بمناسبة الذكرى الرابعة لإعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين التي توافق يوم 30 دجنبر، نشر موقع «نبأ نيوز» حوارا، مع المحامية اللبنانية بشرى خليل، تحدثت فيه عن ظروف اعتقال صدام، ومسوغات قرارها بالانضمام إلى لجنة الدفاع عنه ، ولقائها الأول به خلال الأسر، ومضمون الحوار الذي دار بينهما، ومتابعتها لقرار الإعدام، إضافة إلى الصورة التي لا تزال تحتفظ بها عن الرئيس السابق. في ما يلي الجزء الأول من الحوار: { امرأة عربية تدافع عن رئيس دولة؟ حدثيني عن هذه التجربة؟ أنا أعرف القيادة العراقية كافة ما عدا الرئيس، كنا في لجنة المتابعة الدولية التي تضم عدداً من الشخصيات المهمة من عدة دول عربية وأجنبية ، هذه اللجنة تكونت للدفاع عن قضية العراق لأن هناك ظلما واقعا على العراق، وحصارا جائرا وتجنيا دوليا كبيرا من الولاياتالمتحدةالأمريكية. ونحن كبشر، وليس فقط كعرب ومسلمين لا نستطيع تحمل أن يقع كل هذا الظلم على شعب ودولة ونقف متفرجين بدون القيام بأي عمل لصالح القضية. كنا نتكفل بتنقلاتنا ونسافر 16 ساعة من بيروت إلى العراق عبر الصحراء. لم يكن الأمر سهلاً ولكن كنا نقوم به لإحساسنا بالظلم الواقع وإحساسنا بامتهان إنسانيتنا لما لدينا من حس قومي. بالطبع نشأت علاقة بيني وبين القيادة العراقية، خاصة الأستاذ طارق عزيز لأنه كان رئيس لجنة المتابعة التي كنا أعضاءً فيها. وكنا نلتقي بالسيد طه يس رمضان وعدد من القادة. الوحيد الذي لم أكن أعرفه هو صدام حسين، كنا متفاعلين مع وضع العراق، إلى أن حدث ما نعرفه وألقي القبض على الرئيس صدام حسين!! { كيف كان وقع الخبر على مسمعك؟ يومها كنت عائدة من الدوام. وصلت إلى البيت وكنت بانتظار وجبة الغذاء، ذهبت لأفتح التلفاز لأشاهد من خلال قناة الجزيرة ما يحدث بالعراق ? منذ سنتين أول خبر نتابعه كان ما يحدث في العراق- سمعت المذيع يقول: مصرح عن مسؤول عراقي نعتقد أنه تم إلقاء القبض على الرئيس صدام حسين!! كان الخبر مثل الصاعقة خاصة أني صرت من المقاومة العراقية ، متفاعلة معهم ونحاول التواصل لتقديم الخدمات ، نعرف أن الرئيس صدام حسين هو الذي يقود المقاومة وكان قبله طه يس الذي وقع بالأسر أيضاً، فكانت الضربات تتابع، أما الرئيس صدام حسين يقع بالأسر؟!! خبر صاعق، ثم تابعت حتى عرضوا الرئيس بذلك المظهر الشهير. { كيف كان شعورك عندما رأيته في الأسر؟ بالطبع كان المظهر مؤلماً جداً، فقد رأيته وأدركت أن الأمريكان درسوا عملية إظهار صدام حسين بهذا المنظر، في غرفة تحت الأرض، ضعيف، متلاشي، يحركوه بأيديهم مثل الآلة، لا يقوى على الحركة، كانت غايتهم أن يذلوا صدام حسين أمام الشارع العربي. كثيرون كانوا متفاعلين مع قضية العراق والرئيس صدام حسين، وعندما يظهروه بهذه الصورة. كانت غايتهم بعد أن يرى الشارع العربي هذه الصورة أنهم سوف يحتقرون صدام حسين. عندما كنت أشاهد صدام بهذا الحال شعرت أن الناس سوف تتوزع بين مشاعر متناقضة، منهم سيقول هو الذي جنى على نفسه وأوصلها إلى هنا، مع أنه صدام الأسطورة الذي كان إذا مشى انهدت الأرض تحت قدميه، اليوم أوصل نفسه إلى هذا المطاف، ومنهم من سيقول أنه بطل عربي واجه العدوان على بلده ووصل إلى آخر لحظة. { بعد هذه المشاعر تجاه الموقف، ماذا كانت ردة فعلك؟ حينها شعرت أن كلمة واحدة باستطاعتها تغيير اتجاه الريح ، فوراً كتبت للجزيرة الرسالة التالية «لهذا الرجل في عنقي جميل» فقالوا لي ضروري أن تذكري موقفا مهما، فقلت لهم الجميل الأول: أنه رفض أن يتنحى? بالطبع أخذ موضوع التنحي جدلاً كبيراً عند الناس وظنوه متعلقا بالكرسي- لأنه لو تنحى لقدمت الأمة العربية على طبق من ذهب للأمريكان. فبعدم تنحيه حما الأمة العربية، وبقرار المواجهة جعل المعركة تتجه اتجاهاً آخر وإلا لكانت أمريكا احتلت العراق وصوبت اهتمامها فورا باتجاه سوريا ولبنان. الجميل الثاني: أطلق شرارة المقاومة التي ستحرر العراق والتي حمت سوريا وحزب الله بلبنان والمقاومة، لهذه الأسباب أنا أتقدم للتطوع للدفاع عنه. الجزيرة تسلمت الرسالة وأصبحت تبثها بشكل متواصل، ومن هنا أصبح الناس يرون صدام حسين ذلك البطل الذي رفض أن يتنحى والذي أطلق شرارة المقاومة. بعدها اتصلت بي العائلة وشكلت هيئة دفاع وقتها وبدأنا نتواصل مع الموضوع. الشيء المميز في الموضوع أنني كنت شيعية، وكانت أحدى جرائمه أن صدام حسين السني قتل الشيعة وهذه جريمة ضد الإنسانية كل عناصرها متوفرة لأنه قام بالقتل لأسباب عرقية أو دينية. أنا شيعية من جنوب لبنان، خالي المرجع الأعلى للشيعة ومن المراجع الكبار بالعالم، عائلتي من العائلات الدينية على مستوى العالم وليس على مستوى لبنان فقط، فتأتي بنت من هذه العائلة ومن جنوب لبنان ومن عائلة ارستقراطية وعائلة والدي من العائلات القيادية السياسية ومحامية مشهورة في لبنان، تقف إلى جانب صدام في قضية متهم بها أنه قتل شيعة، هنا سقط نص الادعاء لأننا لا يمكننا القول أنه قام بقتل شيعة. هنا حدثت ضجة كبيرة بالعراق، ولبنان أيضاً. عائلة الحكيم كانوا يوميا يتصلون بعائلتي لإقناعي بالانسحاب من القضية. ومن هنا ظهرت في كل الوسائل الإعلامية العربية والأجنبية. وإذا كانت لدي مقابلة في البيت أجلس تحت صورة خالي المرجع الأعلى للشيعة، إذ أنني استفدت من هذه الوضعية لخدمة قضية صدام. بعدما حدث بالعراق بدأنا الترافع عن صدام وتكونت لجنة الدفاع، كنا خمسة تقريبا من تونس والعراق ومصر والأردن وقطر وأنا من لبنان، شكلت المحكمة قرارها في 11/12/ 2003م قبل يومين من إلقاء القبض على صدام هذا يعني أنهم القوا القبض عليه قبل يومين من عرضه على التلفاز بتاريخ 13/12/2003م ، وبدؤوا بالتحقيق لدى قاضي التحقيق قبل المحكمة. { حدثينا عن أول لقاء، شعورك، أول جملة قالها؟ كنا نصل قبل انعقاد المحكمة بيومين، وقبل نقل صدام من مكان اعتقاله إلى المحكمة بيوم، كنا نؤخذ من المطار لنقابله وكنا نستمر من 5 و 8 ساعات. أول يوم التقيت به كان قبل المحكمة بيوم واحد، لأن اليوم الذي سبقه كانت توجد عوائق تحول دون الوصول إلى بغداد، بالطبع عوائق أمريكية، فحضرنا قبل المحكمة بيوم واحد وكان قد نقل من مقر إقامته إلى مبنى المحكمة وجلسنا معه 3 ساعات فقط, وكانت أول مرة في حياتي أرى فيها صدام. كان حدث تاريخي بالنسبة لي. { أتذكرين أول جملة؟ أنا أتذكر كل يوم اللحظات لحظة بلحظة، أول ما دخلنا على صالة الانتظار وأبلغونا بتعليمات عدم مصافحته، وافق المحامون إلا أنا قلت لهم لا أستطيع السيطرة على انفعالاتي في هذه اللحظة ، استوقفهم موقفي طويلاً وصاروا يذهبون ويرجعون وسين جين ....الخ. { لمصافحة فقط؟!!! نعم نعم مصافحة فقط، ربما من ناحية أمنية بالنسبة له، كنت مصرة لأني بالفعل لم أكن أتوقع ما الذي سوف أفعله عندما أراه، وبعد مرور ثلث ساعة ربما سألوه ووافق. كانت القاعة كبيرة طولها 17 متر وعرضها 7 أمتار ووضعوا فيها طاولة مربعة متر وأمامها طاولة أخرى متر ونصف متر ، وهو سوف يجلس على الطاولة الأكبر وتوجد مسافة بين الطاولتين ونحن المحامون سنتوزع على الطاولة الثانية. أول شيء فعلته أني قمت بإلصاق الطاولتين ببعضهما لكي تكون المسافة للمرور قريبة وجلست في أول كرسي مقابل للباب الذي سوف يدخل منه، كنا قد دخلنا من باب في جهة الشمال وهو سيدخل من باب من جهة الجنوب،القاعة لها بابان والنصف الأعلى من كل باب زجاج يقف عليه الجنود الأمريكان. جلست على الكرسي وعيناي تترقبان الباب، لم أعد أعي ما يدور حولي ولم أعد أسمع ما يقال، وفتح الباب وحانت لحظة اللقاء. كان طوله 187 تقريباً ، قامته منتصبة ، ظهره جامد، وهذا شيء غريب على رجل بلغ عمره 70 عاماً ومر بكل هذه الهموم والمشاكل؛ العمر، الأسر، قتل أولاده ،قطع نسله، انهيار عرشه, كل هذه الأسباب تحني الظهر, لكن صدام مرفوع الرأس ودقنه زاوية قائمة ولا ينظر إلى الأرض. وهذه من صفات القائد، الذي لفت نظري مشيته- أنا أحب علم النفس كثيراً- تنبهت لمشيته لأن الإنسان عندما يمشي يتحرك الجزء الأسفل من جسده قبل الأعلى وعندما يكبر في السن يحدث العكس، لأن الحركة تصبح أثقل ولا يكون الشخص قادراً على التحكم بركبتيه وجسمه ورجليه وساقيه وعضلاته، صدام كان شاباً عمره 25 سنه يتحرك الجزء الأسفل من جسمه قبل الأعلى، وهذا لعدة أسباب :لأنه رياضي وإنسان ما زال قوياً معنوياً، كان عندما يمشي عصب رجليه مشدود، هذا كله يعني أنه إنسان يؤمن كثيراً بما فعله ومقتنع تماماً بذلك. أنا اندهشت عندما رأيته.. كنت أراقب هذا الإنسان وأحلله, هذه الخطوات الواثقة وهذه الوقفة المنتصبة والعصب المشدود والظهر المستقيم والجبين المرفوع , وتوصلت إلى أن هذا الشخص مرتاح كل الارتياح ومقتنع بالذي قام به وكأنه لم يُأسر ولم ينكسر بعد. أُعجبت به كقائد عربي، ونحن كعرب نرى الشخصيات والقيادات التاريخية بشيء من الرومانسية، واليوم شاهدت واحداً منهم، كان حقيقة وليس مجرد صورة، لم أكن أعرف ما هي المشاعر التي كانت تتضارب داخلي، وقبل أن يقترب قفزت من فوق الطاولة والكرسي باتجاهه لأصل إليه وصافحته وحضنت يده بكلتا يديَّ، هو كان ينظر إليَّ بحنية وعاطفة ، وهو بالمناسبة عاطفي جداً!!. { أول ما سمعته من صدام لحظة لقائك به؟ بدأنا الكلام وعرفته بنفسي، بالطبع كان يتابع الأخبار وكان يعرف أن بشرى الخليل امرأة تطوعت للترافع عنه، ولكني قلت له أنا يا سيادة الرئيس أريد أن أعرفك بنفسي، خالي المرجع الشيعي الشيخ محمد تقي الفقيه، وكان قريباً جداً من محسن الحكيم الذي وكله الأخير كوصيّ على أولاده باقر الحكيم عبد العزيز الحكيم، وكان أيضاً المرجع الشيعي الشيخ محمد تقي الفقيه أستاذاً في النجف الأشرف، وتتلمذ على يديه رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى السابق الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والمرجع الشيعي في لبنان الشيخ محمد حسين فضل الله ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، نظر إليَّ وانشرح صدره كأنه ارتاح من شيء يضيق به صدره، لوجود شخص شيعي يؤمن به وقال : أنا قلت لهم هذا. بالطبع أنا فهمت ما يريد قوله، بعد ذلك دارت عدد من الأحاديث استمرت ل 3 ساعات. { هل سألته عن ظروف اعتقاله وعن الحفرة التي وجد بها؟ لم اسأله عن ذلك، ربما لأنهم سألوه قبل أن أحضر أنا لأني حضرت بعد شهور من المحكمة ولا أحب تكرار السؤال، وقد أكون مخطئة لعدم سؤالي له لأنه كان يجدر بي أن لا أثق بما يقال لأن كلا يروي القصة على شاكلته، ولكن الذي أعرفه أنه لم يكن تحت الأرض أبداً. كان بالمنزل الذي في مدينة الدور, ولكن هذه الحفرة جهزت للجوء إليها في حال قدوم الأمريكيين، الحفرة موجودة في أكثر من مزرعة لكن وقت قدوم الأمريكيين لم يكن فيها، وقبضوا عليه بسبب وشاية، كان يتنقل ويشارك في مناسبات ومرّ في حاجز أمريكي مرتين، وهو يقود سيارة بيك آب، دون التعرّف عليه.. وأضافت: عرفوا من الواشي أنه كان يتهيأ لصلاة المغرب. حينها سمع هدير سيارات وطائرات، فنشروا غازاً يسبب شللاً مؤقتاً ولم يستطع التحرك، وكان يصلي في المزرعة. { ولكن العالم كله شاهد عمليه اعتقاله وأخذه من غرفة تحت الأرض؟؟ لا أدري كيف أُخرج هذا السيناريو ولا يمكنك الوثوق بشيء يقدمه الأمريكان، عندما كانوا يفحصونه كان واضحاً أنه مخدر لأنه شخص من الصعب أن يستسلم. من أول يوم رأيته فيه أدركت أنه ذاهب إلى المشنقة لا محالة بقدميه وباختياره، وأنه لن يساوم على الخروج من السجن. اكتشفت أنه متأثر كثيراُ بشخصية الإمام الحسين, ويرى أنه وقع في نفس الظرف التاريخي الذي واجهه الإمام الحسين الذي لم يكن أمامه من خيار سوى الموت، رفض الاستسلام أو المساومة إذ أن الأمريكيين عرضوا عليه إخراجه إلى أي بلد آخر يختاره وأن يعيش مع أسرته وعائلته ويقدموا له أموالاً بشرط أن يدعو المقاومة إلى توقيف نشاطها وإلقاء السلاح. ونقلت عن الشهادة بالنص «ساومني أحد الجنرالات الأمريكان على حياتي مقابل أن أخون نفسي لا سمح الله فأدعو الشعب إلى إلقاء السلاح بلا شروط، وقد أخزيت نواياهم وأعليت راية شعبي وجيشي وأمتي عندما رفضت ذلك الطلب الخسيس». حينها قلت إنه لن يخرج إلا إلى مكانين: إما كرسي الرئاسة في حالة انسحاب الأمريكان وهو ما يزال على قيد الحياة، أو إلى المشنقة في حالة وجود الأمريكان..... { هل كان لديه الأمل في الذهاب إلى مكان آخر غير المشنقة؟ خلال أحاديثنا قال لي: «أنا من هسه أعرف حكمهن شو هو، وأنا ما يهمني حكم المحكمة بقدر ما يهمني حكم الشعب شو بدو يحكم علي».... فكنت دائماً أكتب له ملخصاً صغيراً عن وضع الشارع العربي وتفاعله مع المحكمة، وعن الوضع الداخلي في العراق والوضع العربي والإقليمي وحريصة أيضاً أن أنقل له مشاعر الشعب العربي حيال اعتقاله، فكنت عندما أمشي في الشوارع العربية يستوقفني المواطنون ويحملوني رسائل لصدام، كنت بتونس وأخذت له كيساً من الرسائل وغلاف جوال يحمل صورته، وقرأت له نماذج منها، كان يسمعني وعيناه تلمع من التأثر، وكنت أحكي له مواقف أخرى، مثلا بليبيا التقيت بشخص من موريتانيا قال لي: منذ أيام سجل الطفل رقم 4000 باسم صدام، وأم عربية أخرى ترقد في غيبوبة وعندما تفيق لا تسأل سوى عن صدام وماذا حل به؟! تحس كل أم عربية أنها الأم وأنت ابنها،- فلمعت عيناه مباشرة للمرة الثانية- وهذا آخر حملني السلام أمانة وهو يبكي- البعض منهم محتفظ بالرسائل حتى الآن- كان صدام سعيداً بهذه الأخبار وكان يقول لي: «هذا هو الشعب حكم وخلص هذا هو حكم الشعب»، لم يكن يأبه لحكم المحكمة ولا للموت، كان يأبه للعراق وشعب العراق. لم يكن مشهداً سهلاً أن تري دموع صدام ، رأيت دموعه مرتين!! فهو إنسان عاطفي يتأثر ويتفاعل مع تلك المواقف. ... قال لي لو لم يكن هناك إعلام لما حضرت المحكمة ،كان يحضر ليتواصل مع الشعب ولتحفيز الشعب العربي تجاه المقاومة ورفض الاستعمار من خلال المحكمة ، هذا كان هدفه ، كان يوجه رسائل للشعبين العراقي والعربي.