يوم بيوم من شر ما خلق نور الدين مفتاح نشر في 20 مارس 2025 الساعة 9 و 44 دقيقة عيب أن نطلب لسنين أمطار الخير لتحيي بلدنا الميت، وعندما تهطل يموت بسببها الأطفال! وأحيانا تغرق المدن وفي كل مرة يخرج علينا بعضهم بنفس الحجج البالية أن الفيضانات والسيول الجارفة والزلازل والأعاصير موجودة في العالم كله وتخلف خسائر بشرية ومادية حتى في الدول المتقدمة!! نور الدين مفتاح [email protected]
مع كل ما هو برّاق في مغربنا، تبقى هناك جروح لا تخفى على لبيب. وفكري في هذا العشر الأوائل من رمضان الكريم يتجه إلى ضحايا زلزال الحوز. في بلدي ما تزال عشرات المئات من الأسر محشورة في خيام تهزها الرياح ويتسرب منها البرد القارس وتلعب بها الأمطار وتجعلها الثلوج قطعة من عذاب.
لقد كانت التعبئة الوطنية مثالية في واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي عاشتها بلادنا، حيث عرف الزلزال الذي ضرب في 2023 أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة وخلف ما يقارب 2900 قتيل و5500 جريح، وآلاف المباني والطرقات المنهارة، تضامنا وطنيا غير مسبوق، وتدفقت الأمواج البشرية على جبال كانت قد ألفت العزلة، وفاضت المساعدات ورسمت البرامج ورصدت الميزانيات التي قدرت بملايير الدراهم.
باختصار، تقرر أن يتم تصنيف المتضررين إلى فئات، وتقديم دعم للبناء ودعم استعجالي للضحايا. وفي غمرة البيروقراطية والكثير من سوء التدبير، ضاع جزء من نجاعة التدابير المتخذة بتعليمات ملكية، وبدل أن تتم سياسيا ترجمة الهبة الشعبية التضامنية، تحولت الكارثة إلى مأساة، وعلت الاحتجاجات وتأسست تنسيقية لضحايا الزلزال قامت بالعديد من الاحتجاجات في الجهات وفي المركز، وللأسف أن جزءًا من هذا العمل المدني نتجت عنه تشنجات وصلت حدّ جرّ قياديين من التنسيقية إلى القضاء والحكم على بعضهم بالسجن، وما تزال حلقات هذا المسلسل الأليم تكتب بمداد المعاناة في جبال لا يحمل فيها الصائمون تحت الخيام من صفة ناجٍ إلا الاسم.
وفي هذا الشهر الفضيل أيضا، سقطت طفلة في العقد الأول من عمرها بدوار جابر ببركان في بالوعة رفقة والدها، وقد نجا الوالد وقضت الطفلة في حادث مأساوي ومؤلم يسائل التدبير الجماعي والعمومي بصفة عامة.
وإذا كانت الأمطار الغزيرة قد تسببت في الحادث بشكل مباشر، فإن من العيب في قرن الذكاء الاصطناعي أن نبقى مرتهنين إلى مثل هذه الحوادث المنتمية إلى القرون الوسطى.
عيب أن نطلب لسنين أمطار الخير لتحيي بلدنا الميت، وعندما تهطل يموت بسببها الأطفال! وأحيانا تغرق المدن وفي كل مرة يخرج علينا بعضهم بنفس الحجج البالية أن الفيضانات والسيول الجارفة والزلازل والأعاصير موجودة في العالم كله وتخلف خسائر بشرية ومادية حتى في الدول المتقدمة!!
وهذا كلام حق يراد به باطل، لأن الكارثة عندما تقع فإن خسائرها تختلف حسب البنية التي حصلت فيها، ولا يمكن لنسبة تساقطات تفيض بها مدننا أو قرانا أن تفعل أي شيء في بلدان لا تعرف تدبير السمسرة والفساد والغش. ولا يمكن لطفل أن يسقط في بالوعة لأن هذا ليس فعل الطبيعة ولكنه فعل إجرامي يجب أن يعاقب عليه القانون. وحتى عندما يقع الضرر، فإن جبره يختلف بين هنا وهناك، ولا أدل على ذلك من مخلفات زلزال الحوز التي ستظل وصمة عار على جبين المسؤولين تسائلهم وتسائل ضميرنا الجمعي إذا لم يعد مستترا.
وإذا كنا إزاء مثالين في هذا الشهر لجزء من أبناء وطننا هم ضحايا عينة من محترفي السياسة، ليس بمفهومها النبيل ولكن بمفهوم «الشناقة»، فإن آلاف الجماعات في المدن والقرى، تعج بالمنتفعين، وتجار المآسي، والمستثمرين في نهب المال العام، و «القطاطعية». جزء من هؤلاء في السجن وجزء كبير آخر كالمنشار «يأكل الناس طالعا ويأكلهم هابطا».
هؤلاء تربوا في إطارات حزبية تعلمهم أن النضال هو المصالح الشخصية، وأن الوطنية هي أن تستفيد بكل الطرق ولا تفيد، وأن الديموقراطية هي شراء الأصوات وبيع المشترين في سوق النخاسة السياسي، وأن النزاهة شعار لا يسمن وأن الشفافية لا تغني من جوع، وأن الإصلاح هو إصلاح الأحوال الذاتية وأن المؤسسة العمومية ملكية خاصة، وأن الحزب السياسي مطية للوصول وأن الإيديولوجية الوحيدة التي يجب اعتناقها هي إيديولوجية أنا وبعدي الطوفان.
جزء كبير من الذين يشكلون الأغلبية السياسية في المغرب اليوم ينتمون لهذا الصنف، مهما اختلفت تسميات الأحزاب. بل إن هذا يكاد يجد له امتدادا في كل الأحزاب لدرجة أن تيار الوصولية يمكن اعتباره اليوم أكبر تيار في المغرب. ولهذا تجد حتى جزءا من المعارضة في قاعة الانتظار لا تتجرأ على قول كلمة قد تزعج السيد الرئيس الذي يمكن أن يحرمها في تعديل حكومي أو حكومة قادمة من نصيب من الكعكة.
هذا هو حال السياسة في المغرب اليوم بلا مكياج، والأنكى أنه إضافة إلى فن الوصولية واللصوصية نجد جزءا كبيرا أيضا يضيف إليه الأمية و«السنطيحة» والمزايدة، فلماذا نستغرب من مآل ضحايا زلزال الحوز أو طفلة البالوعة ببركان أو من هذه الأوضاع الاجتماعية غير المسبوقة.
وعموما حمدا لله على أمطار الخير ونعوذ بالله من شر ما خلق.