التنسيقية الصحراوية للوديان الثلاث وادنون الساقية الحمراء واد الذهب للدفاع عن الارض والعرض تستنكر… ارض الصحراويين خط أحمر    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الإولي والرياضة تحتضن الدورة الثانية للمهرجان الجهوي الإبداعي    فوزي لقجع يهنئ نهضة بركان بعد تأهله إلى نهائي كأس الكونفدرالية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منتدى يجمع مستثمري الخليج والمغرب    حكومة كندا تستبعد "التهديد الإرهابي"    ابن كيران يشكل الأمانة العامة للبيجيدي من نفس الوجوه التي رافقته خلال سنوات صعوده وانحداره    ابن مدينة شفشاون نوفل البعمري رئيسًا جديدًا للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان    عزيز أخنوش يختتم فعاليات المعرض الدولي للفلاحة بزيارة ميدانية    درجات الحرارة تسجل ارتفاعا ملحوظا غدا الإثنين    الطالبي العلمي: "الأحرار" الحزب واعٍ بالضغوط السياسية والهجمات التي تستهدفه ويقود الحكومة بثقة    الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب يختتم فعالياته على وقع النجاح    الحسيمة تحتفي باليوم العالمي للهيموفيليا لسنة 2025 بتنظيم يوم دراسي وتحسيسي الحسيمة - فكري ولد علي    مشروع أنبوب الغاز المغربي-النيجيري يستقطب اهتمام الولايات المتحدة    الجديدة: الدورة 17 لملتقى شاعر دكالة بصيغة المؤنث    اجتماع تنسيقي لتفعيل مخطط عمل استباقي للحد من حرائق الغابات بجهة الشمال    والد لامين يامال: كنت مدريديًا… لكن برشلونة وفر لي لقمة العيش    الأوغندي أبيل شيلانغات والمغربية رحمة الطاهري يتوجان بلقب ماراطون الرباط    الحسين رحيمي يثير اهتمام أندية عربية مع اقتراب نهاية عقده مع الرجاء    شبح الإصابة يلاحق أبو خلال مجددا    الرئيس الفرنسي يشيد بإعطاء جلالة الملك انطلاقة أشغال إنجاز الخط السككي فائق السرعة القنيطرة- مراكش    المغرب يصدّر 1.7 مليون كتكوت .. ويحقق طفرة في إنتاج لحوم الدواجن    الملك يهنئ رئيس الطوغو بعيد بلاده    حقيقة هجوم على حافلة بالمحمدية    25 قتيلا جراء انفجار بميناء إيراني    غزة: إضافة 697 شهيدا بعد التحقق    غاييل فاي يفوز بجائزة "غونكور اختيار المغرب" عن رواية "جاكاراندا"    صدور "إفريقيا المدهشة" للوزاني.. 23 حوارا مع أبرز الأصوات الأدبية الإفريقية    طنجة تحتضن اجتماع المجلس الإقليمي للاتحاد الاشتراكي استعدادًا للمؤتمر المقبل    منصة رقمية تواكب منتجي الحبوب    وفد اقتصادي مغربي من جهة سوس يزور الأندلس غدا الاثنين لتعزيز الشراكة المغربية الإسبانية    بعد ارتفاع حالات الإصابة به .. السل القادم عبر «حليب لعبار» وباقي المشتقات غير المبسترة يقلق الأطباء    البيجيدي يتجه نحو تصويت كاسح على بنكيران وانتخابه على رأس المصباح    استثمارات عقارية متزايدة لشقيقات الملك محمد السادس في فرنسا    جريمة بن أحمد.. الأمن يوقف شخصا جديدا    فرنسا.. مقتل مصل طعنا داخل مسجد    الصين تخطو بثبات نحو الاستقلال التكنولوجي: تصنيع شرائح 3 نانومتر دون الاعتماد على معدات غربية    ماراطون الرباط: المغربية رحمة الطاهيري تتوج باللقب والإثيوبية كالكيدان فينتي ديبيب بنصفه    9 صحفيين يحصدون الجائزة الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    الجزائر.. انهيار أرضي يودي بحياة عدة أشخاص    انفجار مرفأ في إيران يودي بعشرات القتلى    الرباط: تتويج التلاميذ الفائزين بالدورة السادسة لجائزة 'ألوان القدس'    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    نهضة بركان يبحث بكل ثقة وهدوء عن تأكيد تأهله إلى النهائي من قلب الجزائر    هذا موعد والقنوات الناقلة لمباراة نهضة بركان وشباب قسنطينة    مشروع ورش الدار البيضاء البحري يرعب إسبانيا: المغرب يواصل رسم ملامح قوته الصناعية    تصاعد التوتر بين الهند وباكستان بعد قرار قطع المياه    "العدل" تستعدّ لإصدار نصّ تنظيمي بشأن تطبيق قانون العقوبات البديلة    "المرأة البامبارية" تُبرز قهر تندوف    المديني: روايتي الجديدة مجنونة .. فرانسيس بابا المُبادين في غزة    الأمن يصيب جانحا بالرصاص بالسمارة    أدوار جزيئات "المسلات" تبقى مجهولة في جسم الإنسان    البشر يواظبون على مضغ العلكة منذ قرابة 10 آلاف سنة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    









إشارات تفاعلية مع الحوارات المغربية حول الحريات الفردية
نشر في الدار يوم 14 - 12 - 2019

بين ليلة وضحاها، أصبح موضوع "الحريات الفردية" في مقدمة القضايا التي أسالت المداد الرقمي من جهة، والمتابعات في الندوات والمحاضرات من جهة ثانية، وإن طغت المقاربات الإيديولوجية على أغلب هذه التفاعلات، مقارنة مع المقاربات المعرفية، فيما يُشبه تكراراً للنقاشات المجتمعية المغربية سبقت الإعلان الرسمي عن صدور "مدونة الأسرة" الشهيرة، في غضون 2004.
واضح أن هذه السجالات والنقاشات تبقى ظاهرة صحية في نهاية المطاف، وفي هذا السياق، نورد بعض الإشارات حول سياقات فتح هذا الموضوع في الظرفية الراهنة.
أولها، أننا نعيش في زمن سيولة المفاهيم، وهذه السيولة تؤثر على الرؤية والمواقف والخطاب وبالتالي الأداء والفعل، ومفهوم السيولة هنا بتعبير عالم الاجتماعي البولندي الراحل زيغموت باومان، صاحب سلسلة السيولة، من قبيل "الحياة السائلة"، "الحب السائل"، "الأخلاق السائلة"، "الأزمنة السائلة"… إلخ.
ومن ذلك مفهوم الحرية، ولا نقصد أنه يجب الحديث عن الحرية السائلة، وإنما نقصد تلك الضبابية التي نعاينها في التفاعل مع مجموعة من المفاهيم خلال العقد الأخير، حتى لا نتحدث عن العقود الأخيرة، بمقتضى التحديات النظرية والعملية التي تواجه هويات المغرب والمنطقة، سواء تعلق الأمر بالشعوب أو المؤسسات أو الأنظمة أو الدول.
وليس صدفة، ما دمنا نتحدث عن سؤال الحرية، أن نعاين خلال العقد الأخير هذا الحديث المتردد عن الإلحاد، حقوق الأقليات الدينية، حقوق المثليين، الحرية الفردية أو الحرية الجنسية، وغيرها من المفاهيم والقضايا التي كانت قائمة في التداول البحثي من قبل، ولكن كان التناول هامشياً، بينما الأمر مختلف اليوم، وخاصة مع وجود ما يشبه تشابكات بين الذين يتحدثون عنها اليوم مع مؤسسات أو جهات في الخارج، ولا نتحدث هنا انطلاقاً من عقلية المؤامرة، وإنما انطلاقا من وقائع مادية ملموسة وليست نظرية وحسب، ومن هنا أهمية الدواعي التي تقف وراء استعادة هذا الموضوع والنظر فيه في السياق المعاصر.
وثاني هذه الإشارات أن أي حديث عن مفهوم وواقع الحرية، يقتضي من صاحب الحديث التدقيق في طبيعة المرجعية التي ينطلق منها: فهل يتعلق الأمر مثلاً، بمرجعية دينية غيبية مطلقة، أو مرجعية مادية بشرية نسبية؟ وواضح أنه في الحالتين معاً، هناك عدة تفرعات، ولعل هذه الجزئية الدقيقة تنطبق بشكل كبير على نموذج الدولة الوطنية في الحالة المغربية، والذي تجسده تلك الثنائية الشهيرة التي تجمع بين مرجعية الدولة السلطانية ومرجعية الدولة الحديثة، ولا يبدو أن النقاشات المجتمعية المرتبطة بالهوية المغربية، والثقافة واللغة وحقوق الإنسان والمرأة وغيرها، بعيدة عن بعض تطبيقات هذا التداخل بين المرجعيتين، ونعاين المعطى نفسه في التفاعل مع مفهوم الحرية.
فإذا توقفنا عند المرجعية المادية البشرية، فإننا سنتيه من كثرة المرجعيات الإيديولوجيات، بما فيها الإيديولوجيا الإلحادية والعدمية والفوضوية وغيرها، وهنا بالذات، تكمن أهمية الأرضية النظرية والعملية التي تسطرها المرجعية الدينية، في نسختها المغربية بالتحديد، حتى لا نتيه في باقي المرجعيات، لأن فتح هذا الأبواب، يتطلب الخوض في المرجعيات الإسلاموية، من إخوان وسلفية وهابية وقتالية وغيرها.
في الحالة المغربية، ما دمنا نتحدث عن بلد تنهل وثيقته الدستورية من الدين الإسلامي، معلوم أن هناك عدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة، تطرقت لمفهوم الحرية، أو قل سؤال الحرية، ولكن قبل الاستشهاد بآية أو حديث نبوي شريف، علينا الانتباه إلى جزئية دقيقة ومفصلية، وهي أن الحديث عن الاستشهاد بنص ديني منزه عند مسلم ما، ونقصد به هنا في هذه الحالة، آية قرآنية كريمة، أو نص حديثي صحيح، ونتفق بشكل أو بآخر على صحته، [هذه الوقفة] تفترض أن صاحب الإحالة يؤمن بالبعثة النبوية، ذات الأصل الرباني، بما يُفيد أنه يصادق على إشارات هذه الرسالة، مع كامل الحرية في التعامل معها، وواضح أنه لا توجد أمامه، عملياً أكثر من خيارين اثنين: إما العمل بها، أو تركها، ولا يمكن الزعم أنه يقبل بها ولا يعمل بها، أو يرفضها ويعمل بها، لأنه سيسقط في تناقض نظري وعملي آن.
إن كنت مؤمناً بالبعثة النبوية بالنصوص القرآنية الكريمة التي جاءت بها، أي إذا كنت تنتمي إلى هذا المجال الإسلامي الثقافي، فأنت حرّ في تأمل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحدثت عن الحرية أو أحالت عليها، ولكن هناك شرط هام عنوان تبعات أو المسؤولية المصاحبة لهذا الخيار، أياً كان.
نأتي للإشارة الثالثة، وتهم إحدى تفرعات المرجعية الإسلامية، والتي للأسف، تعرضت للتشوه والتحريف خلال العقود الأخيرة، مع ظهور الظاهرة الإسلاموية، لتورط مجتمعات المنطقة في ظاهرة الأسلمة، أي أسلمة المجتمع والنظام والدولة، من منطلق أن تحقيق وتفعيل هذه الأسلمة، هو مشروع جميع الحركات الإسلامية بدون استثناء، سواء كانت دعوية أو سياسية أو قتالية، ومن هنا ظهور مشاريع غريبة عن هوية شعوب المنطقة، من قبيل "أسلمة المعرفة"، "الأدب الإسلامي"، "الفن الإسلامي"، "الأبناك الإسلامية"، "الأحزاب الإسلامية"، "أسلمة حقوق الإنسان"، ومشاريع إيديولوجية شبه طائفية.
الحديث هنا في هذه المرجعية النوعية التي ميزت التدين الإسلامي المغربي، يُحيل على فهم طبقة العلماء والصلحاء المغاربة، خاصة أن المغرب بلد الأولياء أساساً، وعلى حد علمنا، لا يوجد في مجال "المرجعية الإسلامية"، من يتفوق على مرجعية الصلحاء والأولياء، في التعامل مع سؤال الحرية.
الحرية عند العارفين هي أن تتعبّد للخالق باختيارك، وأن لا يستعبدك الخَلق في ظاهرك أو باطنك، كما في إحدى أعمال طه عبد الرحمن مثلاً. [نقول هذا بصرف النظر عن مضامين كتابه الأخير، لأن هذا الكتاب كانت له تبعات سلبية على مشروعه العلمي، كما توقعنا ذلك، وليس هذا موضوع المقالة].
موازاة مع مرجعية طه عبد الرحمن الصوفية، هناك مرجعية عبد الله العروي الليبرالية، حيث لاحظ صاحب "المفاهيم" أن تجربة القرون الماضية في العالم الإسلامي تؤكد لنا أن التقوى تحرير للوجدان وتوسيع لنطاق مبادرات الفرد. إنها كانت طريقاً للشعور بالتحرر، فلا عجب إذا أصبحت رمزاً للحرية.
بقيت أمامنا إشارة رابعة وأخيرة، ذات صلة بضله
معالم الاستفادة من هذه المرجعية الإسلامية النوعية، والتي سطر معالمها صلحاء وعلماء مغاربة ومشارقة منذ قرون، من أجل تحرير رؤى اجتهادية نوعية في التعامل مع مفهوم الحرية، ونرى في هذا السياق، أنه في ظل فوضى المفاهيم، أو سيولة المفاهيم القائمة كما سلف الذكر أعلاه، وفي ظل الحيرة التي نعاينها في الساحة لدى شباب والمراهقين، وفي ظل حالة مجتمعية تقترب من مقام التيه، نزعم أن هذا الميراث العقلاني والروحاني الإسلامي مؤهل للقيام بعملية ترشيد وتسديد مفهومنا للحرية، وهذه مسؤولية مشتركة بين الأقلام الفكرية التي يُرجى منها أن تنخرط في هذا الورش المعرفي الإصلاحي، ولدينا عدة اجتهادات في الساحة، هنا في المغرب وفي المنطقة؛ وهي مسؤولية الأقلام الدينية أو أهل العمل الديني أيضاً، سواء تعلق الأمر بأهل الوعظ والإرشاد في المساجد والمجالس العلمية والمؤسسات الدينية، أو بالفاعلين الذين يشتغلون في مجال التربية والسلوك والذكر، شرط انخراطهم في التعريف بهذا الميراث النافع لنا ولغيرنا على حد سواء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.