من الواضح أن الأسباب والمبررات التي ساقتها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ليست جوهرية بالشكل الذي يجعلها مقنعة للرأي العام والطبقة العمالية فيما يخص قرار النقابة مقاطعة التوقيع على اتفاق الحوار الاجتماعي الذي تم أمس الخميس. لقد أشارت النقابة الوريثة لخط اليسار غير الحكومي إلى أنها قررت مقاطعة التوقيع على الاتفاق بسبب التمييز بين القطاع الخاص والقطاع العام في مسألة صرف الزيادات المتفق عليها في الأجور إذ أن الزيادة بالنسبة لموظفي القطاع العام تتم ابتداء من فاتح ماي، عكس نظرائهم في القطاع الخاص، الذين لن تصرف لهم الزيادات المقررة إلا في يوليوز القادم. فالكونفدرالية الديمقراطية للشغل ليست معترضة على جوهر ما تضمنه اتفاق الحوار الاجتماعي من مكتسبات للشغيلة سواء في القطاع العام أو الخاص. ويأتي على رأس هذه المكتسبات زيادة عامة في الأجور التي ستشمل حوالي 800 ألف موظف بإدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري بغلاف مالي إجمالي يبلغ 2.5 مليار درهم خلال هذه السنة ليصل إلى 7 مليار درهم سنة 2021. كما نص الاتفاق، أيضا، على الزيادة في التعويضات العائلية لحوالي 400 ألف موظف بغلاف مالي سنوي يصل إلى 1 مليار درهم، و إحداث درجة جديدة للموظفين المرتبين في السلالم الدنيا وتحسين شروط الترقي لمجموعة من الفئات بقطاع التربية الوطنية، وهو إجراء سيهم أكثر من 24 ألف موظف بغلاف مالي يتجاوز 200 مليون درهم. كل هذه الإجراءات وافقت النقابة عليها ولم تعترض على مضمونها رغم أنها لا تخفي مثلها مثل باقي المركزيات النقابية طموحها لتحقيق المزيد. هناك إذن مبررات غير معلنة هي التي جعلت نقابة الأموي تنسحب من حفل التوقيع وترفض تزيين الصورة التي ستحسب لحكومة العدالة والتنمية وتؤرخ باتفاق 25 أبريل 2019. هذه المبررات على ما يبدو سياسية بالدرجة الأولى. فقبل أسبوعين بالضبط كان الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل عبد القادر الزاير يجلس على طاولة المفاوضات في لقاء مع وزير الداخلية عبد الوافي لتفتيت في محاولة للتسريع بإخراج الاتفاق إلى حيز الوجود قبيل احتفالات عيد الشغل في فاتح ماي. وعقب هذا اللقاء أصدرت الكونفدرالية بلاغا تغلب عليه لغة التوافق والتفاؤل مؤكدة أنه بعد التوافق حول موضوع تحسين الدخل، تم الاتفاق على مواصلة الحوار بخصوص باقي القضايا في أفق التوصل إلى اتفاق اجتماعي ثلاثي الأطراف قبل فاتح ماي المقبل. ومن بين أبعاد الرسالة السياسية المستبطنة في انسحاب الكونفدرالية من التوقيع، إعلان التمرد على تدخل وزارة الداخلية في سير الحوار الاجتماعي وعملها على تسريع التوصل إلى الاتفاق عقب سلسلة من اللقاءات منذ فبراير الماضي. وإذا كان الكاتب العام للنقابة ينتقد هذه الأيام في مذكرات تنشرها إحدى الصحف الوطنية تاريخ تدخل وزارة الداخلية في الشأن النقابي إبان عهد إدريس البصري فمن الواضح أن هذا القرار يأتي لتفادي الوقوع في نوع من التناقض بين الخطاب الرسمي الذي تعلنه هذه الهيئة النقابية وبين ممارساتها وتفاعلها مع نمط تدبير الحوار الاجتماعي من طرف الحكومة والذي لا يختلف عما كان عليه الأمر في الحكومات السابقة. وما يؤكد هذه الرسالة الهامة في قرار الكونفدرالية دعوتها إلى ضرورة مأسسة الحوار الاجتماعي وإحالة كل القوانين الاجتماعية على طاولة التفاوض الجماعي. هذه المأسسة التي تعتبر من بين أقدم المطالب التي ترفعها النقابات في وجه الحكومة كلما تعلق الأمر بدورة جديدة من دورات الحوار الاجتماعي التي لا تزال خارج أجندة رسمية مقننة ومضبوطة، وغالبا ما تخضع للظرفية السياسية والأمنية السائدة. ولا يخفى على أحد أن صياغة اتفاق الحوار الاجتماعي بهذه السرعة بعد سنوات من تبادل الاتهامات بين الأطراف الثلاثة: الحكومة والنقابات والباطرونا إنما تحقق بسبب ضغوط الظرفية السياسية الوطنية والإقليمية التي تتميز بزخم احتجاجي يرى فيه الكثير من المراقبين سياقا شبيها بسياق 20 فبراير 2011.