الدعوة التي وجهها الوفد المغربي للجزائر من أجل استئناف مسلسل الموائد المستديرة حول قضية الصحراء المغربية رد مفحم لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الذي دعا أمس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى استئناف العملية الأممية. هذا الرد بعبارة أوضح هو اختبار سريع لحسن النية الذي يدعيه نظام الكابرانات فيما يخص التعامل مع ملف الصحراء المغربية. فإذا كان الوزير الجزائري يعبّر فعلا عن رؤية مزعومة هدفها حل هذا النزاع فإن أول رد فعل طبيعي هو المبادرة إلى الاستجابة الإيجابية بالعودة إلى المشاركة في الموائد المستديرة التي تم إطلاقها سنة 2018 من طرف المبعوث الأممي السابق هورست كوهلر. الانخراط في مسلسل الموائد المستديرة يستند إلى قرارات الأممالمتحدة وأهمها القرار 2602 الذي أكد على أن هذا المسار هو المفضي إلى الوصول إلى حل نهائي لهذا النزاع المفتعل. والمغرب يؤكد مرارا وتكرارا أن قضية الصحراء المغربية هي قضية استرجاع واستكمال للوحدة الترابية ولا علاقة لها بمفهوم "تصفية الاستعمار" الذي يروج له الوفد الجزائري في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولو كانت القضية بهذا المنطق الذي تصوره الجزائر فلماذا قبل الوفد الجزائري المشاركة في الموائد المستديرة السابقة التي انعقدت حول هذه القضية؟ الأممالمتحدة لا تعترف بكيان وهمي تحاول الجزائر فرضه كواقع، ولذلك فإن المفاوضات الحقيقية هي التي يجب أن تكون الجزائر طرفا رئيسيا فيها. وإذا كان نظام الكابرانات يواصل الادّعاء بأنه لا دخل له في هذه القضية فمن التناقض الصارخ الاستمرار في استحضارها والتطرق إليها في المجامع الدولية ومحاولة الترويج لرؤية من وجهة واحدة، تكرّس منطق النزاع باستغلال لاجئين محتجزين في مخيمات على التراب الجزائري. هذا الوضع لا يعني بتاتا وجود كيان أو دولة تعترف بها الأممالمتحدة، والجزائر أول من يعلم أن قضية الصحراء إنما طُرحت على جدول أعمال مجلس الأمن بموجب الفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة، بشأن التسوية السلمية للنزاعات، ولا علاقة لها بما يتم الترويج له من أطروحات عن تصفية الاستعمار. لقد كان رد الوفد المغربي في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبنيا على إدراك جيد للخلفية السياسية التي تنطلق منها السلطات الجزائرية في التعامل مع هذا الملف. بعبارة أوضح، يدرك المغرب أن الكابرانات لا يرغبون بتاتا في حلحلة هذا النزاع والانتهاء منه بصفة دائمة وعادلة. ليس من مصلحتهم بتاتا أن يتم تفكيك مخيمات المحتجزين ليعود المغاربة منهم إلى الأقاليم الجنوبية وينخرطوا في مسار تدبير شؤونهم الذاتية بأنفسهم وفقا لخطة الحكم الذاتي المقترحة. عصابة شنقريحة ترغب في استدامة هذا النزاع إلى أبعد نقطة زمنية ممكنة، لأنه يمثل رصيدا مهما لا يمكن التفريط فيه، للحفاظ على قدر من التوازن الأمني الداخلي. نعم، فالنظام العسكري يوظف قضية الصحراء والخلافات مع المغرب للتغطية على الكثير من ملفات الاحتقان الداخلي اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. لا بد من اختلاق عداء وتهديد خارجي مصطنع حتى يستمر النظام العسكري في فرض سطوته وفرض قوانينه وأعرافه الاستثنائية. لنتصور أن النزاع المفتعل في الصحراء المغربية انتهى وتمت تسويته. ما هي الذريعة التي يمكن أن يتحجّج بها نظام شنقريحة أمام الشعب الجزائري من أجل الاستمرار في مسلسل استنزاف مقدّرات الجزائريين وثرواتهم؟ كيف يمكن حينها إقناع المواطن الجزائري البسيط بأن الجيش الوطني المزعوم يحتاج إلى المزيد من الأسلحة والميزانيات الضخمة؟ إنها لعبة توظيف بغيض لا أقل ولا أكثر. ولهذا يصرّ الوفد المغربي في الأممالمتحدة باستمرار على استدعاء الطرف الجزائري، الذي يدّعي الحياد، للجلوس إلى طاولة المفاوضات بدلا من دفع أزلام الانفصال إلى الواجهة دون صلاحيات اتخاذ القرار. هذه الدعوة التي وجهها الوفد المغربي إذن لنظيره الجزائري هي إحراج صريح أمام المنتظم الدولي الذي ملّ بدوره من أسطوانة مشروخة للدبلوماسية الجزائرية في الوقت الذي يعرف فيه واقع القضية والنزاع تحوّلات جذرية على الأرض حيث تتحدى أوراش التنمية في الأقاليم الجنوبية وإقبال الدول العربية والأوربية والإفريقية على فتح القنصليات هذه الرواية الجزائرية التي أكل عليها الدهر وشرب.