والسينمائية ، كهندسة فضاء المشهد على مستوى السينوغرافيا وحركة الممثلين وإدارتهم ، والدمج بين جماليات التلفزيون والفيلم الوثائقي ضمن رؤيته السينمائية التي تجعل فن الإخراج ليس مجرد تمارين تقنية بل رؤية لقضايا الذات والمجتمع ، على حد تعبير الناقد السينمائي والقصاص محمد اشويكة . وهذه الرؤية الإخراجية تتميز بطبيعتها الوظيفية والتكاملية إذ تتلاءم أجزاؤها مع كلها من أجل خدمة وظائف بصرية متعددة حيث يتم الإشتغال على السيناريو وترك فسحة للإرتجال ( الحال ) ، كما يتم الإعداد الدقيق للتصوير والعناية الفائقة بالصورة ، خاصة أثناء التأطير ، وإعطاء أهمية خاصة لشريط الصوت والإدارة الوظيفية للممثلين وتكامل السيناريو والإخراج والمونطاج ... وهي ثالثا تجربة سينمائية في تطور مستمر من فيلم لآخر ، يتميز صاحبها بدقته الفنية وبرؤيته الثاقبة القوية وبحضور مزدوج ومتناغم للبعدين الوثائقي والتخييلي في جل أعماله ، كما يلاحظ الصحافي مصطفى اللويزي . وهكذا فالطريقة التي قدم بها المعنوني أعضاء مجموعة " ناس الغيوان " طريقة فريدة من نوعها ، فقد تركهم يتحدثون بحرية دون توجيه أو تدخل منه ، ولعل هذا ما جعل " الحال " (1981) فيلما متعاليا على اللحظة الزمنية التي صور وأنتج فيها ، ومشاهدته حاليا تظهر إلى أي حد كانت رؤية مخرجه ثاقبة لأنه بدون هذه الرؤية يمكن مشاهدة ممثلين مسيرين يشخصون وفق رؤية روائية . ما هو جميل إذن في فيلم " الحال " هو تقديمه لناس متألقين في الساحة الفنية والثقافية وهم في حياتهم العادية ومعيشهم اليومي الذي لا يرحم ، يتحدثون بلغة تلقائية غير مصطنعة . ومن خلال ذلك أرخ المعنوني لجانب من تاريخ المغرب المعاصر عبر تمرير صور لحالة الأحياء الشعبية بالمدن الكبيرة وإثارة بعض مشاكل السبعينات وبداية الثمانينات الإجتماعية وتصوير جمهور مولع بغناء الغيوان الملتزم ومتطلع إلى غد أفضل . وهي رابعا تجربة ، تقول عنها شهادة الناقد والفنان والشاعر عزيز الحاكم ، أن صاحبها مخرج من طراز خاص وذلك لأن أفلامه ذات طابع حميمي ، تركز على الإنسان قبل المكان أي أن المعنوني يولي أهمية قصوى لملامح الوجه باعتبارها علامات تعكس مواجع الكائن ومسراته أيضا . ما يميز سينما المعنوني أيضا هو بعدها التأملي وغناها الدلالي ، مبدعها صاحب مشروع سينمائي بعيد المدى وموقع بصمة لا ينازعه فيها أحد . لقد برهن في أفلامه الثلاثة على أن الإبداع القوي لايتحقق بالنمطية وتكريس السائد ، بقدر ما هو مغامرة محروسة بحدوس الفنان وطموحاته المعقلنة . وهذه الميزة يكاد ينفرد بها المبدع أحمد المعنوني ويستأهل عليها صفة " شاعر يكتب بالكاميرا قصائد مرئية معبأة بالعديد من الدلالات والمحسنات الفيلمية البديعة " . وهي خامسا تجربة لعب فيها التكوين العلمي والفني دورا كبيرا مكن صاحبها من تحقيق رغبة دفينة لديه تتمثل في التوثيق بالصورة والصوت لجوانب من التاريخ الشعبي المعاصر للمغرب في أبعاده الإجتماعية والسياسية والفنية والأدبية والمنسية ، كما يرى الناقد والصحافي السينمائي أحمد سيجلماسي ، الشيء الذي أثمر سينما لها بصمة خاصة تفرض احترامها على المتلقي ... بالإضافة إلى النصوص الستة ، التي قاربت تجربة أحمد المعنوني السينمائية في شموليتها ، يتضمن هذا الكتاب ، المعزز بصور للمعنوني وملصقات أفلامه السينمائية الأساسية ، أيضا ، قراءة في فيلم " أليام أليام " للناقد والأستاذ الباحث مولاي إدريس الجعيدي ، وقرائتين في فيلم " الحال " للباحثين نور الدين محقق وعثمان بيصاني ، وقراءة في فيلم " القلوب المحترقة " للباحث بوشتى فرقزايد . في قراءته للفيلم الأول للمعنوني لاحظ الجعيدي أن الميزة الأساسية لهذا الفيلم ، الذي تحضر فيه الثقافة الشعبية بقوة ، تتمثل في نبرة الحقيقة التي ترجع إلى تفضيل مخرجه للسرد الدرامي على تسجيل الواقع كما هو . فعمل المخرج فيه لم يكن يختلف كثيرا عن عمل الباحث أو المحقق ، فانطلاقا من الميدان واحتكاكا بالفلاحين نبعت أفكار السيناريو وتم استيحاء طريقة العمل . لقد تميز هذا الفيلم (أليام أليام) بدقته وجدته وجرأته ، ويمكن اعتباره الفيلم الوثائقي الروائي الحقيقي الأول في السينما المغربية . من جهة أخرى حظي فيلم " الحال " بقرائتين مختلفتين ومتكاملتين ، الأولى ركز فيها الباحث والأديب نور الدين محقق على مضامينه محاولا تلخيصها مع الإشارة من حين لآخر إلى جوانب تتعلق بالشكل وخصوصا الجمع بين البعدين الوثائقي والروائي بشكل لا يخلو من شاعرية ، ولم يفته التذكير في بداية نصه ببعض مميزات سينما المعنوني . أما القراءة الثانية ، التي وقعها الباحث عثمان بيصاني ، فقد تميزت بمقاربتها للعمق الصوفي في هذا الفيلم عبر لغة دقيقة وجميلة يحضر فيها بقوة القول الصوفي ومصطلحاته ( ابن عربي نموذجا ) . " الحال " ، بالنسبة للأستاذ بيصاني ، فيلم صوفي بامتياز ، لأنه غارق في بحر السؤال الميتافيزيقي ، يحاول الغوص في أعماق أفراد مجموعة " ناس الغيوان " للقبض على الدافع أو الدوافع التي من خلالها تتشكل أنفاس الأغنية الغيوانية على مستويات الكلمات والإيقاع والألحان تحديدا . إن أهم ما يميز هذا الفيلم الثاني للمعنوني ، الذي يحيل عنوانه على الحالة أوالحيرة التي هي أس وسرالخطاب فيه ، هو تمزيقه لستار المعرفة الجاهزة والبسيطة المبسطة وطرحه لمعرفة مغايرة تروم خلخلة الباطن مرورا بالظاهر . وبهذا يشكل علامة وازنة في الخطاب السينمائي المغربي لأنه خلد التجربة الغيوانية في الذاكرة الإنسانية كتجربة رائدة في مجالي القو ل و العزف الصوفيين . وبهذا الفيلم ساهم المعنوني في كتابة تاريخ المغرب والمغاربة ، تاريخ له عمق حضاري وإنساني متجذر في ذاكرة التاريخ الكوني . الفيلم الثالث للمعنوني ( القلوب المحترقة ) قاربه الباحث بوشتى فرقزايد من زاوية جمالية عبر تحليله لبعض أجزائه ( مشاهد ولقطات ) قصد الوقوف على مميزاتها ووظائفها والخروج بتفسير مقنع لها . لقد حاول المعنوني من خلال هذا الفيلم ، بجمالية ملحوظة ، إخراج سيرة ذاتية خيالية تحيل عليه ، وهذا النوع من الأفلام بدأ يظهر بالمغرب مع مومن السميحي ( العايل / الطفولة المتمردة ) وآخرين . يلاحظ الباحث بوشتى أن الفيلم عبارة عن مادة تعبيرية مسترسلة ، وقراءته تطرح إشكالية ولهذا يكون من الضروري تقسيمه إلى مشاهد لإنجاز قراءة مقنعة ، وهذا التقسيم بدوره ليس عملا مريحا . ورغم هذه الصعوبات المنهجية حاول الباحث فرقزايد الوقوف على بعض جوانب الجمالية السينمائية في قلوب المعنوني المحترقة أحمد سيجلماسي خاص ب: ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة