العالم يتغير بشكل مذهل ومخيف.. وأنا الآن في الغرفة وحدي أستند لمقعد قديم وطاولة رثة ... أحينا يزعجني بياض هذا الورق الذي يلتف من حولي وكأنما غرفة إنعاش تحيط بها الجسد المتعب...فكرت أن أكتب لك.. أن أحكي لك هذه اليوميات المحزنة والمخزية.. أنهض كل صباح ..أطل من النافذة ..أخجل من أن يراني أحدا..أحضّر قهوتي وحدي ..أصبها في فنجان لم تزل أثار قهوة الأمس فيه..عادة لا أملؤه..أشعل سيجارتي أدفن فيها تلا فيف العمر..أحرقني ...أتعمد إشعال السيجارة الثانية والثالثة وهكذا... السيجارة يا صديقي وحدها تفقه ما أعاني ..!!؟؟ فلربما لأنها تشبهني صرنا صديقين .. أنت لا تعرف ما الذي يسكنني وأنا الجالس على عتبة الباب خائفا من أن يبصرني أحدا؟؟ لقد صاروا يشبِّهونني بفاقد العقل.. أستحلفك وأنت من يعرفني جيدا أحقا أنا بلا عقل ..؟؟؟ جميع الطلبة الذين كنت أدرسهم يمرون عني دونما أي اهتمام ..أقاربي أهلي كلهم صدوا عني ..ألهذه الدرجة صرت رخيصا ..؟؟ أسأل نفسي مرارا وتكرارا ولا أجد غير حبات المهدئ أتصور أنها تعينني على نسيان .. ولكنني أعرف الحقيقة المُرّة ..إني أقتلني ببطء!! زارني بالأمس ولدي محمد إبني من المرأة الأولى .. قال لي بالحرف : لماذا يقولون عنك يا أبي بأنك مجنون .. يقولونها.. إيه.. يقولونها عنك نعم .. أقف مندهشا لا أستطيع أن أتّهم أمه بالخيانة أمامه.. نعم بالخيانة .. أنت تعرف يا صديقي بأنه لا خيانة أفضع من خيانة القلب .. بعد عمر من العشق، والحب، والوفاء لها صارت تتهمني بأنني موضة قديمة لا اعرف القفز على الحبال ..تريدني أن أمتلك مفاتيح الدنيا في لحظة واحدة .. أن أمشي على جثث الآخرين كي أحقق أحلامها ..أن أدوس على مبادئي كي أحضى برضاها ... واليوم ها هي تقول عني ولمن..!!؟؟ لولدي الوحيد منها أنني مجنون... ليس لي سوى الصمت.. نعم ولكنني يا صديقي تعبت..!!؟؟ أتذْكرأيام دراستنا ..؟؟ كنتُ متفوقا مثلك .. أَ تذكرُ قصيدتي التي كتبتها عن عشيقتك ووبخني الأستاذ عنها ظاناً أنني صاحب القصة..!!؟؟ أمازلت تتذكر خجلي كلما سألني الأستاذ عن وظيفة أبي ..كنت أحتار..في الإجابة عليه ..كيف لأب فاحش الثراء أن يترك ابنه بلباس رثة يكاد يكون حافي القدمين ويطرد أمه التي شاركته أعسر المحن كي يتزوج من إمراة مغتربة مع أنني أكن لها أجلُّ معاني الاحترام أذكر أنها كانت تحبني أكثر منه شهادة لله..كما أذكر أن الجرح قديم جدا يا صاحبي... كنت يا صديقي في كل رسالة تقول لي : تجلد وابدأ حياتك من جديد .. وكنت أحاول ..نعم كنت أحاول لقد تزوجت مرة ثانية من امرأة لا تختلف عن الأولى بكثير ولكني فشلت في التواصل معها .. تعرف يا صديقي ماذا قال لي الطبيب.. !!! إن حبات المهدئ التي كنت أتناولها أصبحت تمثل لي هاجسا آخر، نعم..قال الطبيب بأنها تضعف قدرتي على الإنجاب .. وهل هناك إمراة ترضى بهذا القدر..!! لذلك لم أستطع العيش ظالما وصارحتها بالحقيقة لكنها طلبت مني الطلاق .. طلبتْ حريتها ولم يكن لي إلا أن قبِلّت ُبذلك.. حتى من كانوا يتظاهرون بصداقتي صاروا يغضون الطرف عني .. يتجاهلونني وأنا الذي كان بيتي مرتع أحلامهم وجلساتهم ..أما زلت تذكر... * واليوم ..ماذا اليوم غير الذكريات ونارها.. صديقي العزيز..لقد كنت أمر عليك دونما أن تراني ..كنت أتعمد ذلك لأن لا تلحق بك لعنة الناس فيتهمونك بما اتهموني ..كان يعز عليا ذلك .. يقتلني الشوق كيف أني أراك ولا أكلمك ..!!؟؟ صديقي العزيز .. وأنا أكتب إليك هذه الكلمات لي عندك رجاء أن تقوم بتصفيف جميع قصائدي التي بعثت بها لك والتي نشرت جميعها في الجرائد والمجلات تحت إسم - المهوس – وأن تقوم بطبعها علّها تخلدني عند من يحفظ العهد.. تعرف يا صديقي لماذا أوصيك في هذه اللحظة بالذات ..؟؟ طبعا لا تعرف... بكل بساطة لأنني قررت أن أللف على عنقي حبل الغسيل الذي شددته بمهارة أعلى الشجرة.. شجرة التوت هناك على جانب الوادي ... أما زلت تتذكرها !!؟؟؟ ........................................................................ * شطر بيت للشاعرة فدوى طوقان موسى توامة / الجزائر هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته