الفصل الثالث إحلال السلم مع "الكارتيلات" (9) –اسمع هذا. لن يصدق أحد ما قلته يا نيكولاس. يبدو أن الطيور هي من أطلقت النار على البندقيات؛ والآن يظهر لي أن والدك هو من كان يعيل والدي… لا تخبط. نهض ميغيل رودريغيث و"بيتشو" هيريرا و"تشيبي" سانتاكروث عن كراسيهم وهم يبتسمون وتوجهوا إلى داخل القاعة دون تحية وداع. وأشرت إلى والدتي وعلامات الحيرة بادية على محياي لكي تتطرق إلى سبب الاجتماع الرئيسي، فقد كانت حياتي على المحك. فهمت مباشرة ما قلت لها وترجلت عن الكرسي ثم مشت خلف زعماء المافيا طالبة منهم خمس دقائق للحديث إليهم. وهو ما تم بالفعل حيث أومأت إلي والدتي بيدها اليمنى لأقترب قليلا. وجدتهم جالسين في القاعة الأخرى مشبكين أياديهم، فعلمت حينها أن الوقت حان لكي أفعل كل ما أستطيع فعله. –أيها السادة، لقد أتيت إلى هنا لأني أرغب في أن أخبركم أنه لا نية لي في الثأر لموت والدي؛ ما أريد فعله وأريد منكم أن تعرفوه هو أني أفكر في مغادرة البلاد والدراسة وإيجاد فرص مختلفة عما يوجد هنا؛ لا نية لي في البقاء في كولومبيا حتى لا أزعج أحدا، فأنا أحس نفسي عاجزا عن تحقيق ذلك ما دام أننا استنفذنا كل الخيارات للتوصل إلى حلل. كما أني أفهم جيدا أن بقائي على قيد الحياة رهين بمغادرتي. –بابلو، ما عليك استيعابه هو عدم تتورط في الاتجار في المخدرات أو مع الجماعات المسلحة أو فعل أشياء غريبة؛ أنا أتفهم ما تشعر به، لكن عليك أن تعرف، وكلنا يعرف ذلك، أن ثورا مثل والد لن يولد مجددا –تدخل سانتاكروث. –لا تقلق سيدي، فأنا استفدت درسا من الحياة ولهذا أرى أن الاتجار في المخدرات هو لعنة. –دقيقة واحدة يا شاب –أجاب ميغيل رودريغيث وهو يرفع صوته–؛ كيف أمكنك أن تقول إن الاتجار في المخدرات هو لعنة؟ أنظر إلي، حياتي جميلة، وأسرتي في حال جيدة، وأنا أمتلك منزلا كبيرا وملعبا للتنس، وأخرج كل يوم للتجول… –أرجو أن تفهمني سيد ميغيل. الحياة أظهرت شيئا مختلفا كليا. لقد فقدت بسبب الاتجار في المخدرات والدي وأقاربي وأصدقائي وحريتي وسكينتي وكل ممتلكاتنا. أعتذر إن كنت أسأت إليك بشكل وبآخر، لكني لا أستطيع أن أراه بطريقة أخرى. ولهذا أريد أن أهتبل هذه الفرصة لأقول لكم إنني لن أتسبب في أي عنف من أي نوع؛ كيف لا وقد تعلمت أن الانتقام لن يرجع لي والدي، كما أؤكد طلبي لكم بمساعدتيي للخروج من هذا البلد لأني أجد نفسي مكبلا لكي أبحث عن حل آخر ربما يفهم منه أني لا أريد المغادرة؛ فحتى الطائرات تمتنع عن بيعي تذاكر السفر. وانسجاما مع نفس النبرة التي كنت أتحدث بها وبشيء من الارتخاء تحمست واقترحت عليهم الاقتراح التالي: –لماذا لا تفكرون في حملي داخل إحدى طائراتكم عوض حمل مائة كيلوغرام من الكوكايين، فلي نفس الوزن، وإخراجي من البلد؟ يبدو أن النقاش المتوتر وشفافية أقوالي كان لها أثر حيث تغيرت بين لحظة وأخرى النبرة الصارمة والجارحة لميغيل رودريغيث وعاد مرة أخرى للعب دور القاضي. –سيدتي، قررنا أن نمنح ابنك فرصة أخرى. نحن نعلم أنه طفل وسيبقى كذلك، وأما أنت فمن الآن فصاعدا مسؤولة عن حياته تبعا لتصرفاته. عليك أن تقطعي عهدا بأنه لن يحيد عن الطريق. سنترك لكم المباني لكي تحتموا بها وسنعينكم على استعادتها، وهو ما يتطلب تقديم مساعدة لحملات الانتخابات الرئاسية. وأيا كان الفائز سنطلب منه أن يساعدكم، وسنقول له أنكم تعاونتم معه في قضاياهم. وتحدث إثر ذلك "باتشو" هيريرا بعدما ظل ملتزما الصمت. –لا تقلق، على رسلك، لن يمسك شيء ما دمت بعيدا عن الاتجار في المخدرات. لا تهلع أبدا. كنا نريد منك القدوم إلى هنا لنرى إن كانت نواياك صادقة. أما الشيء الوحيد الذي لن نتهاون بشأنه فهو أن يبقى معك الكثير من المال، حتى لا نفقد معك عقولنا وأنت هناك خارج نطاق سيطرتنا. –لا تقلق كثيرا –تدخل ميغيل رودريغيث مرة أخرى–. بإمكانكم في حال رغبتم في ذلك البقاء والعيش هنا في "كالي"، لن يمسكم أحد بسوء. هلموا الآن للتعرف على أعمال زوجتي في بيع الملابس. وانتظروا لنعرف من الرئيس الجديد حتى نساعدكم –ختم زعيم التنظيم جملته وأنهى اللقاء الذي دام عشرين دقيقة. لم أتوقف كثيرا في تلك اللحظة عند جملة ميغيل رودريغيث بخصوص "الرئيس الجديد القادم"، وهو ما سنسمعه به بعد عدة أسابيع. وكان الوداع لطيفا اتصل خلاله زعيم التنظيم بالسائق الذي سبق وأقلنا من الفندق صباح ذلك اليوم وأمره بنقلنا إلى محل مارتا لوثيا إيتشيفري، زوجته. خرجنا ولم يسبق لي أن أحسست بتلك الدرجة من الأسى لأني كنت مجبرا على تجرع حقيقة مزدوجة لا يمكن إنكارها: التأكد من خيانة أقاربي من جهة والدي لنا وترخيص زعماء "كالي" لي بالعيش من جهة أخرى. صحيح أنني طالما انتظرت الأسوء منهم، لكن علي الآن الاعتراف وبنوع من التقدير موقف سيد ميغيل وكل عناصر "لوس بيبيس" ممن احترموا سلامتي الجسدية وسلامة والدتي وأختي. ولم يتأخر سائق ميغيل رودريغيث في الوصول إلى المنطقة التجارية المرموقة في "كالي"، حيث أشار إلى مخزن ملابس دلفت إليه والدتي بينما انتظرتها أنا في الخارج، وتجولت قليلا في الجوار قبل أن أتوقف أمام مخزن ملابس رجالية يعرض منشفة أسكتلندية الصنع فاقتنيتها. انتابني شعور غريب أحسست معه أني كائن حي. فقد ذهبت لأقابل الموت وفي لحظة أصبحنا في نتجول في منطقة تنظيم "كالي" القوي دون أن نصاب بأي خدوش. مرت ساعتان وضعنا بعدها السائق إلى الفندق وسافرنا في نفس الليلة إلى بوغوتا. أحسسنا لأول مرة ومنذ زمن بعيد بهدوء كبير سببه إزاحة حمل ثقيل عن كاهلنا بعد تسليم جزء كبير من الممتلكات إلى زعماء "كارتيل كالي" و"لوس بيبيس". ومع ذلك كان ما يزال هناك زعماء آخرون أكثر سطوة ينتظرون مالهم. وبينما كنت أزيل بنطلوني سألتني صديقتي إن كنت قرأت رسالة وضعتها في جيبي بمناسبة رحلة الموت تلك، عبرت لي فيها عن حبها وبأن كل شيء سيكون على ما يرام.