يبدو أن النائب البرلماني الشاب عمر بلافريج سائر جديا في الالتزام بقراره الذي أعلنه سابقا وعدم الترشح مجددا في الانتخابات التشريعية المقبلة. لقد سبق للنائب عن الحزب الاشتراكي الموحد أن أعلن أنه يرغب في التفرغ لنشاطه المقاولاتي واقتحام عالم الأعمال لمساعدة الشباب من حاملي المشاريع. لكن ما أكده لموقع "ميديا24" عن أسباب هذا القرار، يوضح الصورة أكثر، لأن الأسباب ليست فقط شخصية أو مهنية، وإنما هي أيضا أسباب سياسية وأخلاقية، يلخصها بلافريج في اليأس من مشروع الوحدة اليسارية التي على أساسها ترشح في الانتخابات الماضية. ويعتبر بلافريج أن سبب انسحابه المرتقب من الساحة السياسية يتجاوز بكثير الأسباب الذاتية والشخصية. إنه يتعلق بالفشل في تنفيذ ذلك الوعد الذي على أساسه قدمت فيدرالية اليسار الديمقراطي مشروعا للوحدة بين مكوناتها الحزبية، ثم انفتاحها أكثر على الشباب الذين لا يثقون في المؤسسات. وبعد أكثر من خمس سنوات على إعلان مشروع الوحدة، لم يتحقق منه شيء. بالنسبة لبرلماني شاب كعمر بلافريج لا مجال إذا للاستمرار في الكذب على المغاربة على حد قوله. وعلى الرغم من أن نائب اليسار يترك الباب مواربا لاحتمال العودة مرة أخرى لساحة الانتخابات إذا توفرت الشروط، إلا أن موقفه يعكس جانبا مهما ليس فقط من نزاهته الفكرية فقط، وإنما أيضا من الثقافة السياسية التي لا تزال تسود في أوساط اليسار غير الحكومي. فعلى الرغم من أن بلافريج يبرر قراره بعدم الوفاء بالوعود تجاه الشباب الذين فقدوا ثقتهم في المؤسسات، إلا أن موقفه نفسه ينطوي على قدر من اليأس وانعدام الثقة أيضا في الهيئة الحزبية التي ينتمي إليها. فالحقيقة التاريخية تؤكد أن وحدة اليسار ليست مجرد حلم مثالي فقط، وإنما هي أيضا غاية لا طائل سياسيا من ورائها، بعد أن تراجعت أعتى الأحزاب الاشتراكية في العالم، وتفتت، وورثتها التيارات الشعبوية الكاسحة التي دشنتها الترامبية. وفقدت أيضا ذلك الوهج الفكري الذي كانت تمثله كبديل لليمين الليبرالي بعد موت الإيديولوجيا. هذه المثالية التي يتحدث بها بلافريج يمكن أن يقرأ فيها البعض مجرد مناورة سياسية من شاب يريد أن يتقدم داخل حزبه تدريجيا نحو القيادة في مواجهة المرأة اليسارية التي تمثلها نبيلة منيب. ولا داعي للتذكير هنا بأن الخلافات بين المرأة اليسارية والرجل اليساري في كثير من القضايا والمواقف مشهودة لدى جميع المتابعين. لكن الظاهر من هذا الموقف أن البرلماني الشاب، الذي فرض صوته ومواقفه تحت القبة التشريعية، لم يستطع التخلص هو أيضا من هنّات هذا اليسار الذي يئس منه. فهو وريث لثقافة المقاطعة والانسحاب والتخندق التي لطالما ميزت الكثير من أحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، وجعلتها خارج دوائر المشاركة تاريخيا. وبدل أن يتشبث الرجل بخيار المعارضة الذي مارسه خلال هذه الولاية البرلمانية بنجومية مقدّرة، يلوح اليوم بخيار معارضة المعارضة والمشاركة معا. وكأنه يرفع شعار أولئك الشباب الذين تحدث باسمهم وهم يصفون السياسة وأهلها "كلهم بحال بحال". من حق بلافريج أن يتفرغ لتطوير مشواره المهني ويدافع عن مصالحه الشخصية، لكن يأس السياسي من السياسة ليس كيأس الناس منها.