الطالبي العلمي : إقلاع الجنوب رهين بتحقيق السلم والتوظيف الجيد لإمكانياتنا    في بيان التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي التشديد على الالتزام الثابت بوحدة المملكة المغربية وسيادتها ورفض قاطع لكل محاولات الانفصال أو المساس بالوحدة الترابية    توقف القطارات في جميع أنحاء إسبانيا    منتدى الحوار البرلماني جنوب- جنوب محفل هام لتوطيد التعاون بشأن القضايا المطروحة إقليميا وقاريا ودوليا (ولد الرشيد)    بوتين يعلن هدنة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام    سانشيز يدعو إلى "اجتماع عاجل"    الدار البيضاء.. توقيف عشريني بشبهة الاعتداء على ممتلكات خاصة    يوم انهيار الخدمات .. شل كهربائي ومائي واتصالاتي يضرب إسبانيا ودول مجاورة    أبوظبي .. المغرب يعمل تحت قيادة جلالة الملك على دمقرطة الولوج إلى الثقافة (بنسعيد)    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    انطلاق بطولة خالد بن حمد الثالثة للبولينج بمشاركة 104 لاعب من 13 دولة    انطلاق الدورة ال3 للمؤتمر الإفريقي لوكلاء اللاعبين بالعاصمة الرباط    انقطاع كهربائي غير مسبوق يضرب إسبانيا والبرتغال    مزور يؤكد على التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين في إطار المنتدى الصيني العربي    لماذا لا يغطي صندوق الضمان الاجتماعي بعض الأدوية المضادة لسرطان المعدة؟    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    403 ألف زاروا المعرض الدولي للكتاب بمشاركة 775 عارضا ينتمون إلى 51 بلدا    هشام مبشور يفوز بلقب النسخة الثامنة لكأس الغولف للصحافيين الرياضيين بأكادير    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    تكريم سعيد بودرا المدير الإقليمي السابق لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمضيق الفنيدق    الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    العلمي: احترام الوحدة الترابية للدول يتطلب عقدا سياسيا وأخلاقيا ملزمًا    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    حمودي: "العدالة والتنمية" نجح في الخروج من أزمة غير مسبوقة ومؤتمره الوطني تتويج لمسار التعافي    هيئة حقوقية تدين حملات التشهير ضد ساكنة بن أحمد    انتشال جثة فتى من وادي ملوية بعد اختفائه    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    عبد الله البقالي يترأس أشغال المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بالحسيمة    متصرفو قطاع التربية الوطنية يطالبون بتدخل عاجل من أخنوش    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    تيزنيت : الوقاية المدنية و الهلال الاحمر درعا السلامة و الأمان ب"سباق النصر النسوي"    رد حكيم من بوريطة.. إسكات استفزازات العالم الاخر ومسه بسيادة العراق    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    المشتبه به في قتل مصلّ بمسجد في جنوب فرنسا يسلم نفسه للشرطة الإيطالية    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    المرزوقي يدعو التونسيين لإسقاط نظام قيس سعيد واستعادة مسار الثورة    فريق نهضة بركان يتأهل لنهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    التنسيقية الصحراوية للوديان الثلاث وادنون الساقية الحمراء واد الذهب للدفاع عن الارض والعرض تستنكر… ارض الصحراويين خط أحمر    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءات رمضانية… التصوف الذي معنا وبيننا في المنطقة والعالم
نشر في الدار يوم 21 - 04 - 2022

هذا عمل حديث الإصدار في الساحة الألمانية بالتحديد، وهو عمل جماعي تشرفنا بالمشاركة فيه، ضمن فريق من الباحثين والكتاب، ويحمل عنوان "التصوف الذي بيننا ومعنا"، ولأن العمل صادر في بلاد الجرمان، فقد تضمن ترجمة الأرضية النظرية إلى اللغة الألمانية، ومعها بعض فصوله، وأنجز الترجمة متياس هنيش، أما العمل، والذي حرر مقدمته أحمد الخليع، فنجد من الأسماء التي اشتغلت على التعريف والترويج للكتاب هناك في المجال الثقافي الألماني، موسى الزعيم، محرر القسم الثقافي في مجلة "الدليل" الألمانية، والصادرة في برلين.
جاء فهرس العمل كالتالي: تأطير نظري ومنهجي: المنعطف في دراسات التصوف الجديد، بقلم محرر العمل، الباحث البحريني المقيم في ألمانيا محمد الزكري القضاعي؛ التصوف في مدينة اللاذقية لقصي حاتم؛ التصوف وعلم القانون: مدخل موجز لتأطير العلاقة لعلي الصديقي؛ التصوف والعمارة الروحية: تهيئة المسجد للقاء المتعالي بالفاني: قراءة روحانية للمكان لأناليزا أورسيلي ديكسون؛ التصوف ومثنوية القصة الرمزية، ترجمة وشرح محمد الكفافي؛ التصوف واللادينية لمحمد الزكري؛ التصوف والفن للمنتصر حمادة؛ التصوف واللغة، حوار مع إيهاب حماد؛ التصوف والبيئة لحميد شيرفاني؛ التصوف والعلاج الروحاني لمنى غزال؛ وأخيراً التصوف والتكنولوجيا لحمد عبد الجواد حماد.
توقفت الورقة التأطيرية للكتاب عند مميزات العمل، وفي مقدمتها المساهمة في إخراج التصوف من دوامات التّكرار والإنتاج المتشابه المتمثل في طرق تناوله وعرضه ونشره. فطالما نجد الكثير من النصوص التي تنمّط التصوف كحالة مستغرقة في عقد حلقات تُدَار بين الشيخ والمريد بمعزل عن واقع الحياة. كتابات توهم القارئ بأن المتصوفة غير معنيين بالمتغيرات التي أحدثها تتالي موجات العولمة ولا منشغلين بتحديات المعاش اليومي ومتطلبات أسرهم.
ومعلوم أن أدبيات الاستشراق ساهمت في إنتاج مثل هذه التّخيّلات عن التصوف وأهله بحكم سيطرتها على أروقة الدّراسات الشرق أوسطية في الجّامعات الغربية. فمن خلال كتابات كبار المستشرقين رسم الاستشراق كيف يُدْرَس التصوف وطوقه بحدود وتعاريف فرضت ميول ونزعات الاستشراق على المتصوفة. فالصوفي قديماً وحديثاً يُصَوّر على إنه منشغل في العشق الإلهي ويهيم ينظم أشعاراً روحانية زهدية بعيدة عن متطلبات الحياة، ويُبْرَز الصّوفي كإنسان يتنقل من مقام إلى مقام (مقام التوبة، مقام الصبر، مقام الشكر، الرجاء الخ) ومع مسالك طرقه وارتقاءاته تتقلب أحواله (المراقبة، الحب، الشوق، الأنس، اليقين، الخ) تبعاً للمقام الذي هو فيه. كما تُطرح ثقافة التصوف كثقافة غامضة مثيرة غير مفهومة لكونها ذات لغة غير مألوفة وذات مصطلحات عصية على الشرح.
وبالنتيجة، أنتج لنا الاستشراق نظرة جامدة وصلبة ومُنَمّطه عن التصوف ليس هذا وحسب، بل إنه لم يُقدم طرقاً تحليلية ولم يطور النماذج القادرة على استيعاب تعدد الطرق الصوفية واختلاف سياقاتها وانفعالها وفاعليتها وسيولة جريانها في فروع وثنايا الحاضر الذي نعيشه. وبالنتيجة، ينفي الاستشراق بشكل أو بآخر، إمكانية التغير أو التحول في البنية الصوفية للمعاصرة والتّحادث للتعامل مع مستجدات الزمن، ومنها مستجدات العصر الراهن. ونزعم أن اعتناق الإسلام في الساحة الغربية، الأوربية والأمريكية، عبر التصوف، يقوض العديد من الرؤى الاستشراقية حول التصوف الإسلامي.
ميزة الكتاب إذن تكمن في تسليط الضوء البحثي والإبداعي على تجارب، لأهداف عدة، منها المساهمة في كسر حبس الاستشراق للتصوف، من خلال شعار "التصوف من أبواب غير مطروقة"، باعتباره أحد السبل الميدانية والمعرفية الممكنة والمتاحة لإخراج دراسات التصوف من حالة تكرار تناوله وجمود مواضيعه، حيث يسعى كل فصل من فصول هذا الكتاب إلى إبراز "التجربة الصوفية" الذي يسلكه الصوفي من خلال رؤية أن التصوف محيط حاضن يمتلك القدرة لاحتضان غيره وتوفير أسباب الحياة لذلك الكائن غير الصوفي في ثناياه وفي ذات الأوان يعمل التصوف على رؤية الله فيه وإعادة عملية الاتصال مع الله المتواجد في ذلك الكيان المحضون وهكذا يترك التصوف بصمته في غيره.
وهكذا يجد القارئ في الكتاب فصولاً يتحدث إحداها عن التصوف كحاضن للقانون، وتجد آخر يتحدث عنه كحاضن للغناء والمسلسلات التلفزيونية، وكحاضن للعلمانية، وكحاضن "لليوغا" وكحاضن للديكور، وكحاضن للبيئة الطبيعية وكحاضن للحدائق وكحاضن للمعمار وتصاميم المنازل والبيوت، ضمن محاور أخرى.
فمثلاً، مع المحور المخصص للتصوف والعلاج الروحاني، الأمر يهم أماكن نسوية تعلم الحضور الصمت سموها بأسماء مذاهبها مثل "الريكي" و"اليوغا" و"اللإكسس بار" التي تنادي بأسماء الله الحسنى. مجالس يؤمن روّادها أنهم في ندائهم لله بأسمائه الحسنى استطاعوا أن يحولوا التأمل صوفياً إسلامياً كما يفعل الذاكرون والذاكرات في التصوف. نحن إزاء طريقة مستجدة في عصرنا، تقتضي التوقف قصد التعرف على أحوال صالونات تعج بالنساء، وقصد التقرب أكثر لنمحص الصوفية المعاصرة ما بين المعتقدات والتأمل والممارسات التكنيكية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الظاهرة تحظى بتفاعل متباين، بين تيار يعارضها طولاً وعرضاً بسبب الخلط بين الممارسات التأملية مع الاعتكافات الإسلامية؛ مقابل تيار مضاد مقبل عليها، وخاصة من فئات نسائية في دول الخليج والمنطقة العربية وحتى في أوربا، حتى إننا نجد نسبة معينة من السيدات تمارسن التدريب في الخليج العربي سواء بالبحرين أو بالسعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، وهن يتخذونها بتقليد إلى التأمل الروحاني المعاصر. [لابد من التأكيد هنا على أن المدربات يعتبرن التدريب الروحاني النفسي نوع من أنواع التصوف المعاصر اليوم ويسمينه "المعرفة بتدريب النفس ونقلها من النفس الأمارة بالسوء إلى النفس الراضية المرضية"].
أما في المحور المخصص للتصوف والقانون، فقد اتضح في خلاصاته أن بين التصوّف وعلم القانون علاقة ارتباط، تقوم على اعتبار أن الشريعة من حيث هي قانون يجب الالتزام به، مطلب أساسي ومرتبة من مراتب الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، وعلى أن الفهم الصوفي للقانون يربط دائماً بين البعد المادي في القانون وبعده الروحي الذي يتصل بخالق الكون ووجوب الالتزام بالأخلاق الحميدة التي لا يعتبرها فلاسفة القانون الغربيّون أولوية في صناعة التشريع. ولهذا السبب يرفض الفكر الصوفي القانون الحديث إذا كانت منطلقاته نفعيّة ماديّة فقط لا اعتبار فيها بمسألة السلوك الأخلاقي والاتصال الروحي بربّ العباد. أما من حيث الأساليب التشريعية الحديثة "التقنين" فلا بأس من استخدامها في الجانب القانون – ولو كانت منتجاً غربياً – طالما لم يمس أصول الدين وروحه. بل استخدم التقنين في تنظيم الطرق الصوفيّة وحماية ممارساتها وعقائدها في بعض البلاد. هذا مدخل موجز لفهم مساحات الارتباط بين التصوّف وعلم القانون، وإلا فإن الحديث قد يطول إذا ما أردنا الخوض في تفاصيل كل مسألة من المسائل التي تمت مناقشتها.
وبخصوص المحور الخاص بالتصوف والشعر، فقد تضمن وقفات مع مراجع تراثية من باب تزكية مضامين المحور، من قبيل ما صدر عن السهروردي صاحب كتاب "عوارف المعارف"، إلى حد أنه تحدث عن وجود مائة تعريف للتصوف، كما يذكر ابن خلدون وكذلك القشيري أن كثرة التعاريف تعود إلى أسباب متعددة منها أن المتصوفة أنفسهم لم يكونوا على دراية وافية بمعالم ومعايير التعريف، وبتعبير المناطقة، فإن للتعريف ثمانية أضلع أو ثمانية رؤوس، أي الرؤوس الثمانية للتعريف. ويضيف القشيري أن الصوفي كان يُعرف التصوف بما وقع له، يعني حالته أو مقامه الذي هو فيه فحسب، أما ابن خلدون، فذكر أن منهم من عرّف التصوف بأحوال البداية ومنهم من عرّف التصوف بأحوال النهاية. ولذلك هناك جدل كبير حول موضوع التعريف، وإن كان هناك شبه إجماع أو توجه عام مفاده أن المتصوفة يجمعون على وجود مجموعة من الضوابط أو من المشتركات التي تحيلنا إلى تعريف قد يكون جامعاً مانعاً.
بإصدار هذا الكتاب تأسيساً على المنهج أعلاه، اتضحت للمشاركين ثلاث خلاصات على الأقل، تبقى أقرب إلى إقرارات:
عدم قابلية اختزال أو ذوبان التصوف بشكل مطلق في ثنايا علوم أخرى وتكاملهما، والعكس صحيح.
استحالة كينونة وجود أحدهما دون وجود الآخر. فالتصوف لا يمكن أن يقف كعلم إلا بوجود علوم ليست من جنسه أي ليست من مادة التصوف، والعكس صحيح أيضاً.
وجود مساحة تجارب تسمح لقيام مادة التصوف بجذب العلوم الأخرى إليه لإنتاج هجين أو حالة من المتاخمات أو الخليط أو الانصهار.
كتاب يستحق التنويه لاعتبارين اثنين على الأقل، وكلاهما للمفارقة يرتبطان بالإرث الاستشراقي: الأول أشرنا إليه في مقدمة العرض، أي تبني قراءة جديدة نوعاً ما للعمل الصوفي، بعيداً عن القراءات النمطية والمتداولة في الساحة العربية الإسلامية والغربية على حد سواء، وخاصة القراءات الصادرة عن مجموعة من المستشرقين؛ أما الاعتبار الثاني، فمفاده أن العمل صدر في الساحة الألمانية، مع ترجمات لبعض مضامين وفصول الكتاب إلى اللغة الألمانية، في سياق تقريب تلك المضامين لجمهور منفتح في تعامله مع الإسلاميات بشكل عام، حتى إن المدرسة الاستشراقية الألمانية، من بين أهم المدارس التي أنصفت التراث الإسلامي مقارنة مع باقي المدارس في الساحة الغربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.