استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لزعيم عصابة البوليساريو في قصر المرادية يوم أمس بحضور اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة وإذاعة فيديو اللقاء الصامت دون صوت علامة أخرى من علامات اليأس الذي استوطن نظام الكابرانات في السنوات القليلة الماضية. هذا الصمت يلخص حكاية الأزمة الحقيقية والعميقة التي تعيشها الدبلوماسية الجزائرية بعد أن خسرت كلّ المواجهات التي حاولت أن تخوضها ضد المغرب في مواقع وميادين شتّى. لقد أضحت الدبلوماسية الجزائرية خرساء تماما بعد أن تحوّلت خطاباتها إلى مجرد شعارات مستهلكة أو زلّات فاضحة كتلك التي اقترفتها الخارجية الجزائرية على خلفية أزمة بناية القنصلية الجزائرية في الرباط. أقامت الدنيا ثم اضطرت إلى إقعادها بعد أن اتّضح لها الخطأ الذي ارتكبته. جاء هذا الاستقبال الاستعراضي الصامت بتزامن مع الإحاطة التي يستعدّ ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لتقديمها اليوم الثلاثاء في جلسة مغلقة لمجلس الأمن. وبالموازاة مع ذلك التقى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بدوره كلا من دي مستورا وجوشوا هاريس نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي بمقر بعثة الجزائر لدى الأممالمتحدة. استقبالات ولقاءات مغلقة أو معلنة لكنّها تعكس في عمقها الفشل الذريع الذي يحصده هذا النظام منذ أن تحوّل ملف النزاع المفتعل في الصحراء المغربية إلى مجرد موعد روتيني في دواليب مجلس الأمن. بعبارة أخرى منذ أن تمّ الطيّ النهائي لهذا النزاع أصبحت الدبلوماسية الجزائرية اليائسة تحاول بكلّ ما تملك من إمكانات أن تبقي عليه وتضمن له استدامة ولو شكلية في الوثائق الأممية. وفراغ الخطاب الدبلوماسي الجزائري ليس مجرد إشارة رمزية كتلك التي تكشفها مقاطع الفيديو الصامتة في حسابات الرئاسة الجزائرية على مواقع التواصل الاجتماعي، إنه أيضا حقيقة ملموسة على صعيد تدبير العلاقات مع حلفاء الأمس. حتّى هؤلاء الحلفاء لم يعودوا مقتنعين بما يروّجه نظام الكابرانات من أكاذيب وادعاءات تدعم أطروحة الانفصال. بل إن هذا النظام نفسه لم يعد واثقا من أكاذيبه الشخصية كما كان في الماضي. لقد اضطر وزير الخارجية الجزائري قبل بضعة أسابيع إلى عقد ندوة صحفية أمام كاميرات وميكروفونات الإعلام المحلي للترويج لأكذوبة واحدة وهي أن ملف الصحراء ما يزال حيا ومتداولا في لجان الأممالمتحدة. لو كان هذا النظام متيقنا من مصداقية هذه القضية وإمكانية استمرارها فعلا لما اضطر إلى تدشين هذه الخرجة الإعلامية اليائسة، ولما حرص الرئيس الجزائري باستمرار في كل لقاءاته الإعلامية الدورية على العودة إلى التذكير بهذا الملف. لقد دشّن هذا النظام إذاً مرحلة الدبلوماسية الخرساء بما تعنيه من انعدام الحيلة وضعف الحجة وتَفرّق الحلفاء وانصرافهم إلى مواقع المصالح الجديدة. ومن المتوقع أن تواجه هذه الدبلوماسية الفارغة صدمة أخرى في المدى القريب، عندم سيعلن رسميا عن استقلال جمهورية القبائل في 20 أبريل الجاري. هل سيواجه نظام الكابرانات هذا الإعلان الذي سيجري من قلب نيويورك غير بعيد عن مقر الأممالمتحدة بالصمت والخرس أيضا؟ لقد ولّى زمن الانتظار وردّ الفعل وتحوّلَ العمل الدبلوماسي الناجع إلى فعل ومبادرة بل وهجوم واستباق. وهذا ما ينبغي فعله تّجاه نظام كالنظام الجزائري الذي يحاول منذ نحو 50 عاماً معاكسة الوحدة الترابية لبلادنا وتقسيمها وإضعاف استقرارها وتماسكها. فشلت كلّ المناورات التي قام بها هذا النظام وعجز بكلّ حملاته المموّلة بسخاء من أموال المواطن الجزائري البسيط عن انتزاع ولو موطئ قدم بسيط لجمهورية الوهم التي يروج لها. ومن المؤكد أن هذا الفشل لن يتوقف عند هذه الحدود، فثمة مفاجآت قادمة ستخلّف شعورا بالندم الشديد عندما سيضطر هذا النظام إلى الاعتراف بدويلة تندوف المحتلّة اليوم من عناصر عصابة البوليساريو، وإنّ غدا لناظره لقريب.