في ظل الحراك والتغيرات الذي تشهدها السينما المغربية، تظهر من حين لآخر شخصيات سينمائية تحاول الاستفادة من هذا المناخ باظهار موهبتها الفنية والافصاح عن ماهيتها الجمالية. المخرج المغربي كمال كمال، تجرأ على العرف السائد داخل الوسط السينمائي وانطلق من تجربته الذاتية ليعممها على كافة اعماله تقريبا، واطلق صرختين حطمتا البناء الداخلي للفيلم المغربي المتعارف عليه تلفزيا كان أو سينمائيا، فأصبحت الكاميرا لديه ليست مجرد آلة تصوير فقط، بل وظفها كريشة رسام و كقلم شاعر وكآلة موسيقي وكصوت مغن...ترسم وتكتب وتعزف وتغني لوحات وقصائد ومعزوفات تستقي من الفن مواضيعها، وتعرف الجمهور بجوانب أخرى من ذاته، عليه اكتشافها والاهتمام بها، لم تتولد هذه الصرخات الثنائية من فراغ بل نهضت من حلم يسكن هذا المخرج المغربي، حلم يجمع بين الموهبة المتعددة والممارسة العملية للسينما كفن وليس كعمل. موهبة كمال كمال تتجلى في صياغة العناوين العريضة لأفلامه انطلاقا من خلفيته الموسيقية كموسيقي محترف، فانعكست هذه الموهبة على بعض افلامه كالفيلم السينمائي "السمفونية المغربية" الذي خصصه كاملا للدفاع عن المشاعر الوجدانية للانسان البسيط وعلائقه الانسانية بالموسيقى كقيمة سامية وفاضلة تلغي الحدود وتحطم قيود المجتمع لبناء فضائل جديدة تقوم على ركام الواقع اللانساني الذي يتخلله، فيلم لم يتفوق سينمائيا فقط بل تفوق انسانيا كذلك. فيلم "طيف نزار"، وهو فيلمه الروائي الأول اتجه من خلاله الى تحديث الذاكرة المغربية، وذلك عبر التطرق لسنوات الاحتقان السياسي الذي عرفها المغرب، في سبعينيات القرن الماضي والتي تعرف ب(سنوات الرصاص ) ، لكن ما أثارني في الفيلم شخصيا ولم تتناوله ايدي النقاد باسهاب، هو ادماج العديد من القصص في موضوع واحد، رسالته المباشرة الحرية، فنجده قد تطرق الى مسألة الحرية السياسية بوضوح لا لبس فيه، لكن هناك خطاب ضمني آخر في الفيلم يروم التحدي الذي يعيشه مجتمعه في سبيل تحقيق حرية المرأة، واخراجها من جبة التقاليد المظلمة التي ما زالت تعاني منها الى اليوم، وهنا نكتشف بصمات خفية للشاعر نزار قباني الذي يعتبره المخرج من عرابي الحركات التحررية للمرأة العربية كما جاء في بعض حواراته الصحفية، وقد وظف هذا التأثير بشكل قوي لكنه خفي في نفس الآن، ولا يظهر منه الا اسمه في عنوان الفيلم كرمز وإحالة عليه. كما ذكرنا سابقا يحاول المخرج كمال كمال ان يصل الى الامتلاء الفني في اعماله من خلال طرح مواضيع فنية في قالب اجتماعي مبسط ، يقارع عبره الظواهر الانسانية والاجتماعية...التي تتميز بها المجتمعات التقليدية وما فيلماه التلفزيونيان (الركراكية، والصالحة) الا دليل على ذلك، فرغم مسارهما المختلف يتقطعان في عدة عناصر من بينها توظيف الفن كأرضية أساس للموضوع الفيلمي، فالأول استخدم لغة الألوان بالتطرق لسيرة الفنانة التشكيلية المغربية الراحلة الركراكية، والثاني اعطى لفن العيطة بعدا دراميا عرى واقع المرارة التي يعيشه معظم ممارسيه. المخرج بحكم تكوينه الموسيقى حيث درس بالمعهد الموسيقي بوجدة في الفترة ما بين 1971 و 1978 ، تفوق في احداث نوع من الثورة الموسيقية الراقية داخل السينما المغربية، واعطاها ما تستحقه من بعد فني انساني سواء داخل الفيلم كموضوع أو خارجه كموسيقى تصويرية. ازداد المخرج كمال كمال سنة 1961 ببركان، درس الموسيقى كما ذكرنا سابقا، التحق بالمعهد الحر للسينما في باريس شعبة السيناريو، له تجارب عدة في تنظيم بعض المهرجانات الموسيقية في المغرب، ريبرتواره السينمائي يتضمن افلام تلفزية("سيد الغابة" 2005، "الركراكية" 2008، "الصالحة" 2010) وافلام سينمائية ("طيف نزار"2001 الذي حصل على جائزة أول عمل سينمائي في مهرجان السينما الافريقية بخريبكة ،" السمفونية المغربية"2006) . فؤاد زويريق