دمية العسكر.. الرئيس الذي يمسك حجرا في يده ويلوح به، ولا يتوانى عن تهديد الآخرين برجمهم إذا "خرجوا من الصف" على حد قوله. هذا الكلام لم يصدر عن أحد المؤثرين التافهين أو أحد الرعاع المنتشرين في الشوارع، ولم يقله مجرم من أصحاب السوابق أو معتادي الإجرام، بل صدر عن رئيس دولة (يُقال إنها دولة) في خطاب رسمي ألقاه بمناسبة عيد العمال الذي يحتفل به العالم بأسره سنويا في فاتح ماي. "أنا شاد حجرة في يدي، تخرج على الصف نعطيك" هكذا تحدّث تبون عبد المجيد رئيس الجزائر في حضور قادة البلاد والجيش والمؤسسات، بل وتحت وابل من التصفيق الحارّ. لم يكذب من وصف الحمقى بالقول: أجسام البغال وعقول العصافير. ولو صبر قليلا حتّى يرى ما يحدث في الجزائر لغيّر صيغة المثال وقال: أجسام البغال وعقول الكابرانات. كيف يُعقل أن يصدر كلام بهذه الدرجة الفادحة من التفاهة والسوقية والانحطاط وأمام كاميرات التلفزيون الرسمي ووكالات الأنباء الدولية؟ هل في هذه البلاد رجل رشيد أو عاقل يخبر الكابرانات بأنهم أمعنوا كثيرا في الانهيار السياسي والأخلاقي والإنساني، وأنّ ما يفعلونه بأنفسهم لا يستطيع أن يفعله بهم حتّى أعداءهم. لقد صدق من قال: يفعل السفيه بنفسه ما لا يفعله به عدوه. لا نريد حتّى أن نعرف من المقصود بهذا التهديد لأنّ الوقوف عند عتبة المعنى لا قيمة له عندما يكون المبنى بهذا المستوى المتدنّي من الرداءة. مهما كانت الجهة المعنية بهذا التهديد، خارجية أو داخلية، يكفينا أننا سمعنا مرة أخرى من دمية العسكر ما يدلّ على أننا ابتلينا فعلا في شمال إفريقيا بمجاورة زُمرة من المجانين والحمقى الذين يجب التريث كثيرا في التعامل معهم، فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بردود أفعالهم. صحيح أن كثيرا من تهديدات الكابرانات هي مجرد كلام ودعايات موجهة للاستهلاك الداخلي وتهدئة النفوس الجزائرية المنهكة من مظاهر الفشل والهزائم والانهيار المشهود في شتّى المجالات، لكن مع ذلك هذا الخطاب السوقي يعكس مشكلة حقيقية يمرّ بها هذا النظام، ويشير إلى توتّر داخلي شديد ولا سيّما أن الرئيس الحالي مقبل في شهر شتنبر القادم على اجتياز امتحان الانتخابات الرئاسية لكسب عهدة ثانية. فهل يمكننا أن نجزم أنّ المقصود بالرجم بحجارة تبون هو كلّ من ستسوّل له نفسه التشكيك في أحقّيته بهذه العهدة الثانية أو منافسته فيها؟ ربّما يكون الهدف الحقيقي لحَجر تبون هو خصومه الداخليون الذين قد يخطفون منه امتياز الرضا الذي يحظى به لدى الجيش، ويقدمون مرشحا أكثر إقناعا وكفاءة في المرحلة الحالية على الأقلّ. لماذا نريد أن نعود إلى المعنى بدلا من الاستمرار في التركيز على المبنى، لأنّنا نعتقد أن هذه اللغة المنحطة لا يمكن أن تَروج أو تُفهم إلا في سياق جزائري خالص، ولا يمكن أن يستوعبها إلّا من هم من طينة هذا الرئيس وقادة جمهورية الكابرانات. من ثمّ فإنّ ما قاله عبد المجيد تبون لا يعكس في الحقيقة سوى المستوى الضحل الذي بلغته الطبقة السياسية الجزائرية في ميادين الهبوط الأخلاقي والإنساني. ننصح إذاً خصوم الرجل داخل الجزائر أن يحذروا من الانتفاضة التي سيطلقها قريبا لإسقاط كلّ الخصوم المحتملين، والتضحية بهم على مذبح السباق الانتخابي، فما دام الرجل يحمل حجره في يده فإنّ خطره سيظلّ قائما ومُحدقا بهم حتّى تنتهي قصة العهدة الثانية بسلام ويضمن استمراره على رأس هذه الجمهورية الحجرية. أما إن كان المقصود بهذا التهديد خارجيا فنحن نؤكد أن الجيش الذي يتبجّح بقوته والحجر الذي يطمئن إليه لن يستطيع حمايته أبدا إذا سولّت له نفسه خوض مغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب. لكننا سنقولها له بأسلوبنا الحضاري الراقي: نحن نحمل في أيدينا ورودا، لكنّ في قلبها أشواك يمكن أن تلسع كلّ من تجرأ على محاولة قطفها.