يحاول الكثير من الأشخاص الدخول في عالم كتابة الرواية، القليل منهم ينجح في ذلك، وتبقى الفئة الأكبر متعثرة أمام مطبات كثيرة، في الطريق لإتمام العمل. ويظل حلم إنجاز الرواية معلقا مدى الحياة عند العديد من الأشخاص، على الرغم من اكتمال القصة في خيالهم، إلا أن اللغة تكون سدا منيعا ضد عبورهم للضفة الأخرى، بصياغة الأفكار من خلالها، والسؤال هنا: لماذا ينجح القليل في ذلك، ويفشل المعظم؟ عادة الكتابة إن عادة الكتابة هي المسار الصحيح للوصول لأعماق مختلفة في عالم الأدب، واتباع أداة الكتابة اليومية تحولك إلى كاتب، لكن لكي تكون روائيا، الأمر أعمق بكثير، فيجب أن تتقن صناعة الشخصيات، وإثارة المغامرات بينها، وإنشاء الحبكة. يرى ستيفن كينغ، أن اكتساب القدرة على الكتابة يتطلب جهدا معرفيا كبيرا، مع أدوات الكتابة ويتحدث عن ذلك: "إذا كنت تريد أن تكون كاتبًا، يجب أن تفعل شيئين قبل كل شيء: اقرأ الكثير واكتب الكثير". ولا يمكن إهمال أن كتابة منشور يومي على منصات التواصل الاجتماعي، يعتبر وسيلة جادة للوصول للمرْكِب الأخير، الذي يحملك نحو الرواية. هذا يعتمد على قدرتك على صياغة يومك المعرفي بلغة سهلة، تكتسب عمقها من تأملاتك. سر الكتابة في الحقيقة ليس هنالك قالب محدد يمكن بواسطته الإمساك بسر كتابة الرواية، لكن لا يجب تجاهل أن العديد من الأعمدة هي أساس في أي رواية، ولا تتم دونها كتلة الرواية. ويؤكد كينج في مذكراته، على أن تحول الكتابة إلى عادة يومية هو بمثابة ربط بين الإنسان وعالم الخيال، وأن الجسر بينهما، لن يتم ترميمه في حال بقيت فكرة الكتابة مجرد ترف متقطع. الثقة وأمر آخر يحول دون نجاح مهمة العمل الروائي، هو غياب الثقة لدى الأغلب، فلابد أن يكون للكاتب الإيمان بأن ما يكتبه يمكن أن يضيف للعالم شيئا، وإلا سيبقى الأمر محجورا في الغرف الضيقة، لا يرى النور إلى الأبد. ومن الضروري أيضا، وصول الكاتب إلى التوقيت والمكان، والطقوس المناسبة له للكتابة، إنه وقت الإحساس بالقدرة على اختراق الخيال، من خلاله تتم صياغة العالم الموازي الذي يطمح إليه. فمن الروائيين من يفضل الكتابة صباحا، ومنهم من يفضل الليل، ومنهم من يكتب في ساحة منزله، والبعض يكتب من غرفته، غير أنه، بعض من الكتاب لا يبدع إلا إذا كان بملابس رسمية، على عكسهم هناك من يفضل ملابس البيت. بعد كل ذلك، وحسب إجماع نقاد الرواية، يجب أن يفكر الكاتب في أربعة محاور، لا يمكن محو أي منها، ليكون العمل رواية. نتحدث عنها كالتالي: 1.الشخصية فهي الحجر الأساس الذي يعمد الكاتب إلى صياغته والتحكم فيه، لصناعة الإثارة داخل الرواية. حيث تعتمد تسلسلات الأحداث وعناصر التشويق، والتعتيم والإخفاء، وكذلك الكشف عن بعض التفاصيل، كل هذا يعتمد الشخصيات. ويجب عليك صياغة شخصية غريبة بعض الشيء بما أنها خرجت من مكان خيالي، فلابد من خلط ترابها ببعض الجنون. صفات شخصية الرواية هامة جدا في تحديد مسارها، وتوغلها بين القراء. فلم تمت شخصيات مثل "زوربا" ، لكازانتازكيس، و"دون كيخاتو" التي صنعها ثيربانتس، وشخصية "بري" لحسين البرغوثي في الضوء الأزرق. هذا لأن هؤلاء الروائيين وغيرهم، أحسوا بآلام شخصياتهم، وحملوها بفكرٍ لا بفكرة. الشخصية التي قال عنها روس رييس:"هي شريان الحياة للخيال". 2.الحبكة مع اكتساب المهارة يستطيع الكاتب التمييز بين سرد دون خطة، وسرد يمر عبر شبكة أحداث متسلسلة، بهدف إنتاج مشروع رواية. هذا التشابك بين الأحداث، له ذروة، يجب أن تكون في العمل، لتتحقق المتعة والإثارة. وليس من الضروري الإلمام بكافة التفاصيل قبل بدء الكتابة، لكن لابد معرفة هيكل الرواية، ووضع تصور مستقبلي لسير الأحداث، قابل للتعديل مع نمو الشخصيات. 3.المكان أحداث الرواية بحاجة لمسرح تجري عليه، والمفضل هو الانطلاق من مكان تعرفه. فالتفاعل بين الشخصية والمكان، يساعدك في اكتشاف صفات شخصيتك، وتطويرها. كما أن المكان الذي تعرفه، يسهم في إنقاذك من البدء من النقطة صفر، فلا ترهق خيالك بصنع مكان غير موجود، ووجه تركيزك للشخصيات. 4.الأسلوب والصوت الروائي يعتبر الأسلوب خليط تكوين الكاتب الخاص، هو DNA الكاتب، لا يمكن تكراره من كاتب لآخر. فلا يتفق كاتبان في نفس الصيغة والتأليف حول موضوع ما، إنه أمر مستحيل. لذا ابحث عن هذا الصوت داخلك، إنه يأتي بالتدريب، ودوام القراءة والكتابة. ويجب أن تعزز شعورك بأنك تحمل كاميرا، تلاحق بها الأشياء، أنت الذي يتحكم في الظل والضوء، وزوايا التصوير، ووقت نقل المعلومات عن الشخصية، أنت بذلك تصنع شخصية جديدة، وتضيفها للعالم، فابحث عن الشيء المختلف فيها، على طريقتك. إن تجربة كتابة الرواية تعتبر تمرينا قاسيا لكشف الذات الإنسانية، وتحتاج إلى قدرات غير بسيطة، فهي رحلة بحث تحت باطن الأشياء، وتعمق في مراكزها. يجب عليك ككاتب أن تثير الحياة داخل الناس، بتناقضاتها واختلافاتها. إن الأشياء بدمجها في الرواية تبدو متعددة الصفات، مركبة في وجودها. كما يقول ميلان كونديرا:"كل رواية تقول إن الأشياء أكثر تعقيدا مما تظن". هذه المحاور الأربعة تنمو بالتوازي داخل الرواية، وعليك مراعاة التنسيق بينها، كأنك تصفف لبنة الطوب فوق الأخرى. ومن الضروري للرواية أن تبث سؤال التحريض، فمثلا عملية قتل، بداية العمل، تحرض القارئ للسؤال: ماذا سيحدث؟ والروائي الجيد يمتلك حسّا لملاحقة هذا الفضول عند القارئ، والاستمرار في إشعاله. ويقول الإنجليزي جون يورك عن حادثة التحريض:" أن تسأل ماذا سيحدث في البداية؟، فإن الذروة تجيبك: هذا". ويكمل يورك :"تأمل ما حادثة روايتك التحريضية، وما الرحلة التي يمر بها بطل الرواية، وكيف تحدث الأزمة وكيف يختلف الصراع عن الذروة، وكيف أن القصة لحلها؟، سوف تقطع شوطا طويلا في تلبية مطالب قرائك"