عبدالجليل بنزعزع، واحد من أبطال هذا البلد. مهنته شرطي، ترقى أخيرا إلى رتبة عميد، رحل عن الدنيا في حادث انقلاب القطار ببوقنادل. غادر كرجل شجاع لبى نداء وطن طالما سكنه… مات وهو يهم بإنقاذ بعض ضحايا الحادث من بينهم امرأة وفتاة شابة. هذا بحسب رواية "سميرة" زوجة الراحل، التي كبرت على يديه، وهو الذي تزوجها ابنة 17 ربيعا، فيما كان يبلغ هو من العمر 23 سنة. 27 عاما من العشرة، قضاها الاثنان معا، ما زاد من حرقة ومرارة الفراق. مرارة تجرعها أيضا أبناء الراحل الثلاثة، وتحديدا ابنته "آية"، التي أبى الراحل إلا أن يقتني لها مقررا دراسيا كانت في حاجة إليه من مكتبة بالرباط. اختار الفقيد أن يعرج على المكتبة، ومنه استقل القطار المتوجه صوب مدينة القنيطرة بعدما ألح عليه صديق التقاه في العاصمة. "زوجي لم يستقل قطارا قط… ولم يكن يحب ركوب ترامواي.."، تقول "سميرة" بحرقة، وتشاء الأقدار أن يموت عبدالجليل في حادث قطار. بالعودة إلى الحادث، يقول شهود عيان إن ضابط الشرطة استطاع فعلا إنقاذ سيدتين بعدما كسر زجاج نافذة القطار بيده، حتى إنه كسر أحد أصابعه. وفي خضم هذه الأحداث، حاول عبدالجليل القفز من القطار المنكوب، لكن عمودا حديديا سقط عليه ليلقى حتفه. "يؤثر الآخر على نفسه، خلوق وطيب"، هي شهادة أجمع عليها كل من صادق عبد الجليل بنزعزع. تقول زوجته إنه كثيرا ما يصاب بجروح جراء تدخله لمساعدة المواطنين. "في إحدى المرات عاد إلى المنزل وهو مصاب بجرح غائر في يده. حينما استفسرته عن الأمر قال إن سيارة أجرة كان يستقلها تعرضت لحادث (…) والواقع أنه حمى امرأة من ضربة سيف وجهها إليها سارق"، تقول زوجته سميرة. وتضيف أنه سبق وواجه عصابات تتاجر في المخدرات، ورفض أكثر من مرة تلقي أموال طائلة كرشوة لقاء خدمات أو للتستر على أعمال مخالفة للقانون. وكأنه كان يعلم بموعد وفاته، صرح عبدالجليل لزوجته أكثر من مرة بأنه سيغادر الى دار البقاء قبلها… كان دائما يوصيها بنفسها وأولادها، ويصر على أن تكون امرأة قوية. الراحل الذي وري الثرى بمقبرة سيدي بلعباس بسلا، كان يعاني من أمراض منها "الدوالي" وارتفاع ضغط الدم، ومع ذلك فضل مساعدة الغير على نفسه. ولعل هذا ما يفسر نيله قبل وفاته، شهادات تقدير من المديرية العامة للأمن الوطني.