يبدو أن الانسداد والجمود السياسي الذي تعيش إسبانيا على إيقاعه منذ سبعة أشهر (منذ انتخابات 28 أبريل الماضي)، والذي حال دون تشكيل حكومة جديدة، سيتواصل بعد انتخابات اليوم الأحد (10 نونبر) في ظل استمرارية المواقف المتشددة نفسها لقادة الأحزاب السياسية الرئيسة أثناء الحملة الانتخابية التي انتهت مساء أول أمس الجمعة تجاه كل القضايا، خاصة المتعلقة بالتحالفات وتشكيل الحكومة المقبلة، والتي كانت السبب وراء إعادة هذه الانتخابات المبكرة. ولا يظهر من خلال تصريحات زعماء الأحزاب السياسية التي تتنافس في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها المقررة اليوم الأحد أن هناك تغيرا كبيرا في مواقف وخيارات الأحزاب لتجاوز هذا الجمود، الذي أرخى بظلاله على الحياة السياسية في إسبانيا منذ فشل مفاوضات تشكيل الحكومة بعد انتخابات أبريل الماضي، وبالتالي إيجاد حل لهذه الأزمة التي ترهن البلاد في ظرف زمني موسوم بانعدام اليقين على المستوى السياسي، وبركود اقتصادي بدأت ملامحه تلوح في الأفق . ورغم اعتراف قادة الأحزاب السياسية الرئيسية المشاركة في هذا الاستحقاق، وهي الحزب العمالي الاشتراكي (يسار) وحزب "بوديموس" الذي يمثل أقصى اليسار، والحزب الشعبي (يمين)، وحزب "سيودادانوس"، الذي يمثل وسط اليمين ثم حزب "فوكس" اليميني المتطرف، بخطورة حالة الانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد وتأثيراتها على الوضع السياسي والاقتصادي، فإن الحلول التي يقدمونها تبدو متباينة ومتعارضة وتكشف عن اختلاف كبير حتى داخل الأحزاب التي تنتمي إلى نفس التيار سواء من اليسار أو من اليمين. فبيدرو سانشيز، زعيم الحزب العمالي الاشتراكي الذي يستشعر خطورة الوضع، يقترح في حالة عدم التوفر على الأغلبية المطلقة بعد الإعلان عن نتائج انتخابات اليوم تمكين الحزب الذي سيحصل على أكبر عدد من أصوات الناخبين من تشكيل "حكومة مستقرة"؛ وذلك من أجل ضمان عدم تكرار ما حدث عام 2016، وكذا ما حدث بعد انتخابات أبريل الماضي . ولم يقف المرشح الاشتراكي ورئيس الحكومة الإسبانية المنتهية ولايتها عند هذا الحد، وإنما جدد كما في المفاوضات السابقة التي أعقبت انتخابات 28 أبريل رفضه الدخول في تحالفات مع أحزاب أخرى، وقال إنه يتطلع إلى مواصلة الحكم بمفرده في حالة فوز حزبه في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها. وبرأي زعيم الحزب العمالي الاشتراكي الذي تمنحه نتائج آخر استطلاعات للرأي الفوز في هذه الانتخابات فإن اقتراع 10 نونبر "سيكون حاسما ومصيريا لأن الناخبين الإسبان سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم من أجل وضع حد للجمود والانسداد السياسي الحالي، وليس للتصويت لصالح برنامج قد يتوافق مع خياراتهم، وهو ما قاموا به خلال انتخابات 28 أبريل الماضي". وبهذا التصريح الذي خرج به المرشح الاشتراكي في حوار مع صحيفة "إلبايس"، ونشرته أول أمس، يكون بيدرو سانشيز الذي يدرك استحالة حصول أي حزب من الأحزاب المتنافسة في هذا الاقتراع على الأغلبية المطلقة (176 مقعدا) قد دخل مرحلة تهييء شروط إعادة انتخابه على رأس الحكومة المقبلة من خلال دعوة مبطنة إلى الأحزاب السياسية الأخرى، خاصة غريمه التقليدي الحزب الشعبي وكذا حزب "سيودادانوس" من أجل الامتناع عن التصويت لتسهيل عملية تشكيل الحكومة المقبلة، وبالتالي تجاوز حالة الانسداد السياسي. وسبق لسانشيز أن أعلن رغبته هذه في مقابلة مع الإذاعة الوطنية الإسبانية، حين أكد أنه "لا يرى أي مشكلة في دعوة الحزب الشعبي (يمين) وحزب "سيودادانوس"، الذي يمثل وسط اليمين، إلى الامتناع عن التصويت إذا لزم الأمر من أجل تسهيل عملية تشكيل الحكومة المقبلة". أما عن تحالفاته ما بعد إعلان نتائج اقتراع 10 نونبر فقد جدد سانشيز التأكيد على صعوبة "تشكيل حكومة مستقرة" مع حزب "بوديموس" الذي يمثل أقصى اليسار، خاصة أن جميع استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت التي تم إجراؤها "لم تمنح أغلبية مطلقة لكلا الحزبين اللذين يمثلان تيار اليسار"، مذكرا في الصدد ذاته بتباين المواقف بين الطرفين في ما يتعلق بقضية كتالونيا. وقال المتحدث نفسه: "نحن بحاجة إلى تشكيل حكومة متماسكة ما يجعل التحالف مع حزب سياسي مثل "بوديموس" جد صعب، خاصة في ظل وجود اختلافات كثيرة حول الموقف من قضية كتالونيا"، مضيفا أن الحزب العمالي الاشتراكي يسعى إلى "تشكيل حكومة تقدمية تقدم أجوبة يسارية لمختلف التحديات المطروحة، والتي تضع قضايا العدالة الاجتماعية والتعايش والتجديد الديمقراطي في صلب اهتماماتها". غير أن حزب "بوديموس"، الذي يمثل أقصى اليسار والذي راهن منذ انتخابات أبريل الماضي على الدخول في ائتلاف مع الحزب العمالي الاشتراكي لتشكيل حكومة جديدة لم يكتب لها النجاح بعد فشل المفاوضات، يرفض هذا الاقتراح بشكل قاطع. فقد أصر بابلو إغليسياس، زعيم الحزب، خلال المناظرة التلفزية التي جمعت قادة الأحزاب السياسية يوم الإثنين الماضي، على ضرورة تشكيل "حكومة ائتلافية" بين الأحزاب التي تمثل تيار اليسار في إسبانيا، مؤكدا أن "القطبية الحزبية في إسبانيا انتهت"، وبالتالي لا يوجد حاليا في الساحة السياسية الإسبانية "حزب له القدرة لوحده على أن يكون فارسا ويحكم بمفرده" . ويرى بابلو إغليسياس أن الحزب العمالي الاشتراكي منقسم إلى كتلتين؛ الأولى تفضل طريق حكومة يسارية والأخرى تريد الحكم مع اليمين، متهما بيدرو سانشيز باستخدام قضية كتالونيا ك"عذر" من أجل رفض إمكانية تشكيل ائتلاف مع حزب "بوديموس" مقابل الاقتراب أكثر فأكثر من تيارات اليمين. كما لم يتأخر رد بابلو كاسادو، زعيم الحزب الشعبي (يمين) على بيدرو سانشيز، حيث أكد في مقابلة نشرتها الجمعة صحيفة "لاراثون" أن حزبه "لن يسهل بأي حال من الأحوال تشكيل حكومة برئاسة الاشتراكي بيدرو سانشيز"، لأنها ستشكل برأيه "تهديدا للاقتصاد والوحدة الوطنية"، مشددا على أن الحزب الشعبي هو من سيفوز في هذه الانتخابات. وأفصح زعيم الحزب المحافظ عن رغبته في الحصول على أكبر عدد من المقاعد في مجلس النواب (الغرفة السفلى للبرلمان)، أكثر من الحزب العمالي الاشتراكي، حتى يتمكن من تشكيل حكومة تكون لها القدرة على ضمان الاستقرار السياسي والدفاع عن النظام الدستوري وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية من أجل دعم وتعزيز خلق فرص الشغل. وفي المقابل أكد ألبرت ريفيزا، زعيم حزب "سيودادانوس"، أنه على استعداد لتشكيل ائتلاف مع الحزب الشعبي، "وفي حالة عدم حصول الحزبين اليمينيين على الأغلبية المطلقة (176 مقعدا) يمكن لحزبه أن يمتنع عن التصويت لتسهيل تشكيل حكومة يسارية مقابل اعتماد عشرة إصلاحات ينوي اقتراحها لدعم وتعزيز وحدة إسبانيا والنظام الدستوري". لكن ريفيرا وضع شرطا لدعم تشكيل حكومة اشتراكية بعد الانتخابات، وهو أن يضع الحزب العمالي الاشتراكي حدا لكل الاتفاقيات التي أبرمها مع الأحزاب القومية الصغيرة في كل من جهتي كتالونيا ونافاري، وأن ينضم في إطار شراكة مع حزب "سيودادانوس" لتدبير الشأن العام في هذه الجهات. وبرأي المراقبين فإن هذه المواقف التي عبر عنها قادة الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد، والتي تكشف ولو بشكل غير واضح عن ملامح لإقامة تحالفات أو ائتلاف قد يفضي إلى تشكيل حكومة جديدة ما بعد انتخابات اليوم الأحد، تبدو في الواقع غير كافية لطمأنة المواطن الإسباني الذي يشعر بنوع من "الإعياء والإرهاق الديمقراطي"، بسبب عودته في كل مرة إلى صناديق الاقتراع في انتخابات تشريعية مبكرة ستكون استحقاقات 10 نونبر هي الرابعة خلال أربع سنوات. كما أن الحواجز التي تفصل بين التيارين المتحكمين في المشهد السياسي الإسباني؛ وهما تيار "اليسار" بقيادة الحزب العمالي الاشتراكي وبوديموس وبعض الأحزاب الأخرى، ومنها الأحزاب القومية الصغيرة، خاصة بجهة كتالونيا، وتيار "اليمين" الذي يضم الحزب الشعبي و"سيودادانوس" وحزب "فوكس" اليميني المتطرف، لازالت حاضرة بقوة، مشكلة قطبية يصعب اختراقها بتحالفات من خارج الدائرة الضيقة لهذين التيارين . وبالتالي فإن انتخابات اليوم ستكون فعلا مصيرية وحاسمة لإسبانيا التي تنتظرها رهانات سياسية واقتصادية تحتاج إلى حكومة قوية ومستقرة لرفعها، وتتمثل بالخصوص في تأثيرات الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين، وكذا تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وغيرها من التحديات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى. وكانت نتائج آخر استطلاعات الرأي التي أجريت على بعد أقل من أسبوع من إجراء الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها قد أطهرت أن الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني (يسار) سيحافظ على المركز الأول من حيث نوايا التصويت، حيث سيحصل على ما بين 3، 27 و9، 27 في المائة من الأصوات، وبالتالي سيفوز بما بين 114 و126 مقعدا في مجلس النواب (الغرفة السفلى للبرلمان) . وكشفت نتائج هذه الاستطلاعات أن الحزب الشعبي (يمين)، الغريم التقليدي للحزب العمالي الاشتراكي سيأتي في المركز الثاني بحصوله على ما بين 20,3 و22,7 في المائة من نوايا التصويت (ما بين 89 و107 مقاعد) مقابل 66 مقعدا التي حصل عليها في انتخابات 28 أبريل الماضي . أما حزب "فوكس" اليميني المتطرف فسيحتل المركز الثالث بنسبة تتراوح ما بين 12,2 و14,9 في المائة من نوايا التصويت (ما بين 37 و49 مقعدا)؛ بينما سيأتي حزب "بوديموس" الذي يمثل أقصى اليسار في المركز الرابع بنسبة تتراوح ما بين 11,2 و12 في المائة من نوايا التصويت (28 32 مقعدا)؛ في حين سيحتل حزب "سيودادانوس" المركز الخامس بما بين 8 و8,9 من نوايا التصويت ( 15 19 مقعدا) . وسيتوجه الإسبان اليوم الأحد إلى صناديق الاقتراع، وذلك للمرة الرابعة منذ عام 2015 من أجل اختيار ممثليهم في البرلمان بغرفتيه (350 نائبا بمجلس النواب و266 نائبا بمجلس الشيوخ) . *و.م.ع