تعتبر القارة الإفريقية، ميدان مواجهة بين المغرب وجبهة البوليساريو، بين دافع لإبعادها عن النزاع وتسويته، ودافع لإدخالها مشاركاً للأمم المتحدة في هذه التسوية التي ما زالت بدون أفق رغم طول زمن تدبيرها، وتخصيص الأممالمتحدة مبعوثاً خاصاً لأمينها العام للنزاع ونشر بعثة في منطقة النزاع. وكانت المواجهة الجديدة التي اندلعت في مراكشوبريتوريا، أي أقصى شمال القارة، وأقصى جنوبها، وأطرافها متباعدة بعد الجغرافيا ومتداخلة بتداخل النزاع وإشغاله للقارة الإفريقية، فإن جواب المغرب جاء في صحف جنوب إفريقيا. ودعا وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، السيد ناصر بوريطة، أمس الأحد، جنوب إفريقيا إلى العمل مع المغرب على انبثاق نموذج جديد للتعاون الإفريقي. وقال ناصر بوريطة، في حديث خص به الأسبوعية الجنوب إفريقية “ذا صنداي تايمز”، إنه و“بدلا من الاستمرار في طريق مسدود، ينبغي على المغرب وجنوب إفريقيا العمل سويا من أجل تطوير نموذج للتعاون الإفريقي والتعاون جنوب-جنوب”. وأكد بوريطة أن المغرب وجنوب إفريقيا، “اللذين يظلان اقتصادين مهمين في إفريقيا، يمثلان أرضيتين للولوج إلى القارة، مشيرا إلى أن الرباطوبريتوريا مدعوتان للعمل معا لمساعدة إفريقيا على السير في اتجاه الإقلاع الاقتصادي الضروري للقارة”. وأشار وزير الخارجية، إلى تطوير منطقة التجارة الحرة الإفريقية والنقل الجوي، كمجالات رئيسية للتعاون بين البلدين. وأكد بوريطة على على الدعم الذي قدمه المغرب لكفاح شعب جنوب إفريقيا؛ ضد نظام الفصل العنصري، الأبارتايد، مذكرا بأن الزعيم التاريخي لجنوب إفريقيا، نيلسون مانديلا، استقبل في المملكة منذ بداية ستينيات القرن الماضي. من جهة أخرى، أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي على أن المغرب وجنوب إفريقيا، وبالنظر إلى موقعهما الجغرافي، “لا ينبغي أن تسود بينهما مشاكل ثنائية”. وقال بوريطة “نحن لا نتقاسم نفس الحدود، وليست لدينا مشاكل إقليمية”، موضحا أن المشاكل التي تعرقل العلاقات بين البلدين؛ يمكن تفسيرها بقرار بريتوريا “اتخاذ موقف حول قضية تهم منطقة تقع على بعد مئات الكيلومترات، وهو موقف يتعارض مع موقفي الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي”. وأعرب بوريطة عن أسفه، في هذا السياق، لقرار جنوب إفريقيا باستضافة مؤتمر لدعم “البوليساريو”، وذلك خلال يومي 25 و26 مارس الماضي، في مقر وزارة العلاقات الدولية. وقال بوريطة إن هذا المؤتمر؛ الذي جرى تنظيمه بمبادرة من مجموعة تنمية إفريقيا الجنوبية؛ يسير ضد مسار المسلسل الأممي الرامي إلى إيجاد حل للنزاع الإقليمي حول الصحراء. وشدد على أن جنوب إفريقيا، كعضو في المنتظم الدولي، يتعين أن تساعد في هذا السياق من خلال الحياد الضروري. وأضاف “في العادة، إذا كنتم دولة تعمل في إطار المجتمع الدولي، فإنه يتعين عليكم المساعدة دون تحيز ودون الاصطفاف إلى جانب أحد الأطراف”. وأعرب بوريطة عن أسفه لكون “جنوب إفريقيا اختارت طريقا آخر”، مشيرا إلى أن “معالم التسوية للنزاع الذي أثير حول الوحدة الترابية للمغرب، تم تحديدها بوضوح في إطار الأممالمتحدة، التي تدعو إلى حل واقعي وبراغماتي ومستدام وقائم على التفاهم”. من ناحية أخرى، أكد الوزير على أن قضية الصحراء لا ينبغي مقارنتها بالوضع في الشرق الأوسط. “ففي فلسطين، تبنت الأممالمتحدة قرارا يدعو إلى حل الدولتين. فيما يتعلق بالصحراء، فإن الأمر يتعلق بعملية سياسية لإيجاد تسوية مع الجزائر”. وبعد أن ذكر بأن تواجد إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، معترف به عالميا على أنه احتلال، فقد وجه بوريطة تحديا ل“إخواننا في جنوب إفريقيا لإيجاد قرار وحيد للأمم المتحدة يصف وجود المغرب في الصحراء احتلالا”. وقال بوريطة إنه، وإذا كانت جنوب إفريقيا تريد أن تضطلع بدور صادق، فيجب عليها الاعتراف بهذين الموقفين المختلفين عن بعضهما البعض. وبالعودة إلى المؤتمر الوزاري الإفريقي حول دعم الاتحاد الإفريقي للعملية السياسية للأمم المتحدة بشأن النزاع الإقليمي حول الصحراء، الذي انعقد مؤخرا في مراكش، أكد بوريطة أن هذا الاجتماع كان يهدف إلى إظهار أن البلدان الإفريقية تدعم موقف المغرب، وأن مؤتمر بريتوريا لا ينبغي اعتباره مرجعا للموقف الإفريقي. وأضاف الوزير أن مؤتمر مراكش مكن، أيضا، من أن يظهر أن اجتماع بريتوريا كان أداة لتقسيم إفريقيا، مذكرا بالإجماع الذي تم التوصل إليه خلال قمة الاتحاد الإفريقي ال31 المنعقدة في نواكشوط، والتي أكدت على الاختصاص الحصري للأمم المتحدة في قضية الصحراء، والدعم والمواكبة التي يجب على الاتحاد الإفريقي تقديمها لعملية الأممالمتحدة. وتساءل الوزير “من الذي يقسم إفريقيا؟ من قرر أن الذين يعارضون المغرب يتعين أن يجتمعوا ؟”، مؤكدا على أن “رسالتنا كانت هي أن نقول إن الوحدة كانت في مراكش وأن التقسيم كان في بريتوريا”. وعلقت صحيفة “ذا صنداي تايمز”، في هذا السياق، بأن “جهود المغرب توجت بالنجاح، لاسيما وأن مؤتمر مراكش تميز بمشاركة 37 دولة إفريقية مقابل 24 دولة فقط تم الإعلان عنها في مؤتمر بريتوريا، بما فيها دول مثل كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا”. تجدر الإشارة إلى أنه سبق لجنوب إفريقيا، أن اعترضت باخرة تنقل شحنة الفوسفات، بإيعاز من جبهة البوليساريو بداعي نقل غير شرعي لمواد مصدرها الصحراء. وتعتبر جنوب إفريقيا هي الدولة الثانية، بعد الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو، بعد تخلي العقيد معمر القذافي عنهم، في الثمانينيات.