يكاد يمثل التعديل الحكومي عرفا سياسيا راسخا ومنتظما في المغرب. لم تسلم أي حكومة مغربية من هذا الإجراء في الثلاثين عاما الأخيرة، بل إن بعض الحكومات خضعت لتعديلين في ولايتها الواحدة. حكومة عبد الإله بنكيران على سبيل المثال التي تم تنصيبها في يناير 2012 خضعت للتعديل الوزاري الأول في أكتوبر 2013 بعد انسحاب حزب الاستقلال من التحالف الحكومي، ثم خضعت لتعديل آخر في ماي 2015 باستبدال أربعة وزراء. هذا يعني أن التعديل الحكومي لم يكن دائما مجرد حلحلة لأزمات سياسية أو ائتلافية عابرة بل يمكن القول إنه تقليد ثابت نابع بالأساس من ازدواجية النظام السياسي المغربي القائم من جهة على وجود حكومة منتخبة ومن جهة أخرى على ملكية تنفيذية تعتبر فاعلا من الفاعلين السياسيين الدستوريين. في ظل هذه الحقيقة التاريخية والسياسية المجمع عليها يصبح الحديث اليوم عن خبر تعديل حكومي سيطال التشكيلة الحكومية الحالية مجرد تكهّنات لا أقل ولا أكثر. وحتى إن صح هذا الخبر فإن تحميله ما لا يحتمل يعتبر نوعا من التضليل الذي ينبغي الترفّع عنه، خصوصا بالنسبة للمحللين السياسيين ووسائل الإعلام. فمن الواضح أن ترويج هذا الخبر، صح أم لم يصحّ، يوظّف بشكل غير موضوعي بتاتًا لتصفية الحساب مع وزراء بعينهم أو مع أحزاب معينة. الحديث مثلا عن ستة وزراء سيتم استبدالهم بما في ذلك وزراء سيادة لأنهم فشلوا في أداء مهامهم أو لأنهم لم ينجحوا في إقناع المواطنين من الأخبار الصالحة لكل زمان ومكان. هل هناك حكومة في العالم ينجح كل وزرائها دون استثناء في أداء مهامهم؟ ثم ما هو التقييم الذي ينبني عليه مثل هذا الحكم في حكومة لم يمض على تعيينها إلا ستة أشهر؟ إذا كان المدافعون عن التعديل الحكومي قادرين على إقناع المواطنين بأن التضخم أصبح اليوم ثابتا من ثوابت الظرفية الاقتصادية العالمية وأن ارتفاع أسعار المحروقات راجع إلى ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية فيمكن أن ندافع نحن عنهم كوزراء بدلاء للخارجين المفترضين من حكومة عزيز أخنوش. لا نريد أن نزيد من أجواء التخمين والرجم بالغيب ونقول إن شائعة التعديل الحكومي هي مجرد بالون اختبار، لأن ما يهمنا أكبر من مجرد التحقّق من وقوع التعديل أم عدم وقوعه. ما يهمّنا في الحقيقة هو أن نذكّر الجميع بأن الموضوعية هي الرهان الذي ينبغي احترامه والسعي وراء بلوغه، مهما كانت الخصومة السياسية ضاغطة. مهما كان خصمك سواء فردا أو وزيرا، ومهما كان تاريخ علاقتك به فعليك أن تتحرّى الدقة والموضوعية قبل الحديث عن تعديل وزاري أو الإطاحة بوزير أو مسؤول. والموضوعية تقتضي أن نستحضر الظروف التي تعمل فيها حكومة عزيز أخنوش. إنها حكومة "مظلومة" بكل ما تعنيه هذه الصفة من معانٍ. مظلومة لأنها خرجت إلى الوجود والمغاربة لا يزالون يلملمون جراح أكبر جائحة صحية ضربت العالم في الخمسين عاما الأخيرة. مظلومة أيضا لأنها بدأت عملها مع موسم فلاحي متعثر وحالة جفاف لم تبدأ في الانحسار إلا مع كتابة هذه الكلمات وتهاطل بعض زخات الخير والبركة. مظلومة جدا لأنها اصطدمت بأكبر ارتفاع لأسعار النفط في التاريخ بعد أن انتقل سعر البرميل من بضعة دولارات في يناير من العام الماضي ليناطح المائة وعشرين دولارا في الأسابيع القليلة الماضية. مظلومة أيضا لأنها كانت ولا تزال تحمل الكثير من الآمال والبرامج الطموحة لكنها تواجه في بعض الأحيان بسوء فهم كبير تتبعه موجة من التضليل والتزييف التي يقف وراءها بالدرجة الأولى خصوم سياسيون. نحن لا نرفض ولا نعارض إجراء تعديل حكومي إذا توفرت شروطه وانتفت موانعه، لكن ما نريد التأكيد عليه هنا أن تغيير وزير أو استبدال وزيرة لا يمثل بأي حال من الأحوال انتقاصا من عمل الحكومة التي تحاول، على الرغم من كل ما سبقت الإشارة إليه، أن تحافظ على حد أدنى مستطاع من الاستقرار الاجتماعي وحماية المواطنين من تداعيات الأزمات العالمية التي تلقي بظلالها على بلادنا، وستفاجئ هذه الحكومة قريبا الجميع عندما ستنجح في استكمال أهم ورش اجتماعي خاضه المغرب منذ استقلاله، ورش تعميم الحماية الاجتماعية.