/ خوان بابلو إسكوبار؛ ترجمة حديفة الحجام الخيانة (1) في 19 من دجنبر 1994، أي بعد وفاة والدي بأسبوعين، كنا ما نزال معتقلين وتحت حراسة مشددة في الطابق التاسع والعشرين لفندق "ريسيدينسياس تيكينداما" في العاصمة بوغوتا. وفجأة تلقينا اتصالا من ميديين أخبرونا من خلاله حدوث هجوم على عمي روبيرتو إسكوبار داخل سجن "إيتاغوي" باستعمال طرد ملغوم. ومن فرطنا قلقنا عليه حاولنا معرفة تفاصيل ما حد، غير أن أحدا لم يطلعنا الحقيقة. وتداولت نشرات الأخبار المتلفزة أن روبيرتو فتح رسالة بعثها أحدهم من مبني المدعي العام فانفجرت وتسببت له في جروح خطيرة على مستوى العينين والبطن. وفي اليوم الموالي، اتصل بنا أبناء عمومتنا وأخبرونا أن مصحة "لاس فيغاس" حيث نقلوه على وجه السرعة لا تتوفر على التجهيزات الخاصة بجراحة العيون. وكما لو كان ذلك قليل، راجت شائعات مفادها أن كومندو مسلح قرر الإجهاز عليه وهو في غرفته. وعلى إثر ذلك قررت أسرتي نقل روبيرتو إلى المستشفى "المركزي العسكري" في بوغوتا، لتوفره ليس على التجهيزات التكنولوجية فسحب، وإنما لأنه كان يمنح ظروفا أمنية مناسبة. وعلى هذا الأساس دفعت والدتي مبلغ ثلاثة آلاف دولار تكلفة كراء طائرة إسعاف. وبعد التأكد من رقوده في المستشفى، قررنا الذهاب لزيارته رفقة عمي فيرناندو، أخ والدي الشقيق. وعند الخروج من الفندق لاحظنا أن العناصر التابعة للفريق التقني للأبحاث التابع بدوره للنيابة العامة التي اضطلعت بمهمة حمايتنا منذ أواخر شهر نونبر جرى تغييرها في ذلك اليوم، ومن دون سابق إنذار، برجال من "مديرية التحقيق الإجرامي والإنتربول"، استخبارات الشرطة في بوغوتا. لم أخبر عمي بذلك، لكن انتابني إحساس أن شيئا سيئا قد يحصل. وكان هناك أيضا في مناطق أخرى من البناية عناصر من "مديرية التحقيق الإجرامي والإنتربول" ومن "إدارة الشؤون الأمنية"، أما في الخارج فقد كان الجيش هو المكلف بالمراقبة. بعد مرور ساعتين على وصولنا إلى قاعات الجراحة في "المستشفى العسكري" خرج طبيب وأخبرنا أنهم في حاجة إلى رخصة يقدمها أحد أقارب روبرتو، لأن حالته كانت تستدعي استخراج عينيه الاثنتين بعدما تضررا كثيرا بعد الانفجار. رفضنا التوقيع وطلبنا من الطبيب المتخصص أن يقوم بكل ما في استطاعته، وإن كانت الاحتمالات ضئيلة حتى لا يبقى المريض أعمى، بغض النظر عن التكاليف. واقترحنا عليه كذلك استقدام أفضل أخصائيي العيون حيثما كانوا. مرت ساعات خرج بعدها روبرتو من قاعة العمليات وهو ما يزال مخدرا، ونقل إلى غرفة كان ينتظره داخلها حارس تابع ل "المعهد الوطني للسجون والإصلاحيات". كانت الضمادات تعلو وجهه وبطنه ويده اليسرى. انتظرنا بصبر وتأن إلى أن بدأ في الاستيقاظ. وقال وعلامات الضعف بادية عليه بفعل المخدر أنه كان يرى الضوء دون أن يتمكن من تحديد أي شكل. وعندما رأيت أنه استعاد شيئا من وعيه أخبرته أني أشعر باليأس، فبما أنهم حاولوا الاعتداء عليه بعد موت والدي، فمن المؤكد أننا سنكون أنا وأمي وأختي التالين على اللائحة. وبنوع من الضيق سألته إن كان أبي يمتلك طوافة مخبأة في مكان ما لكي نهرب بها. وفي خضم المحادثة التي كان يقطعها بين الفينة والفينة دخول الممرضات والأطباء للعناية به، طرحت عليه مجموعة من الأسئلة عن طريقة نجاتنا أمام التهديد الصريح لأعداء والدي. التزم روبرتو الصمت لثواني قبل أن يطلب مني البحث عن ورقة وقلم لتسجيل بعض المعلومات. -دوّن عندك، خوان بابلو: "أ-أ-أ"؛ ثم اذهب إلى سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية واطلب منهم المساعدة، وأخبرهم أنك من طرفي. احتفظت بالورقة في جيب سروالي وطلبت من فرناندو الذهاب إلى السفارة، وفي تلك الأثناء دخل الطبيب الذي أخضع روبرتو للعملية الجراحية وأخبرنا أن نبقى متفائلين لأنه فعل كل ما في استطاعته لإنقاذ عينيه. شكرناه على حسن عنايته وودعناه من أجل العودة إلى الفندق، بيد أنه أخبرني بشكل حازم أني لا أستطيع مغادرة المستشفى. -كيف ذلك يا دكتور. لماذا؟ فأجاب -لأن الحراسة الخاصة بك لم تأت. زادت كلمات الطبيب من توجسي لأن وجودي خلال العملية لم يسمح لي بالاطلاع على ما كان يحدث بخصوص الجانب الأمني. وأخبرته وعلامات الرعب على محياي -أيها الطبيب، أنا رجل حر، أو أخبرني إن كنت في حالة اعتقال هنا، لأني سأذهب مهما كان الأمر. وأعتقد أن هناك مؤامرة تحاك لقتلي اليوم، فقد سبق واستبدلت عناصر الفريق التقني للأبحاث المكلفة بحمايتها. -أنت محمي ولست معتقلا. نحن مسؤولون في هذا المستشفى العسكري عن سلامتك ولن نسلمك إلا إلى أمن الدولة. -المسؤولون عن سلامتي في الخارج سيدي الطبيب هم من يريدون قتلي–أكدت له–. لهذا انظر إن استطعت مساعدتي بالحصول على ترخيص يمكنني من الخروج من المستشفى أو أن أغادر جوا من هنا. لن أستقل سيارة من يأتون لقتلي. حتما رأى الطبيب وجهي المرعوب، فما كان منه إلا أن أخبرني بصوت منخفض أنه لا يمانع، ووقع في الحال أمر خروجنا أنا وعمي فرناندو. وبكثير من الحيطة عدنا إلى "ريسيدينسياس تيكينداما" وقررنا الذهاب في اليوم الموالي إلى السفارة. استيقظنا باكرا وذهبت أنا وعمي فرناندو إلى غرفة الطابق 29 حيث يقطن المكلفون بحراستنا. ألقيت التحية على "أ-1" وأخبرته أننا في حاجة إلى مرافقة للذهاب إلى سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية. فقال لي بنبرة سيئة– لماذا تريد الذهاب إلى هناك؟ -لست مجبرا على إخبارك بسبب ذهابي. أخبرني هل ستوفر لنا الحماية أم سأتصل بالمدعي العام وأخبره أنك ترفض حمايتنا. وأجابني موظف النيابة العامة بشيء من الضيق، –لا يوجب عدد كافي من الرجال لأخذك إلى هناك. –كيف لا يوجد رجال، إن كان هنا فريق دوام كامل للأمن يضم حوالي أربعين عنصرا من الدولة وعربات مخصصة لحمايتنا. –حسنا إن كنت ترغب في الذهاب فافعل، لكني لن أعتني بسلامتك. واعمل لي معروفا بالتوقيع على ورقة تتنازل من خلالها على الحماية التي نقدمها إليك.