كاميليا بوطمو: توثيق الخِطبة يضمن حقوق المتضررين ويتيح اللجوء إلى القضاء    قناة ريال مدريد تنتقد التحكيم بعد ديربي العاصمة أمام أتلتيكو    قانون المسطرة المدنية ورهانات تحقيق النجاعة القضائية محور ندوة وطنية بكلية الناظور    الإعلان عن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نواف سلام    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة 20).. المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه اتحاد تواركة (1-1)    البطولة الوطنية.. أولمبيك آسفي يتعادل مع ضيفه الدفاع الحسني الجديدي (0-0)    إطلاق نار في مواجهة الأمن.. تفكيك شبكة إجرامية وحجز أسلحة ومخدرات    نفاق دبلوماسية النظام الجزائري في تحركاته تجاه دمشق.. للتاريخ ذاكرة لا تنسى أبدا !    مؤسسة مغربية تفوز بجائزة حمدان – الإيسيسكو للتطوع في تطوير المنشآت التربوية في العالم الإسلامي    المغرب يقرر الاستعانة بممرضات مصريات للعمل في مستشفيات المملكة    نقابة تستنكر "تزييف أرقام الإضراب"    موظفو وزارة العدل يتهمون مسؤولين إداريين بممارسة التهديد والتخويف ضد المضربين    عبد الكريم.. قصة شاب توفي بالسرطان بسبب الإهمال في مستشفى مليلية تشعل غضب مسلمي الثغر المحتل    رجاء بني ملال يستعيد صدارة القسم الثاني بانتصار ثمين على أولمبيك الدشيرة    مجموعة أكديطال توضح: لا اتفاقيات لاستقدام ممرضين أجانب وأولوية التوظيف للكفاءات المغربية    الوكالة الوطنية للمياه والغابات توضح: حجز ببغاوات بشفشاون تم وفق القانون وبإشراف النيابة العامة    طنجة تستعد لمونديال 2030: تنظيم جديد لمواقف السيارات مع إلغاء "الصابو" واعتماد تعريفة رمزية    انعقادالجلسة الأولى من دورة فبراير لمجلس جماعة العرائش    طنجة..كتاب جديد يعيد ملف الاختفاء القسري إلى الواجهة بالمغرب بعد عقدين من تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة    مولاي رشيد يترأس حفل تسليم جوائز الحسن الثاني وكأس للا مريم للغولف    أطباق شهية في السينما والمسرح والأدب والموسيقى والإقامة الفنية ومحترفات الرقص والسيرك    الزمالك يتعاقد رسميا مع المغربي صلاح الدين مصدق    العثور على جثة شابة مقيدة في مجرى مائي في ليلستاد الهولندية    أكادير: تدشين وحدات الدراجات الهوائية لتعزيز الأمن السياحي وتأمين الشريط الساحلي    أفراح ترافق تحرر معتقلين فلسطينيين    مظاهرات بألمانيا ضد أحزاب اليمين    المغرب والعراق يؤكدان رفض مخطط تهجير الفلسطينيين وتجديد دعم وحدة المملكة    قناة "إم بي سي 5" تميط اللثام عن خريطة برامج متنوعة خلال رمضان    مزاد علني ينجح في بيع كمان نادر ب11,3 ملايين دولار    العشابي يستبدل "فاصل ونواصل"    السفير الصيني في زيارة إلى تارودانت وأكادير.. لتعزيز التعاون الثقافي والاقتصادي بين الصين والمغرب    أسبوع إيجابي في بورصة البيضاء    "فحوص بوحمرون" تسجل إصابات مؤكدة في 11 مؤسسة تعليمية بطنجة    القوات المسلحة الملكية تشارك في معرض أليوتيس 2025 تعزيزًا للابتكار والاستدامة في قطاع الصيد    مدينة طنجة تسجل أعلى مقاييس التساقطات المطرية    العراق تشيد بجهود الملك محمد السادس في دعم القضية الفلسطينية    فرنسا ترحل المهاجرين المغاربة غير الشرعيين    دي بروين ينقذ مانشستر سيتي من "مفاجأة كبيرة"    هيئة النزاهة تدعو إلى ملاءمة قانون المسطرة الجنائية مع المتطلبات الإجرائية لمكافحة جرائم الفساد    مبادرة تشريعية تروم اعتماد أسماء الأدوية العلمية بدل التجارية لإنهاء أزمة انقطاعها    خبراء يحذرون من مخاطر سوء استخدام الأدوية والمكملات الغذائية    باريس سان جيرمان يمدد عقده مدربه إنريكي إلى غاية 2027    الإنفلونزا الشتوية تودي بحياة 13 ألف شخص وتغلق المدارس بأمريكا    أزيد من 55 ألف منصب شغل مرتقب في جهة سوس باستثمار يبلغ 44 مليار درهم    فاس: لحسن السعدي يزور عددا من المشاريع المنجزة في مجال الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني    انتشال ثاني جثة بسبتة خلال فبراير الجاري والسابعة منذ مطلع سنة 2025    الصين: انطلاق دورة الألعاب الآسيوية الشتوية بهاربين    أحلام ترامب بنقل سكان غزة إلى المغرب    لقاء بالبيضاء يتناول كفاح آيت إيدر    موريتانيا تمنح للسائقين المغاربة تأشيرة دخول متعددة صالحة لثلاثة أشهر    قمة عربية أو عربية إسلامية عاجلة!    انتفاضة الثقافة    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    وزارة الصحة تؤكد تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الخبز الحافي إلى زمن الاخطار
نشر في البوصلة يوم 24 - 08 - 2010

لا يمكن الحديث عن الأدب العربي المعاصر ، وفن الرواية بالذات ، دون أن نشير إلى المكانة الخاصة التي يحتتها الكاتب المغربي "محمد شكري " .
فهو واحد من الكتاب العرب القلائل الذين لاقوا قبولا وترحيبا من القراء الأسبان (أبناء لغته الأصلية) منذ أواخر الستينات .
وقد ترجمت روايته "الخبز الحافي " الى الأسبانية ، وكانت لا تزال ممنوعة في أغلب البلاد العربية ، وقد ذهل جمهور القراء الأسبان من أسلوب شكري المتميز ، المتحرر من أي أقنعة جمالية أو أخلاقية يختبىء وراءها الكاتب في العادة ، إما بسبب الخوف أو الحياء .
فلم يخجل شكري وهو يكشف عما لاقاه من مهانة لانسانيته في مراحل حياته المختلفة ، كطفل وصبي وشاب.
هذه المهانة التي هي نتيجة إهمال حكومات ومؤسسات سياسية واجتماعية كان "محمد شكري " واعيا بضرورة الكشف عن المآسي الانسانية التي تسببها .
إنها الحقيقة مسا كانت مرة .
ومرة كانت روايته الأولى "الخبز الحافي " التي حازت الإعجاب لأن كاتبها لم يحتجب وراء أقنعة أو كذب ، فهو كاتب مبدع بأسلوبه الروائي السلس الذي عبر فيه وحكى عن حياته وحياة أسرته والمواطنين المغاربة (والأسبان ) في شمال المغرب ، وشمال الجزائر ، فقد عاش "شكري " ، والأصح أن نقول . " تشرد" في "تطوان " ، و "طنجة " ، و"سبتة" و "مليلة" و " العرايش " ، و " وجدة " و " وهران " (في الجزائر) .
كتبت روايته "الخبز الحافي " في أواخر الستينات ، أفا زمن الأخطاء الذي يعتبر الجزء الثاني المكمل لهذه السيرة الذاتية الروائية ، فقد صدر في المغرب في أواخر الثمانينات ، ولم يقابل بالرفض من الرقابة ، ربما لانه لم يكتب بنفس "االصلف والفجاجة " ، كما الخبز الحافي ، وربما لأن " شكري " قد صار اسما معروفا في الدوائر الأدبية العربية والعالمية ، وربما لأن الرقابة في المغرب صارت أكثر مرونة لا تبالي بالكتابة عن شريحة المشردين في المجتمع طالما أنه لا يوجد هجوم مباشر عل المؤسسات الرسمية .
"زمن الأخطاء" سيرة ذاتية ، تذكر للماضي يرتكز على "الراوية - الكاتب ا، حين كان في العشرين من عمره وقد قرر أن يتعلم الكتابة والقراءة ، وهذا الشخص - الكاتب - لا يملك من متاع الدنيا سوى إرادة قوية يحاول الإعتماد عليها للخروج من إسار الفقر الذي عاش في ظله طوال حياته السابقة .
يأخذنا "اشكري " بخطى بطيئة الى شبابه ، ثم يعود الى صباه ، ليعود مرة أخرى الى شبابه ، يحكي تفاصيل طويلة مؤلمة عن لمجاته بين الفقر واليؤس ، الوساخة والحشرات ، بين الألم والمرض (أقل الأمراض هنا هو السل ) حتى وباء البرص ، مرورا بالجنون والأمراض التناسلية التي أصابته ، فهو يحدثنا باستمرإر عن علاقاته بالبغايا اللواتي يمارسن "مهنتهن " دون أية رعاية طبية .
فهن يعشن ، مثلهن مثل الرجال الذين تترددون عليهن ، حياة بؤس وقذارة ، ببعن أجسادهن مقابل نقود قليلة لهؤلاء الذين ليس لديهم الكثير .
يحكي "شكري " عن صباه وعن كرهه لأبيه ، هذا الأب الشاذ في عنفه الذي كان يمارسه ضد "شكري " وضد بقية أبنائه وزوجته .يتذكر "شكري " باستمرار عودة أبيه ، ثملا ، الى الكوخ الذي كانت الأسرة تعيش فيه بعد أن يكون قد فقد كل نقوده التي كسبها في القمار ، فقد كان مدمنا لا يعرف كيف يتوقف عن اتلعب ، وحين يكون ثملا فإنه يخسر كل شيء .
يعود الأب ثملا صائحا يوزع الشتائم في كل اتجاه ، فتستيقظ الزوجة صامتة لا تستطيع الرد عليه ، خوفا من الضرب والتعذيب الذي كانت آثاره تظهر على وجهها وجسدها .
وكره الأب لإبنه هنا أشبه باللعنة الاغريقية المستمرة ، فهو يكره ابنه ليس فقط في مرحلة صباه ، بل وحتى بعد أن استقل عنه وأصبح رجلا متعلما يعمل مدرسا في مدرسة حكومية ، فلا يفتأ الاب يلاحقه بالسخرية أمام أصدقائه وزملائه إن التقاه بينهم في حانة أو حتى في الطريق ، مرددا أمامهم أنه ابن عاجز لا يستطيع عمل شيء أو فهم لثيء ، وكأنه لا يريد أن يعترف بهذا الأبن الذي تغلب على البؤس وخرج من سطوته .
وعلى عكس مشاعر الأب ، كانت الأم التي تحس بالفخر بهذا الابن ، بل إنها تحس تجاهه بحب وعطف خاص ، ربما لانه كان الوحيد الذي شاركها آيام البؤس والذي كان يكلمها بلهجتها البدوية ، وليس باللهجة المغربية التي لا تحسن فهمها كما كان باقي أولادها يكلمونها ويعتبرونها جاهلة لا تفهم .
يحكي "شكري " أنه لم يعرف بالضبط عدد إخوته أو عدد الأطفال الذين ولدتهم أمه ، فقد كان منهم من يموت قبل الولادة أو بعدها مباشرة ، وعندما غادر كوخ الأسرة لم يكن يعرف عدد إخوته ، حتى هذه الأم التي توفيت عام 1984 هي نفسها لم تكن تعرف عدد الأطفال الذين وضعتهم .
ويكبر الصبي "شكري " دون أن يعرف القراءة أو الكتابة ، لكنه يسيطر على لغتين : العربية الدارجة والأسبانية التي تعتمها في شوارع وحانات "سبتة" و " طنجة" عندما كان يلتقي بعشرات الأسبان ، الذين هربوا من أسبانيا بعد انتصار جيش "فرانكو" على الجيش الجمهوري .
كانت هناك مظاهر عديدة أسبانية الطابع : أسماء المطاعم وأماكن اللهو ، والمقاهي مثل "كافي سنترال " ، "كافيه دي لابلاتا" ، وهناك كان شكري الشاب يستمع الى الموسيقى الأسبانية وموسيقى أمريكا اللاتينية ، الى موسيقى أسماء كبيرة في هذه الفترة مثل "لوتشو جاتيكا" أو "نات كين كول " ، "انطونيو ماتشين " ، حيث تعلم "شكري " الأسبانية في الشوارع من المتشردين والهاربين من انتقام فرانكو ، لا لسبب إلا لأنهم كانوا يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الجمهوريون .
ويعشق " شكري " مصارعة الثيران ، ومن خلال الملصقات على جدران المقاهي ، يكتشف الأسماء الكبيرة من أبطال هذا الفن ، وهو يحدثنا عن "تشيكويلو" وعن " الأخوة برالتا " وعن "الجايو" وهؤلاء جميعا معروفون عندنا نحن الأسبان - كمصارعين مشهورين هربت صورهم في حقائب الهاربين الى المغرب في هذه " الرحلة ".
إن رحلة الخلاص هذه لتذكرنا برحلة قديمة جرت في القرون اوسطى ، عندما طرد العرب من أسبانيا وذهبوا الى شمال أفريقيا بحثا عن الخلاص وهربا من انتقام ملوك أسبانيا الكاثولوكية ، ولكن في الرحلة الأخيرة ، لم يكن الهاربون عربا أو يهودا ، بل كانوا من الأسبان . فالحاكم الجديد ، "فرانكو" ، فرض نفسه كمخلص لأسبانيا من الشيوعيين والماسونيين والملاحدة ، كما كان يدعي ، وهي الصفات التي كان يطلقها على كل من يخالفه الرأي .
في سيرته نراه يحب الشراب :"الخيريت الأبيض " وهو نوع محبوب في جنوب أسبانيا ، كما نراه يتغزل بالنساء السمراوات ذوات العيون السود ،أما حبه للقراءة فقد وصل به الى حد "إلتهام " الكتب من كل نوع : عربية ، أسبانية ، أوروبية مترجمة : قرأ "رافييل ألبرتي " و "ماتشادو" و "بيثنتة الكسندرا" "جبران " و " شوقي " و "االمنفلوطي " ، وإذ تصادفه صعوبات في فهم بعض النصوص العربية ، فانه يجد العون من خلال صداقته لشاب ضرير يساعده على فهم المعاني وصحة نطق الكلمات .
ويحكي عن أول لقاء مع الكاتب المغربي "محمد صباغ " الذي شخعه على الاستمرار في الكتابة والقراءة . وهكذا جاء اليوم الذي رأى فيه "شكري " واحدة من قصصه القصيرة منشورة في جريدة "العلم " ومن يومها وهو يحاول أن يبدو "محترما" ولا يرتاد الأماكن المشبوهة .
إن "شكري " الذي عاش حياة قاسية ومعذبة لم يفقد حسه الانساني وتعاطفه مع كل هذا الجيش من المشردين واللصوص والضائعات مثل تعاطفه مع هذا النموذج الانساني الذي يقدمه بحبه وعطف شديدين ، وبتمثل في "حبيبة" ابنة التاجر الغني التي فرض أبوها عليها الزواج وهي في السابعة عشرة من عمرها ،
من رجل عجوز لم يلبث أن طلقها بحجة أنها لا تنجب ، ثم يكون زواجها الثاني من شاب في مثل سنها ، تنجب منه أربعة أولاد ، لكن زوجها الثاني أيضا يسيء معاملتها فيتم الطلاق ، الأمر الذي دفعها الى الجنون ، ويدخلها أهلها مستشفى الأمراض العقلية ، ويزورها " شكري " ويلاحظ أنهم لا يقدمون لها علاجا ، وانما مجرد أقراص مهدئة ومنومة ، وكأنه ، في تلك الأيام ، يرى ما سوف يحدث له شخصيا في المستقبل ، إذا دخل مستشفى للأمراض العقلية في " تطوان " ، وبعد أن خرجت حبيبته من المستشفى ، واستقرت في زواجها الثالث ، تموت وهي حامل في شهرها السادس بوباء الطاعون .
يعود " شكري " دائما الى فترة صباه ، ومنها يلتقط لحظة مأساوية لا ينساها هي لحظة موت أخيه الصغير "عبدالقادر" أثر فعل إجرامي عنيف قام به الأب .
كان "عبدالقادر" مريضا ، ولذلك فانه كان يبكي طوال الليل ، ولم يكن الآب الثمل العائد من الحانة يتحمل هذا البكاء ، فانقض على الطفل وكسر رقبته بيديه ، كما يتذكر أيضا آباه في واحدة من نوبات غضبه وعنفه حين فرب زوجته "أم شكري " بقدر فيه عسل يغلي وكانت تعد الحلوى لبيعها في السوق .
هذا الأب كان يقاتل مع " الجنرال فرانكو" ، وعندما عاد الى المغرب كان يجلس مع رفاقه من المرتزقة الذين شاركوا في الحرب الأهلية الأسبانية من نفس الموقع ، وكانوا يتحدثون عن ذكريات " شجاعتهم " و " مجدهم " و " بطولا تهم " في هذه الحرب ، مع أن معظمهم لم يكنوا يمارسون هذه الشجاعة الا ضد الضعفاء أمثال " شكري " وأمه واخوته .
في "زمن الأخطاء " وتحت عنوان "روساريو" يحكي "شكري " عن " فرانكو" وتصرفاته القاسية ، لا فقط مع من يعتبرهم أعداءه ، بل ومن هم في زمرة الأصدقاء ، و "شكري " يقدم الدكتاتور الأسباني عبر وجهتي نظر السيدة
"روساريو" وهي من محافظة "أستورياس" في شمال "أسبانيا" ، و ا"فرهين بريتو" المنحدر من نفس محافظة " فرانكو" والذي يتذكر اللحظات الصعبة بعد الحرب الأهلية عندما حكم على "أسبانيا" بالعزلة من قبل أوروبا ، و "فرمين " هذا يتكلم باحترام عن "بيرون " د كتاتور " الأرجنتين " والصديق الوحيد " لفرانكو" الى جانب " سالازار" دكتاتور البرتغال .
ويحكي "شكري " على لسان افرمين " أيضا عن زيارة "بيرون " الى "أسبانيا" في زيارة رسمية تصحبه زوجته الشهيرة "إيفا" التي سحرت الأسبان ، وحتى "فرانكو" الذي لم يكن يهتم بأي إمرأة ، و "شكري " يقدم لنا هذه الأجواء التاريخية
وهذه الشخصيات التى تعكس عبق التاريخ .
ويتذكر "شكري " أيضا دخول "أسبانيا" حلف شمال الاطلنطي عام 1955 بعد السماح بإقامة قواعد عسكرية أمريكية في انحاء مختلفة من أسبانيا ، كما يتذكر الأخبار الهامة التي كانت تنشر في الصحف والمجلات الأسبانية عن بطولة "فرانكو" في صيد السمك والخنزير البري وصوره التي كانت تنشرها الصحف وتحت أقدامه خنزير برقي ضخم .
هكذا يتذكر "شكري " من خلال شخصية "بريتو" الفاشستي هذه الصورة ، لكنه أيضا يقدم صورة أسبانيا الأخرى: صورة المنفيين الأسبان . ويتكلم عن " بيكا سو" ، واغتيال " لوركا " ، و" ميجل إرناندت " الذي مات في سجنه ، وتذكر قصيدته المشهورة "امرق البصل " وفيها يتحدث عن جوع طفله وينصح امرأته أن تعطي للطفل مرق البصل .
شكري إذن لا يعرف تاريخ "اسبانيا" السياسي فقط ، بل وتاريخها الاجتماعي ، فهو يتكلم من خلال شخصيات أسبانية أخرى عن موت "اخوسوليتو" و "مانوليتي " وهما من أشهر مصارعي الثيران الذين ماتوا داخل حلبة المصارعة .
كل هذه الشخصيات تمتزج يحياة "شكري " كمدرس في مدينة "تطوان " وهو يقيم في فندق "ريال " وصاحبة الفندق أسبانية أخرى إسمها "خوسوفينا "، ومن " تطوا ن " يرجع " شكري " الى " طنجة " المدينة التي عاش فيها وهو صبي وشاب ، وهو يقارن بين صورة "طنجة القديمة و"طنجة" الحديثة . إنه يبكي عل الأطلال ، فقد اختفت كل بيوت البغاء ، كما اختفى كل من عرفهم من قبل ، ويجد إحدى من أحبهن "من المشردات " حتا عذريا وقد عملت راقصة في ناد ليلي .
ويحلل "شكري " مصير أولئك النسوة المشردات حين يفقدن الجمال والشباب ، كما يفقدن الأسنان والشعر ويعملن كخادمات في المراحيض ، بينما الفرصة سانحة أمام من يتمتعن بالجمال والشباب للسفر الى أوروبا ، كما يرقب حياة فريق آخر من بنات الهوى اللواتي يعشن على الطبقة الجديدة ، فهن أكثر تحررا في الملابس والسلوك ، وعلى درجة من اليسر المادي ويترددن على الفنادق و"الكازينوهات " الفخمة التي ظهرت حديثا.
ومن تجربته في المصحة النفسية يكتب شكري عما يدور في هذه المستشفيات من مآس ، ويصف عراك الممرضات فيما بينهن أمام عيون المرضى المندهشة ، وحين يخرج من المستشفى بعد أربعة أشهر ، ويعود للحياة ، يجد الماضي وقد تلاشى شيئا فشيئا ليسمح للحافر ان يحتل مكانه . ونجدنا أمام "شكري " وهو كهل في الخمسين من العمر ، هارب من الحب والعاطفة ، يعتبر الحب أو الشغف سببا لكل المصائب في حياة الانسان ، ولكنه لا يزال يشتاق للجنس اللطيف ، ومن هذا الجنس اللطيف يختار ذلك النوع البعيد عن الأنثوية الصارخة ، وظل حب "شكري " لثلاثة أشياء : الكتب ، والجنس اللطيف ، والشراب . لكنه يجد في الكتاب صديقه الدائم ، وهو يكتب ويكتب كثيرا في اي مكان يتواجد فيه ، في البارات ، أو المطاعم ، أو المقاهي ، مكانه الدائم وينقل على قصاصات من الورق تلك الجمل التي تعجبه من "بودلير" و "رامبو" وعظماء الأدباء الذين أحبهم .
وتحت عنوان "موت الأم " الجزء الأخير من الكتاب يقطع "شكري " الرباط الحميم مع الماضي ، فهو يرجع الى "سبتة" بعد غياب عشر سنوات ، لحضور زفاف اخته حيث تفوض التقاليد على شقيق العروس ان يحملها الى بيت زوجها .
وفي فجر أحد الأيام ، يستيقظ "اشكري " عل دق عنيف على الباب ليجد زوج أخته يزف له خبر وفاة أمه بعد نزيف استمر عدة أسابيع ، ويعرف "اشكري " أن امه كانت تلح في طلب رؤيته لكن الرسالة لم تصل اليه الا بعد موتها .
وها هو الآن في طريقه الى "سبته " يستعيد الماضي : يتذكر أمه وهي تغني له الأغاني البدوية ، وفي نفس الوقت يسمع صوت صهره يحدثه عن المقبرة التي اشتروها في " سبتة" ، ويتذكر أخاه "عبدالقادر" المدفون في مقابر "سبته " تحت تلال الرمال في بقعة صارت مجهولة لا يعرف مكانها بالضبط .
ويحضة "اشكري " طقوس دفن أمه ، ويحكي بمرارة وألم كيف ان الحفارين أخرجوا الجثمان عدة مرات لان الحفرة لم تكن تتسع به . وكأن التراب يرفض استقبال أمه كما رفضتها الحياة . بعد الدفن يعود الجميع للبيت ، ويجلسون أمام مائدة الطعام حيث ياكلون بشراهة ، وبصورة استفزازية يتكلمون عن الميراث ، ويتشاجرون حول بيع بيت العائلة الذي قرروا التخلص منه على الرغم من أن الأم كانت تصير على الاحتفاظ به مهما كانت الظروف .
ويحس "شكري " بالقرف أمام طمع أفراد الأسرة ، فيهرب من "سبتة" الى ليل "طنجة" ، وفي اليوم التالي يستيقظ وهو لا يستطيع تذكر كيف وصل الى بيته . لقد نام مغيبا واستيقظ ليجد فردة حذائه مليئة بالبول ، والأخرى بالشراب .
انه ليمكننا القول أن كتاب "زمن الأخطاء" هو تصوير لرحلة الحياة ورحلة الموت ، مثل كل كتب "شكري " ، ولكننا نجده وعلى الرغم من قسوة الحياة التي عاشها الا أنه دائما يظل عاشقا للحياة ، مقبلا عليها ، لا أهمية للموت بالنسبة له رغم حتميته .
ان عشق الحياة مزروع في روح "اشكري "، وهو يبدو واحدا من زمرة الفنانين والكتاب الذين كانوا دائمي البحث عن جوهر الحياة ، مهما قادهم هذا البحث الى العزلة او الجنون .
إن أسلوب "شكري " واضح وبسيط : أسلوب رجل لا يخاف الكلمات ولا يخجل منها ، إن عواطفه تبدو جلية بلا مجاملات ، ان الكتابة عنده فعل عضوي كما ينبغي ان تكون الكتابة الحسية ، ومن خلالها يمارس "نميمة"جارحة ضد نفسه وضد الآخرين .
ورغم الفرق الزمني بين "الخبز الحافي " و ا،زمن الأخطاء" (ثلاثون عاماتقريبا) فإن "شكري " يحتفظ بنفس الأسلوب بما فيه من شجاعة وإلهام وابدا ع .
والفرق بين "زمن الآخطاء" و الكتاب السابق له أن "االخبز الحافي " لا يقدم " شكري " الا في مرحلة صباه ، بينما في "زمن الأخطاء" يحتل شبابه مكانة أكبر ، عندما كان مدرسا يعيش في أوساط بنات الليل ، لكننا نجد اهتمامات اخرى وقد طغت على هذه الحياة ، كالقراءة والشراب ، وتبدأ الصداقة والزمالة تزحف لتحتل مكان الجنس ، كما لو أنه لا يستطيع إقامة علاقة كاملة مع الجنس الآخر ، ويبدو أنه بدأ يعي حجم القمع الذي يراه واقعا على البشر ، ولم يستطع هو الآخر مارسة هذا القمع على البغايا .
إن "شكري " كانسان وروائي يحتل مكانة متميزة على خريطة الكتابة العربية ، وميزة شكري هي الشجاعة ، شجاعة الكشف والفضح .
لوث جاريثا كاستنيو
Nizwa N .1


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.