الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، الذي كان صلة وصل مصيرية بين الفترة الدكتاتورية والعهد الديمقراطي في إسبانيا بعد موت فرانكو، صار على شفا حرب داخلية، مردها إلى المواقف المعادية لباروناته الكبار تجاه السكرتير العام الحالي للحزب ورئيس الحكومة بيدرو سانشيز. ويبدو من خلال المشهد الداخلي للحزب الاشتراكي أنه لم يعد حزبا واحدا ومتماسكا مثلما كانه دائما، بل تحول إلى جزر متباعدة، أو جزيرتين متباعدتين، كل جزيرة تحكمها مجموعة معينة، على رأس كل منها رئيس الحكومة الأسبق فليبي غونزاليس، وبيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الحالي. الصراع داخل الحزب بدأ منذ عدة سنوات، عندما كان الحزب يعاني من أزمة قيادة خطيرة، فساند البارونات التاريخيون للحزب رئيسة الحكومة المحلية في إقليم الأندلس، سوزانا دياز، التي كانت المرشحة الأوفر حظا لقيادة الحزب وطنيا، قبل أن يخرج لها بيدرو سانشيز من مصباحه السحري ويطيح بها، ومعها كل البارونات الحزبيين الكبار. منذ تلك الفترة لم تتوقف المناوشات بين سانشيز وقدماء "المقاومين"، والتي كانت تطفو إلى السطح في كل مرحلة مصيرية يمر منها الاشتراكيون الإسبان، مثل الانتخابات أو عمليات تشكيل الحكومات، سواء المركزية أو الجهوية. الاحتقان بين الطرفين زاد بصورة كبيرة خلال الأشهر الأخيرة، حين حصل الحزب الاشتراكي على أغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية، التي تلتها انتخابات أخرى سابقة لأوانها، والتي وجد فيها الحزب نفسه أمام مقصلة التحالف مع اليسار الراديكالي، ممثلا في حزب "بوديموس"، بزعامة بابلو إغليسياس، أو التعايش مع جزء من الينين الإسباني بقيادة حزب "سيودادانوس". ويبدو أن سانشيز وجد نفسه مجبرا على الاختيار بين أهون الشرين، فتحالف مع اليسار الراديكالي، وهو ما جر عليه نقمة الزعماء التقليديين، الذين يعتبرون "بوديموس" حزبا خائنا وسبب أضرارا كبيرة للاشتراكيين الكلاسيكيين حين حرمهم من قاعدة شعبية كبيرة. حاليا، تسير الأوضاع نحو مزيد من التوتر حين قرر سانشيز إهالة التراب على غونزاليس وصحبه، حين رسم معهم خطوطا حمراء سياسيا وحزبيا، في انتظار القطيعة النهائية بين الطرفين، وهي قطيعة، يتوقع محللون إسبان، أنها لن تتأخر كثيرا لكي تنهي مرحلة تاريخية من مسيرة حزب لا يمكن تصور إسبانيا من دونه.