حينما ناهز عمري 15 سنة بداية أواسط الثمانينات كنت من أولئك الأطفال الكبار الذين كانوا يعترضون سبيل الفنان عائد موهوب، وصراحة كنت أكبرهم، كنا نعترض سبيله وهو مترجل من حافلة النقل العمومي إلى شقته بحي سباتا بالدارالبيضاء، وبين موقف الحافلة والشقة مسافة كانت تجبر على موهوب المرور عبر أزقة شعبية مملوءة بالصبيان، كنا نعترض سبيله فقط من أجل تقبيل يديه والتبرك بسحنته وابتسامته وقامته ومشيته الخالية من أي تبجح أو عجرفة وبالتالي كنا نهتز لتقبيل إنسان يظهر وجهه على شاشة التلفاز أنذاك في وقت كان لا يسمح إلا للمبدع الحقيقي بالظهور، كنت أنا أكبرهم وكنت أحظى دائما بتقبيل خاص فيه من الاحترام والتقدير ما كنا نتشبت بالترصد لمروره بين أزقتنا في اتجاه شقته من أجل تجديد الحب والتقبيل الدائم، وحقيقة لم يسبق لأي صبي أن لمح في وجهه شيء من الاشمئزاز أو الكراهية لتصرفاتنا اتجاهه أو حتى تكرارها وأتذكر أطفالا لم يكونوا يعرفون عائد موهوب ولكن كانوا يقبلونه لأننا كنا كبارا وكانوا يقبلون هم كذلك من كنا نقدرهم، سمرة وجهه وبياض أسنانه الظاهر من ابتسامته كان لايثنينا على تكرار نفس العملية، تشبته بعزته وعفته وتشبته بقواعد احترام الكرامة جعلته إنسانا محبوبا في حيه وبين جيرانه، كنت وأنا الطفل الكبير أنذاك والمقبل على مرحلة الشباب اليافع ألاحظ بين الفينة والأخرى تدبدبا وتغيرا في الحياة الاجتماعية لعائد موهوب، كنا نلحظه في كثير من الأحيان يجعل من شقته سجنا، بحيث يمكت لشهور في بيته وبين جوانب الحي يتحرك، وفي آحايين كثيرة ما يغيب لدرجة نعتقد أنه غير مسكنه، لكن في الصميم كان عائد موهوب الإنسان الذي لا يرضى الهوان أو الذل أو الظهور بمظهر الفنان المنهزم أمام نوائب الحياة اليومية وبين مطرقة وسندان مهنة الفنان التي لم تكن قد أخذت طريقها لتكون مهنة قائمة الذات، في كثير من الأحيان ما كان يرفض المواقف التي تجعل منه إنسانا متسولا، إلا أن ثقل الحياة ونكران أصحاب المهنة لخدماته ولما قدمه للمنظومة السينمائية والمسرحية والجمعوية المغربية، كان يضعه مكرها لا بطلا في مواقف منغصة، وأتذكر في هذا المقام حين أقيمت له حفلة تكريمية من طرف إحدى جمعيات المجتمع المدني وجمعت له بعض المساهمات النقدية، وحين قدم للجمهور من أجل تكريمه تقدم المسؤول على ذلك النشاط التكريمي بكلمة مرتجلة فاجئت الحضور، قال هذا المسؤول أن ما سنقدمه للفنان عائد موهوب من مساهمة فقط هو من أجل تسديد ما بذمته من واجبات السومة الكرائية لفائدة صاحب الشقة المكتراة ، وأكيد أن عائد موهوب سوف لن يرضى تلك الطريقة التي قدم بها، ولكن ماذا عسى لفنان رفض أن يساوم بمبادئه وصدقه وعزة نفسه ، أمام غول الحياة وأمام نكرانه جميله من طرف الجهات الوصية على قطاع الفن أن يفعل، حضر جنازته عدد غفير لكن أين كان هذا الغفير من الناس حينما كان يعيش هذا الإنسان/ الفنان بين مطرقة تقدمه في السن وسندان من يعيل ويرعى عائلته، هو نموذج الفنان المعتز بمغربيته وبهويته، واللائحة طويلة لأمثاله ينتظرون من يتذكرهم على الأقل اعترافا لهم بما قدموه في لحظات رفاهنا فيها نحن عن أنفسنا بهم وعلى حساب معاناتهم. رحم الله هذا الفنان الذي عايش لحظات مهمة في تاريخ الفن المغربي ورافق في مساره الفني ثلة من العصاميين أمثال محمد عصفور، والمخرج القدير محمد الركاب و الفنان عبد الرزاق البدوي و غيرهم كثير ، وتركه بصمته واضحة في تاريخ السينما المغربية، من خلال مشاركته في أفلام سينمائية مثل فيلم "المطرقة والسندان" لحكيم النوري والذي امتطى فيه صهوة أحسن ممثل في مهرجان مكناس للسينما الوطنية والذي شخص فيه وضعية سيكولوجية الموظف المقهور ولعل تميزه هذا نابع من صدقه وواقعه ، كما كان له باع في مجال المسرح حيث شارك في مسرحية "عباس وبلقاس في لاس فيكاس" و"الوارث" وغير ذلك من الأعمال الفنية التي أخصبت الربرتوار الفني المغربي، ومع كل ذلك ف 65 سنة من الممارسة من أجل تطوير الإبداع المسرحي والسينمائي المغربي لم تشفع للمرحوم عائد موهوب للاعتراف له بالعطاء والنضال الإبداعي من طرف الجهات الرسمية صاحبة القرار مع كامل الأسف. حسن مجتهد ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر عند الاستفادة