على الرغم من الردّ الحاسم الذي أدلت به المحكمة الرياضية الدولية بعد أن رفضت الطلب الاستعجالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم ونادي اتحاد العاصمة يواصل الإعلام الجزائري، ولا سيّما الرياضي، بيع الأوهام والمتاجرة بأحلام الجزائريين البسطاء، وجماهير النادي/الضحية على الخصوص. ما زالوا مصرّين على عدم الاعتراف بالخطأ الفادح الذي ارتكبه النظام الجزائري عندما أوعز إلى الاتحاد الجزائري بمنع نادي اتحاد العاصمة من خوض مباراة الإياب، ومصادرة الأقمصة الرياضية لنادي نهضة بركان في مباراة الذهاب. وبدلا من الاعتراف بهذه الزلّة الرياضية والقانونية الكبيرة يواصل الإعلام الجزائري ترديد الخرافات ذاتها على غرار تلك التي ردّدها في الإقصاء التاريخي أمام المنتخب الكاميروني. قد يقول قائل إن الأمر يتعلق بغباء مركّب يعاني منه الإعلام الجزائري الذي لم يستطع "محللّوه وخبراؤه" التمييز بين الموقف القانوني الخاطئ للنادي الجزائري والاعتبارات السياسوية الصرفة التي دفعت النظام إلى هذا القرار. قد يكون فعلا بعض هؤلاء "المحلّلين" مفتقرين إلى الذكاء الكافي لتناول قضية بسيطة وسهلة مثل أزمة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة، لكنّ الحقيقة تتجاوز في الحقيقة هذا السبب الظاهري. ترويج الأكاذيب ودغدغة المشاعر ومنح الأمل الزائف للجماهير له غاية سياسية أكبر بكثير من الغاية الرياضية المعلنة. وهذه الغاية السياسية لا تتعلّق حتّى بمسألة الصحراء المغربية والخارطة التي قدّمتها السلطات الجزائرية ذريعة. إنّ السبب الحقيقي هو الرغبة الملحة للنظام الجزائري في تعويم النقاش الحقيقي الذي يجب أن يفتحه الجزائريون في الوقت الحالي ويهمّ بالأساس حصيلة العهدة الرئاسية لعبد المجيد تبون. بدلاً من أن يلتف الجزائريون في نقاش عمومي حرّ للإجابة عن سؤال جوهري: ماذا حقّق تبون في هذه الولاية التي تشرف على نهايتها؟ لا يوجد أفضل بالنسبة للنظام من ممارسة التضليل وتنفيذ سياسة التعتيم وصرف الأنظار بعيدا عن هذه الأولويات الحقيقية التي يجب أن يهتم بها الإعلام الجزائري. تخيّلوا أن مشاركة من نوادي المدن الجزائرية في مسابقة من المسابقات القارية الإفريقية تصبح موضوع الساعة وقضية المرحلة، وتُخصَّص لها ساعات طويلة من النقاشات والبرامج والتحليلات اليومية!! هل الغاية هي المواكبة الإعلامية للشأن الرياضي والكروي في البلاد؟ واهم من يعتقد ذلك بل هو ساذج. الهدف الرئيسي الذي يشغل بال نظام الكابرانات في الوقت الحالي هو التغطية على العهدة الصفرية التي اقتربت من نهايتها بعد أن حُدّد موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة في تاريخ شهر شتنبر المقبل. هذا كلّ ما في الأمر، وما يُؤسَف عليه حقاً هو أن الجماهير الجزائرية تقع بسهولة تحت تأثير هذا التضليل الممنهج الذي تشارك فيه الماكينة الإعلامية الكابرانية بكلّ منصاتها الصحفية والتلفزيونية والإذاعية والرقمية. هناك حملة واضحة لا يمكن أن يغفل عنها أيّ مراقب أو حتّى المتابع البسيط، ليدرك أنّ ما حدث في مباراة اتحاد العاصمة ونهضة بركان كان مدبّرا ومفتعلاً عن عمد من النظام الجزائري بغرض خلق أزمة تغطي الشهور المقبلة التي يُفترض أن تشهد عملية تقييم شاملة وموضوعية لأداء الرئيس الحالي. والجزائريون الذين تابعوا خطاب رئيسهم خلال احتفالات عيد الشغل في فاتح ماي الجاري يدركون حقيقة العهدة الصفرية التي لم يتحقّق فيها شيء يُذكر غير استمرار الوعود. ما يزال الرجل وهو على مشارف التّرشح للعهدة الثانية يعِد الجزائريين بالنمو الاقتصادي ورفع الاحتياطي الأجنبي وإنتاج السيارة والطيارة والثلاجة والغسالة الجزائرية، ويرسم لهم أحلاما وردية عن محاربة الفساد وضمان الأمن والاستقرار باستخدام "الحجارة" التي يحملها باستمرار في يده. الارتباك الذي بدا على تبون وهو يطلق النكات خلال هذا الخطاب يؤكد التخوف الذي يخترق أركان النظام من احتمال اندلاع حراك جديد على خلفية الاستعداد للانتخابات المقبلة، ولا سيّما أنّ عدم الانسجام الواضح بين أجنحة السلطة في الجزائر يمثل ظاهرة مزمنة وليست في حاجة إلا إلى فتيل صغير كي تتحوّل إلى مواجهة طاحنة.