لماذا الصمت عن العنف في الجامعة المغربية؟ وهل أصبحت هذه الأخيرة مرتعا خصبا لتنامي ظاهرة العنف؟ و لما أصبح الطالب المغربي يبدو متعطشا لإراقة الدماء، بعدما استعاض القلم بالسيف ليشهره علنا في وجه كل من يعارضه؟ هي أسئلة ألفنا سماعها بين الحين والآخر، كلما اهتز المجتمع المغربي، على وقع أعمال توصف بأنها "إجرامية" و"ترهيبية" خاصة تلك التي ترتكبها بعض الفصائل الطلابية في عدد من الجامعات والتي تقوم بإجراء المحاكمات الجماهيرية لأولئك الذين خرجوا عن رحمة الفيصل أو فقط للانتقام من طالبة أو طالب. من الظاهر أن هذه التساؤلات المثارة، تحتاج للكثير من التدخلات التي بوسعها أن تقدم تفسيرا منطقيا للظاهرة قيد الدراسة، خصوصا أن معظم القراءات التي تصب في هذا الموضوع، تكشف أن الجامعة المغربية عرفت تغييرا جذريا يسير نحو أشياء لا تحمد عقباها. كان الحرم الجامعي في السابق مجالا خصبا للاختلاف الفكري بدل الخلاف، والتحصيل العلمي في الآن ذاته، بالشكل الذي لا يؤدي إلى إراقة الدماء لتسوية الخلاف، أما اليوم فالأمر مختلف، كون الجامعة المغربية أصبحت تعرف مجموعة من التراجعات، سواء على مستوى التحصيل العلمي أو على مستوى حسن تدبير الاختلاف وقبول الآخر.
كوتايا: صعوبة تدبير الاختلاف يولد العنف
ولما كانت الفصائل الطلابية المتعددة التي تنشط على مستوى الجامعة المغربية هي السبب المباشر وراء انتشار ظاهرة العنف كان من المفترض مساءلة القانون حول مدى شرعية هذه الفصائل. في هذا الإطار، أكد محمد كوتايا، المحامي بهيأة الرباط ، ل"الدار" أن البروز القانوني للتنظيمات المنبثقة عن المجتمع لا سبيل لاكتسابها الشرعية القانونية إلا بسلوك إحدى المسطرتين القانونيتين المنصوص عليهما في ظهير تأسيس الجمعيات الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958 والمعدل بمقتضى ظهير 23 يوليوز 2002 والثانية: هي المسطرة المنصوص عليها في القانون 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية الصادر في 24 أكتوبر 2011.، مضيفا أن القانون المغربي في عمقه وروحه ليس له أي اعتراض على الوجود القانوني للتنظيمات الطلابية سواء المنحدرة من التشكيلات الحزبية أو الجمعوية، لكن الإشكال مرتبط بوجود صعوبة في تدبير الاختلاف بين هذه الفصائل فيما بينها، مما يفرز جنوحا لدى البعض لتبني خطابات وممارسات عنف متأثرة بواقع الخلاف التي تصل إلى حد الاصطدام بين تيارات بعينها، في مواقع جامعية محصورة مثل فاس ومراكش وأكادير. كما وضح ذات المتدخل أنه لا توجد مقتضيات قانونية خاصة تتعلق بالحرم الجامعي من قبيل المقتضيات المتعلقة بشغب الملاعب، ذلك أن كل أنواع العنف الصادرة بين الطلبة تطالها مقتضيات الفصول من 392 – 424 من القانون الجنائي.
حامي الدين: الحوار ضرورة…
عبدالعالي حامي الدين رئيس منتدى "كرامة" لحقوق الإنسان قال ل"الدار" إن هناك عدة أسباب تتفاعل فيما بينها لإنتاج ظاهرة العنف بالجامعة، منها ما هو مرتبط بضعف التأطير وقبول الرأي الآخر، ومنها ما هو مرتبط بحالة التسيب التي تعرفها بعض الجامعات الكلاسيكية، بالإضافة إلى سيادة نوع من الإحباط لدى بعض الفئات المنحدرة من أوساط اجتماعية فقيرة، والمتوجسة من المستقبل المجهول نتيجة انسداد آفاق الاندماج الاجتماعي في نظرهم مما يجعلهم عرضة للسقوط في أحضان الفكر المتطرف، مؤكدا أن تأطير هذه الفئات هي مسؤولية الأحزاب السياسية أولا، وجمعيات المجتمع المدني بما فيها الجمعيات الحقوقية، ثانيا، والتي بقدر ما تدافع عن ضرورة حضور سلطة الدولة والقانون داخل الجامعة، بقدر ما تدافع في نفس الوقت على ضرورة فسح المجال للفصائل والمنظمات الطلابية لتنظيم أنشطتها الثقافية والنقابية بكل حرية في ظل القوانين الجاري بها العمل.
الرياضي: الجامعة أصبحت تنتج الأمية والتعصب والتطرف والتزمت والتخلف
الناشطة الحقوقية خديجة الرياضي ترى في تصريح ل"الدار" أن كون الجامعة جزء من المجتمع، فالعنف استشرى في كل الفضاءات بسبب أزمة القيم التي يعرفها مجتمعنا، والتي نتجت عن انهيار المنظومة التعليمية باعتراف الجميع، بمن فيهم الماسكين بالحكم والذين يتحملون مسؤولية هذا الانهيار المدوي للمدرسة العمومية، التي كانت في الماضي تكون أطرا متعلمة ومثقفة ومتشربة للقيم المتنورة التي تعطي القيمة للإنسان وتحترم الاختلاف وتتعايش مع الفكر المغاير وتحتكم للعقل وتؤمن بالمساواة بين الناس، حيث أصبحت تنتج الأمية والتعصب والتطرف والتزمت والتخلف، خصوصا وأن معظم هذه الجامعات لا تتوفر على مكتبات خاصة.
العدوني: هناك تيار معروف بحمله للسلاح وبارتكاب الاعتداءات
رشيد العدوني، رئيس منظمة التجديد الطلابي يقول في تصريح ل"الدار"، إن هناك تيار معروف لدى الطلبة ولدى الإدارة الجامعية بحمله للسلاح وبارتكاب الاعتداءات. كما أشار في تصريحه أنه من المعروف أيضا على هذا التيار تنظيمه لمحاكمات تنتهي بإصدار أحكام تتراوح ما بين الطرد من الجامعة أو من السكن بالحي الجامعي بالإضافة إلى الضرب والتعذيب. وأكد العدوني بخصوص ظاهرة العنف هذه "أن الجامعة المغربية والحركة الطلابية تعرف تعددية فكرية وسياسية حقيقية وليس هناك صراع طلابي، ولا عنف فصائلي، بل هناك عصابة تعتدي على جميع الفصائل وقد اختطفت وعنفت عددا من الطلبة اليساريين بدعوى التحريف"، كما حدد المسؤول الطلابي نفسه، مجموعة من الحلول التي يجب تفعيلها لتخطي هذه الأزمة، مؤكدا أن أولها بيد الدولة التي يتوجب عليها أن تتحمل المسؤولية لمحاربة الجريمة والعصابة المسلحة وفقا للقانون الجاري به العمل، داعيا مكونات الحركة الطلابية إلى التوقيع على ميثاق شرف ضد العنف مع حث الطلبة على التضامن الجماعي ضد العنف والتطرف والعدمية والدفاع عن جامعة العلم والسلم والمعرفة.