الفصل الثاني ما مصير المال؟ (3) وصلت أول رسالة تعكس ضيق القتلة المأجورين السابقين ممن كانوا يتعاملون مع والدي في نهاية أبريل 1994، عندما تلقينا رسالة يشتكي فيها بعضهم من أنهم لم يتلقوا مساعدتهم منذ شهر، ومن أنهم لا يجدون ما يعطونه لأسرهم ولا لدفاعهم، وبأنهم منحوا كل شيء في سبيل "الزعيم"، وبأننا لم نكن سوى سفلة، وبأننا، حسب ما قالوا لروبرتو، لم نكن نرسل لهم المال. وبما أن الرسالة كانت تضم تهديدا مبطنا فقد أرسلت لهم جوابا وضّحت فيه أن المال الذي تلقوه، إلى تلك اللحظة، لم يكن من طرف عمي وإنما من مال والدي: "لقد جرى إلى الآن تسديد رواتبهم ومستحقات محاميهم وطعامهم من مال والدي، وليس من مال روبرتو، ولقد كنت واضحا منذ البداية. […] وليس من خطئنا نفاذ المال من روبرتو. وعندما قالوا لنا إن المال نفذ قالوا إن العمة غلوريا صرفته، لكننا لم نعلم على وجه الدقة أين ذهب المال". يبدو أن روبرتو علم حتما بما حصل، فبعد أيام قليلة على رسالتي بعث برسالة إلى أمي بمناسبة "يوم الأم". وقد تطرقت الرسالة المكتوبة بخط اليد بشكل واضح إلى الآثار التي خلفها الهجوم الذي تعرض له في شهر دجنبر. "تاتا (لقب والدتي)، أنا لم أعد نفس الشخص كما من قبل؛ ما يحدث الآن تسبب لي في الاكتئاب. وبالرغم من أني أشعر بنوع من التحسن، فإنه لم تمر إلا خمسة أشهر على ما وقع لأخي وبعدها لي. لا تصغي إلى الشائعات، الكثير من الناس لا ترغب بنا. عندي الكثير لأقول لك، لكني محبط من الوضع الذي أمر منه". وصل صدى النقاش حول موضوع التكفل بسجناء عصابة ميديين إلى أسماع إيفان أوردينويا، أحد رؤوس كارتيل "شمال الوادي" الذي اجتمع في مناسبات مختلفة مع والدي في سجن "موديلو" في بوغوتا. أرسل إيفان أوريدينيا رسالة إلى والدتي، ممهورة باسمه تحمل نبرة ودية وحازمة في نفس الوقت: "سيدتي، أرسل لك هذه الرسالة لأوضح فيها كل خلافاتي مع عائلة إسكوبار وبكون هؤلاء الفتية لا علاقة لهم بمشكل روبرتو؛ أرجوك، ساعديهم فنحن كلنا نفعل ذلك، وأنت الأقرب لهذا الموضوع وبالتالي فأنت الزعيمة. واعلمي أنك ستكونين في المشاكل في حال لم تحلي هذه المسألة، ولا تنسي التوجه إلى اجتماع 'كالي' لإنهاء هذه المسألة". لم ينته الأمر عند ذلك الحد. ففي صبيحة يوم 19 غشت 1994، وبينما كنت أستلقي على سرير والدي، إذ وصلت رسالة فاكس جمدت أوصالي. كانت رسالة من مجموعة من الشبان ممن عملوا لحساب والدي معتقلين في سجن "إيتاغوي"، وكانت تضم اتهامات ثقيلة لعمي روبرتو. "سيدة فيكتوريا، تحية خاصة لك، ولو سمحت أقرئي سلامنا لخوان ومانويلا. الهدف من هذه الرسالة توضيح بعض الشائعات بخصوص السيد روبرتو إسكوبار. نحن نعلم أنك على صواب لأننا علمنا أنه كان يرسل المال إلى أخته غلوريا بهدف "الوشاية" بخوان. موقفنا واضح وهو ما نرغب في توضيحه: لا أحد هنا يلتفت إلى تلك الأراجيف وذلك الشطط. نحن لا نريد مشاكل مع أحد، ما نرغب فيه هو العيش في سلام. وإذا كان فعل ما فعل من تلقاء نفسه فهو يتحمل عواقبه، أما نحن فلن يبذر منا شيء لأي كان، لأننا كنا ملتزمين مع الزعيم وسنلتزم معك". وحملت الرسالة توقيع جيوفاني أو "عارض الأزياء" و"الكومانتشي" و"السر" و"تاتو أفيدانيو و"فالنتين" و"القبعة" و"إيكوبور" ولامباس "السمين" وويليام كارديناس. انتابتني حالة من القلق بعد قراءة أسماء الموقعين على الرسالة، ولهذا قررنا إطلاع المدعي العام، دي غريف، لمنع أي خطة محتملة من طرف عمي. استقبلني رفقة محامي العائلة فيرناندث وأطلعته على قلقي لأنه لم يكن هناك أدنى شك في أنه كان يخطط لإدخالي السجن. كما وضحت للمدعي العام كذلك أن بعض السجناء ممن لم يوقعوا على الرسالة وكانوا يقضون فترة حكمهم في سجن "إيتاغوي" –خوان أوركيخو و"نييريس"– قد تحالفوا مع روبرتو في تلك المحاولة الإجرامية من أجل دفعنا أيضا إلى تحمل ديون محتملة على والدي لها علاقة بالاتجار في المخدرات. لم يكن روبرتو يعتقد أن تكون لنا القدرة والشجاعة لمواجهته، ولذلك أحس بنفسه محاصرا بعدما وضحنا في كل السجون أنه هو من كان يمتلك المال –مال والدي– المخصص لهم. كنت مجبرا على إفشال المخطط وتفادي الأحجار التي كان يرمي بها عليّ. وما إن أفلتنا من تلك الضائقة الجديدة حتى كادت تحدث أخرى مصداقا للمثل الشعبي القديم "حبل الكذب قصير". فعلى الساعة الحادية عشرة من أحد أيام شتنبر 1994، نادى عنصر تابع ل "مديرية التحقيق الإجرامي والإنتربول" عند باب مبنى "سانتا أنا"، وقال إن رجلا وصل للتو عرف نفسه ب "إلغوردو"، وإنه رغب في رؤيتي ورفض إعطاء بطاقة تعريفه واسمه، وكان كل من يريد الحديث إلى أي منا ملزما بذلك. تعامل الشرطي بنوع من العناد، وهو أمر لم أستغربه لأننا كنا دائما مقتنعين أنه سواء في منطقة "ألتوس" في ميديين أو في "ريسيدينسياس تيكينداما" والآن في "سانت أنا"، كان من يضطلعون بمهمة حمايتنا يقومون أيضا بأعمال استخباراتية بهدف تحديد الأشخاص الذين كانوا يبحثون عنا أو كانت تجمعهم علاقة بنا. كانت المفاجأة كبيرة، كيف لا والأمر كان يتعلق بالشخص الذي كلفه والدي بحفظ أمواله والذي سبق وأشرت إلى أنه سرق الصندوقين المليئين بالدولارات اللذين أخفاهما والدي في المنزل الأزرق. وفكرت للحظة، "سأسأله عن المال الضائع مادام أنه تجرأ وأتى إلى هنا في هذه الساعة". وبعد أن تحدثه معه لفترة وجيزة أقنعت خلالها عنصر "مديرية التحقيق الإجرامي والإنتربول" بترك "الغوردو" يدخل دون وثائق، على حساب سلامتي الشخصية. وما إن وصل "الغوردو" حتى عانقني وشرع في البكاء. –أخي خوان، كم أنا سعيد برؤتك. لم أستطع إخفاء حيرتي وأنا أرى أن عناق ذلك الرجل ودموعه بدت سامية وصادقة ودون أي شر. أضف إلى ذلك أنه أتى مرتديا نفس الملابس التي طالما ارتداها، مع مظهره الطيب والمتواضع وأسماله البسيطة وحذائه الرياضي الرث. صراحة لم تبد عليه حالة شخص سرق منذ أشهر قليلة صندوقا ممتلئا بالمال. لماذا جاء لزيارتنا علما أن تلك الأموال قد ضمنت حياته؟ بعدما دققت كثير في حاله، ونظرت إليه بنوع الريبة واستمعت غير مصدق إلى ما قاله عن حياته بعدما تركنا نحن وأبي المنزل الأزرق في نونبر 1993، خلصت إلى أنه لم يفتأ ذلك الرجل الوفي الذي عرفناه. مرت بضع دقائق من الحديث في شرفة الطابق الثاني حيث كنا بعيدين عن أعين المتلصصين وحانت ساعة سؤاله عن المال المفقود. –"غوردو"، حدثني عن المال الذي كان في المنزل الأزرق، هل التقيت بعمتي؟ ماذا حدث للمال؟ –خوان، التقيت بعمتك طبقا لتعليماتك؛ حيث توجهنا إلى المكانين المعلومين بعدما سلمتني رسالتك، فاستخرجنا الصندوقين وساعدتها في وضعهما في صندوق السيارة التي جاءت بها ذلك اليوم. ومنذ تلك اللحظة لم أعلم شيئا عنها. أتيت الآن لألقي عليكم التحية لا غير، ولأرى كيف حالكم لأني أحبكم كثيرا وأعرض نفسي عليكم بشكل كامل. –ما حدث هو أنها أتتنا بدولارات قليلة لا غير. –هذا كذب! لقد ساعدتها في حمل المال كله، وحتى السيارة ذهبت محملة بالمال لدرجة أن الحمولة كانت تظهر على العجلات الخلفية؛ وأقسم لك أن عمتك أخذت كل شيء وفي حال أردت أستطيع البقاء لكي تتصل بها إن شئت، حتى أواجهها به –قال وهو ينتحب. –"غورديتو"، اعذرني على شكي فيك، لكني لا أستطيع استيعاب ما تقول لي. أنا أثق بما تقوله ولا أرى غرابة في أن عمتي كانت قادرة على فعل شيء من هذا القبيل.