بعد موافقة الولاياتالمتحدةالأمريكية على تزويد القوات المسلحة الملكية بمنظومة "هيمارس" الأمريكية المدمرة، تزايد الجدل المثار في الداخل الإسباني حول طموحات المغرب العسكرية، وتفاقمت المخاوف المعلنة من طرف بعض الأحزاب والهيئات السياسية الإسبانية التي تسعى إلى توتير الأجواء وتعكير صفو العلاقات بين البلدين. هذه المخاوف التي يعلنها طرفا السياسة الإسبانية في اليمين واليسار المتطرفين تأتي لتعزيز نظرة استعمارية وعنصرية متجاوزة ما فتئت تعود إلى الواجهة في بعض وسائل الإعلام الإسبانية. لكن من يغذي هذه المخاوف التي لا أساس لها في المشهد السياسي الإسباني؟ من المؤكد أولا أن هذه المخاوف تستند إلى عوامل نفسية خالصة. وهي عوامل تقتات على قراءات تاريخية مجتَزأة للعلاقات بين البلدين. هناك ارتباط دائم في لا وعي الطبقة السياسية الإسبانية بين تسلح المغرب وتطوير ترسانته العسكرية وبين رغباته التوسعية في اتجاه الشمال وبالضبط نحو شبه الجزيرة الإيبيرية أو نحو الثغرين المحتلين سبتة ومليلية. ويتعزز هذا الشعور لدى الأحزاب الراديكالية على الخصوص في اليمين واليسار كلما كان هذا التسلح المغربي نوعيا ومختلفا، وقادرا على خلق نوع من التفوق العسكري على الجارة الإسبانية، وخصوصا عندما يكون مصدره هو واشنطن. لا يجب أن ننسى أن القادة الإسبان كانوا دائما يرتابون من التقارب المغربي الأمريكي على الرغم من أن إسبانيا نفسها حليفة عتيدة لواشنطن وتحتضن على أراضيها قواعد عسكرية أمريكية. ربما يعود جزء من هذه الحساسية تجاه العلاقات الأمريكية المغربية إلى الدور الذي لعبته واشنطن خلال أزمة جزيرة ليلى التي انتهت بوساطة أمريكية حسمت المشكلة بسرعة قياسية. السبب الثاني في اعتقادنا لهذه المخاوف الإسبانية من تسلح المغرب هو النظرة الكولونيالية المتجاوزة التي لا تزال تنظر إلى بلادنا باعتبارها مستعمرة إسبانية سابقة، وخصوصا في منظور أحزاب اليمين المتطرف، التي لا تمتلك الجرأة الكافية والثقة اللازمة من أجل اعتبار المغرب بلدا جارا وصديقا بل حليفا لإسبانيا على الرغم من كل الخلافات التي يمكن أن تحدث بين الطرفين. فالمغرب على الرغم من تشبثه بحقوقه المشروعة سواء في الثغرين المحتلين أو في الجزر الجعفرية والمياه الإقليمية فإن هذا لا يعني أنه يتسلح من أجل خوض حرب مع إسبانيا لاسترجاع هذه الحقوق. على الأحزاب الإسبانية المتطرفة ووسائل الإعلام المرتبطة بها أن تدرك أن المغرب بلد ذو سيادة ومن حقه أن يتسلح كيفما شاء ومن أي مصدر شاء، وأن ذلك لا يعني أبدا تهديد الاستقرار في المنطقة أو الإضرار بمصالح جيرانه وعلى رأسهم إسبانيا. بل على العكس من ذلك إن تطوير المغرب لترسانته وعتاده وقواته المسلحة يصب تماما في خدمة السلم الإقليمي والدولي باعتباره بلدا وفيا لالتزاماته الدولية واتفاقاته الثنائية مع الأصدقاء والجيران. ولكن دعونا نبحث عن سبب آخر وراء هذه الفوبيا الإسبانية من تسلح المغرب. لن نعلن سرا إذا قلنا إن جيران إسبانيا، أي الفرنسيون، سياسيين وإعلاميين، كانوا في الأصل دائما وراء ترويج هذه المخاوف. لقد كانت الصحافة الفرنسية سباقة إلى إثارة موضوع تسلح المغرب وتطوير جيشه منذ سنوات، ولطالما نفخت في هذه المخاوف خصوصا ما بعد أزمة جزيرة ليلى، وغذت هذه الادعاءات والأقاويل الباطلة، التي تتجاوز الطابع الإخباري نحو الطابع الدعائي والتحريضي. وما تتناقله الصحافة الإسبانية في الآونة الأخيرة عن مقتنيات المغرب من الأسلحة هو مجرد صدى لعادة فرنسية قديمة استطاعت أن تخلق لدى جيراننا الإسبان هذا الهوس الجديد وذلك الحذر الشديد المبالغ فيه من أي مستجد يتعلق بامتلاك المغرب أسلحة نوعية أو تقنيات متطورة للرصد أو الدفاع أو الردع. وعلى الإعلام الإسباني والأحزاب المتطرفة في إسبانيا أن تتجاوز هذه العقدة التي ترهن قراءاتها الخاصة للمشهد بقراءات الآخرين وخاصة الفرنسيين. فما يجمع المغرب وإسبانيا ليس بالضرورة شبيها بما يجمع المغرب بفرنسا، وقد تختلف أحيانا مصالح مدريد كثيرا عن مصالح باريس، التي لها حساباتها الخاصة.