نقرأ في قصيدة للشاعر المغربي عبد الحق بن رحمون مقطعا يقول فيه: "كنت دائما ولا أزال صديقا للغابة والجبال... أنصت لهما وأقرأهما بعمق شديد". وهذا الحب للأعالي وللمناطق الغامضة في الأمكنة والنائية في الحرف والملتبسة في أعماق من خبروا تجربة التصوف والتشوف في الأشياء العميقة هي التي تقربنا من شعر عبد الحق بن رحمون الذي لا يتكلم في نهاية المطاف سوى عن ذاته وأحلامه وسط غابة من الكلمات الشعرية تتدفق من ثناياه كعصير رمان ولحظة شعرية مكثفة بأدق التفاصيل وأوضحها، إذ ليست في حقيقة الأمر سوى مصدرا للإلهام والوحي بالنسبة للشاعر المقيم في قصيدة الأندلس ( غرناطة وقرطبة وشفشاون) ذي الأصول البيضاوية (من الدارالبيضاء) الذي التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار: · ما الذي يشدك إلى الغابة والجبال؟ ** أحب الأعالي والجبال... لأنهما مصدرا الإلهام والوحي، على الأقل لما أكون في الجبال أرى المجانين والحمقى أو أولئك الذين يكونون من هم على حافة الجنون، الجبال هي من بين أصدقائي، باختصار الجبال مثل محطة أو مرصد من علو تراقب كل شيء بصريا وبكل حواسك ومشاعرك. أنا أكره السهول، وأحب الجبال، لأن فيها صلابة، وموسيقى الماء التي أحتاجها لتكون هي رؤية كل قصائدي. · وما هي القصيدة التي كتبتها أخيرا ؟ **أنا لا أكتب قصيدة أخيرة. لما أكون أكتب، أكتب هكذا... وفي كل وقت أكتب... أو كل يوم. وحسب اللحظة أكتب مقطعا في هذه المذكرة أو تلك، أو في شاشات الحواسيب التي أملكها لأني أحب شاشات الحواسيب، وفي كل مرة أفضل الاشتغال في حاسوب معين، فهي بحر لمن لا بحر له، فيها أسكن كل يوم وأقيم. أما عنوان القصيدة ، فالعنوان في رأيي مثلما نختار أسماء الأبناء، باعتبار أن الأبناء سوف يحملون هذا الاسم مدى العمر، ويصير هذا الاسم صفة منهم، وجزء يعبر عن ملامحهم وبصمتهم مدى... لذا فالقصيدة الجديدة التي كتبتها الآن وهي بين دراعي عنوانها: " بشار" وهو اسم ابني. وأود أن أشير إلى أنني أكتب الشعر... وأحاول أن أنسى ما كتبت ، بقدر ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وبعد مدة أعود إليه وقد يعجبني ما كتبت، أو لايعجبني أو ابتعد عنه قليلا .. وأذهب لأكتب قصيدة جديدة وهكذا. فكل قصائدي هم أولادي وغالبا ما تأتيني القصيدة مكتملة ومقتنعا بها وأعيش لحظات من المتعة بميلادها. كما أنني أحب كل لحظة إشراق تأتيني، أكون فيها صافي الذهن، لأنها لحظة الاستمتاع بالجمال... أو لحظة أكون تأثرت فيها بمشهد شدني، أو حدث أو صور تلتقطها كل حواسي خصوصا المدهش والغرائبي منها في هذا العالم الفريد والمتنوع بتطوراته وأحداثة التي لاتنتهي. · وماذا عن واقع الشعر المغربي في الوقت الراهن؟ وهل حصل تطور أم لا؟ **واقع الشعر المغربي، لا يمكنني أن أقيمه أو أشخص وضعه الصحي في سطور قليلة أو كلمات على الهوى، كل ما أود أن أنبه إليه، وأحذر منه في وقتنا هذا أن كل ما ينشر على مواقع إلكترونية شتى في بقاع المعمور، نلمس تلك السهولة والسيلان في الكتابة لدى البعض، ممن يكتبون أو من طرف المشرفين على تلك المواقع، فعلا النشر الالكتروني أعطى هامشا من الحرية، لكن يجب أن ننتبه أن ليس كل الذين ينشرون في الانترنت هم شعراء، أو من لهم مدونات هم شعراء إلا بعض الاستثناءات القليلة منهم، لأن الذي يجب الانتباه والتأكيد عليه هو أنه الآن من الضروري أن تكون لنا مواقع الكترونية جادة ولها مصداقية وندعمها على الاستمرارية سواء الدعم المادي أو المعنوي، وبالفعل، هناك مواقع على (النت) تحترم نفسها، ولا تدع كل من هب ودب ينشر فيها الغث ، لأن الغث يذهب مع زبد الانترنت إلى مزابل التاريخ. وبالنسبة للشق الثاني من سؤالك هل حصل تطور في الشعر المغربي أم لا... هنا أؤكد لك أن الشعر المغربي في هذه المرحلة بالذات هو في أوج عطائه، فهناك أعمال شعرية تشرف التجربة الشعرية المغربية، وهناك شعر في تطور مستمر، يمتاز بقوة الإرادة والبناء ودقة التفاصيل.. والأشياء الأكثر دهشة وغرابة. فكل شاعر اليوم في المغرب يحاول أن يكون له صوته المتفرد في سماء واسعة للجميع، ويمكن أن أصرح لك بأن هناك كوكبة من الشعراء الشباب اليوم هم من بإمكانهم حمل مشعل الشعر المغربي، فأصوات قصائدهم نسمعها هنا وهناك، فهم تجاوزوا الحدود المحلية وصار لهم إشعاع وحضور عربي، قصائدهم هي من فرضت نفسها، نظرا لما تمتاز به من جدة وأفق متعدد الرؤيا . =========================== حوار: يوسف خليل السباعي