كشفت دراسة قامت بها المندوبية السامية للتخطيط ، مساهمة في الأشغال التحضيرية للميزانية الاقتصادية التوقعية 2023، أن العديد من العوامل الاقتصادية والمالية تؤدي إلى توقع ضعف النمو في استثمارات الشركات في عام 2023. وأكدت الدراسة التي عالجت موضوع استثمار الشركات ما آفاق تطورها خلال 2022-2023؟ أن من شأن هذا الوضع، أن يعزز العجز المسجل في رأس المال المادي المتراكم خلال الفترة 2016-2020 على المدى المتوسط. وأشارت الدراسة، أنه إذا تعمقت الأزمة التضخمية وأطالت فترة الركود الاقتصادي، فإن إخفاقات الشركات ستكون أكبر وسيكون التأثير على الوظائف والاستثمار والضرائب أكثر وضوحا اعتبارا من عام 2023. صدمة أزمة كورونا حسب المندوبية السامية للتخطيط، فقد تعرضت الشركات لضغوط شديدة على مدى السنوات الثلاث الماضية، مع انخفاض حاد في رقم معاملتها في عام 2020 وتوقف نشاط 2,2 % منها وتغير الوضعية لأكثر من 20 ألف شركة. وقد مكنت الإجراءات العمومية التي تم وضعها للحفاظ على التشغيل والنسيج الإنتاجي من امتصاص جزء من صدمة أزمة كورونا على الشركات، لكن استثماراتها انخفضت بنسبة 18,5 %. وقد أتاح تأجيل مدفوعات الضرائب والمساهمات الاجتماعية والقروض التي تضمنها الدولة لهم الحصول على النقد لتمويل أنشطتهم على المدى القصير والتكيف مع الخسائر المسجلة. ومع عودة النشاط خلال 2021، حدث انتعاش في الفروع الصناعية وارتفعت القيمة المضافة بشكل نسبي في الخدمات. وهكذا تقول الدراسة، تحسن الوضع المالي للشركات، ونتيجة لذلك عرفت الضرائب المحصلة على أساس السنة المالية 2021 توسعا مهما. كما تعافى الإستثمار لدى الشركات غير المالية في عام 2021، على الرغم من استمرار انخفاض النفقات الموجهة للمنتجات الصناعية بنحو 11 % مقارنة بالمستويات المحققة في عام 2019 . وسيكون السؤال المركزي حسب المندوبية هو معرفة ما إذا كان هذا التعافي مستداما أو ما إذا كانت هناك عوامل جديدة تمنع استمراره؟ قيود العرض والطلب غير الكافي وفقا لبحوث الظرفية التي تنجزها المندوبية السامية للتخطيط، واجهت الشركات صعوبات في الإمدادات منذ النصف الثاني من عام 2021، حيث أعلنت 65 % من الشركات الصناعية منتصف عام 2022 بدل 15 % في نهاية عام 2019 ، أن مشاكل التوريد تعيق زيادة إنتاجها. وتعتبر فروع الصناعات المعدنية والميكانيكية والكهربائية والإلكترونية وصناعات مواد البناء الأكثر تضررا. كما يظهر هيكل العوامل التي تحد من تطور النشاط ارتفاعًا في عقبة عدم كفاية «الطلب ،»لاسيما في الصناعات التحويلية، حيث ارتفعت نسبة الشركات التي واجهت هذه العقبات من 27 % في عام 2019 إلى 45,7% في منتسف عام 2022. ومن شأن احتمالات حدوث تحول جديد نحو الركود العالمي في عام 2023 أن تؤثر سلبا على الأسواق الخارجية وتثبط انتعاش النشاط. وأفادت المندوبية ، أن الشركات ستكون أكثر حكمة من حيث الاستثمار، مفضلة تحسين وضعها المالي الداخلي لتكون أقل اعتمادًا على التمويل المصرفي خصوصا عندما يُطلب منها سداد ديونها المتعاقد عليها بموجب إطار القروض المضمونة وبرامج التمويل الموضوعة في فترة ما بعد كوفيد. يضاف إلى ذلك آثار تشديد السياسة النقدية التي من المرجح أن تدفع البنوك إلى تشديد شروطها لمنح القروض، حيث ستواجه الشركات مرة أخرى معيقات التمويل لتطوير أنشطتها. صدمة تضخمية قوية تعاني الشركات، حسب ذات الدراسة، من آثار الصدمة التضخمية على تكاليف إنتاجها في أعقاب ارتفاع أسعار المواد الخام المستوردة التي بدأت منتصف عام 2021. فعلى مدار عام 2021 بأكمله ،أصبحت مدخلاتهم الوسيطة أكثر تكلفة بنسبة 6,7%، على أساس سنوي، بدلاً من انخفاض بنسبة 0,6%، في المتوسط، سنويًا خلال الفترة 2014-2020. وقد هم هذا الارتفاع جميع فروع النشاط،ومع ذلك، فقد قام عدد أقل من الشركات بنقل تأثير هذه الصدمة التضخمية بشكل كلي على أسعار المبيعات في عام 2021، باستثناء صناعة الكيماويات والأنشطة التجارية التي قامت برفع أثمان منتجاتها بمعدل يفوق دينامية ارتفاع كلفة مدخلاتها . وحسب الدراسة، تصيب صدمة الأسعار بشكل أكبر الهياكل الضعيفة في الصناعات التحويلية، خاصة الشركات الصغيرة جدًا التي تواجه زيادة في أسعار مدخلاتها بنسبة تقارب 7 %، بدلًا من 3,2% فقط للشركات الكبيرة. نتيجة لذلك، تضيف المندوبية، سيكون تأثير ارتفاع أسعار المدخلات على ربحية الشركات متباينا في عام 2022 وسيعتمد على قدرتها على فرض زيادة في أسعار بيعها حسب فروع النشاط، في سياق ديناميكية ضعيفة للطلب المحلي باعتماد فرضية تمرير الشركات 52 % من تكاليفها المالية المرتبطة بارتفاع أسعار مدخلاتها، فإن فروع صناعة النسيج وصناعة الأخشاب ستكون الوحيدة التي ستشهد تحسنا في معدلات الهامش بنسبة 1 إلى 2 نقطة في عام 2022، بينما ستعرف جميع فروع النشاط الأخرى تقلضا في هوامشها مقارنة بعام 2021. في المقابل، فإن التمرير الكلي للصدمة التضخمية على المدخلات إلى أسعار البيع من شأنه، أن يرفع ربحية الفروع الصناعية ويحد من انخفاض معدل الهوامش للخدمات بالنسبة للشركات التي تستطيع فرض زيادة في أسعار البيع. ومن شأن تطبيق الزيادات في الرواتب في إطار الحوار الإجتماعي المخطط لعام 2022 أن يعزز من انخفاض الهوامش مقارنة بعام 2021.