بلا مواربة الحوز: زلزال لم ينتهِ! عبد الإله حمدوشي نشر في 10 مارس 2025 الساعة 14 و 00 دقيقة لا أحد يطالب بمعجزات، ولا أحد ينكر أن الدولة قامت بمجهودات كبيرة، لكن التحدي الحقيقي ليس في التدخل الأولي بعد الكارثة، بل في القدرة على استكمال الطريق حتى النهاية، دون ترك المتضررين عالقين في منتصف المعاناة. عبد الإله حمدوشي [email protected]
ليس الخطر الحقيقي في الكوارث الطبيعية نفسها، بل في تداعياتها، في البطء الذي يرافق عملية الإغاثة، في العجز عن ترميم الجراح العميقة التي تتركها الصدمات الكبرى، في جعل النسيان جزءا من الحل، لا من المشكلة. لذلك، لم يكن زلزال الحوز، الذي ضرب جنوب المغرب في لحظة خاطفة من شهر شتنبر 2023، مجرد حدث عابر، بل اختبارا حقيقيا لقدرة الدولة على التعامل مع الأزمات، ليس فقط بردة فعل آنية، بل برؤية طويلة الأمد تضمن عدم تحول المأساة إلى جرح غائر في الذاكرة الجماعية للمتضررين.
اليوم، وبعد مرور شهور على الكارثة، ما زال شتاء الحوز قاسيا، يضرب بقوة سكان القرى المنكوبة، حيث المخلفات لم تعد مجرد أنقاض البيوت المهدمة، بل أصبحت وجوها شاحبة، وطفولة تائهة، وأجسادا ترتجف من البرد داخل خيام لا تصلح حتى لإيواء الأمل.
صحيح أن الزلزال يدمر الحجر، لكنه لا يكسر النفوس المؤمنة بقدر الله، أما البرد، فهو ذلك القاتل الصامت الذي يتسلل إلى الأجساد الهزيلة، بلا ضجيج، بلا إنذارات وبلا إمكانية للهرب.
سكان الحوز، الذين واجهوا قسوة الأرض وهي تهتز تحت أقدامهم، يجدون أنفسهم اليوم أمام معركة جديدة، لكن هذه المرة ضد الطبيعة الباردة التي لا ترحم، وضد الانتظار الذي يطول بلا أفق واضح.
رجال ونساء فقدوا منازلهم، وأسر تحولت إلى لاجئة في وطنها، وأطفال يتساءلون متى تعود حياتهم كما كانت قبل الزلزال. لكن من يملك الجواب؟ المسؤولون يقدمون وعودا، والتقارير الرسمية تتحدث عن مشاريع إعمار، لكن في القرى النائية، حيث لا يصل سوى القليل مما يُقال، يبقى الواقع أكثر قسوة من الكلمات.
في الأيام الأولى بعد الزلزال، رأينا مشاهد إنسانية اغرورقت لها المقل افتخارا وعزة: مواطنات ومواطنون من كل أنحاء المغرب هبّوا لنجدة إخوانهم يحملون التبرعات، ويسوقون قوافل المساعدات وحملات التضامن في اتجاه مناطق الزلزال بعفوية أظهرت أن المجتمع ما زال حيا رغم كل شيء. لكن، وكما يحدث دائما، سرعان ما تراجعت موجة التعاطف، وحل محلها بطء الإدارة، وتعقيدات البيروقراطية، وكأن الزمن لم يكن كافيا بعد لإدراك أن الأزمات تحتاج إلى سرعة التنفيذ، لا إلى دراسات مطولة ومشاريع مؤجلة.
في مثل هذه الأوضاع، لا يكفي الحديث عن خطط إعادة الإعمار، بل يجب أن يشعر المتضررون بأنهم في قلب أولويات الدولة، لا مجرد أرقام تُذكر في نشرات الأخبار. فالمواطن الذي فقد منزله، لا تهمه الاجتماعات المطولة ولا الخطابات الرسمية، بل يريد سقفا يحميه من المطر، ومدرسة لأطفاله، ومستشفى يعالجه عندما يمرض.
لم يعد الناس اليوم خائفين فقط من قسوة الطقس، بل من أن تُطوى صفحة زلزال الحوز كما طُويت من قبل صفحات أزمات أخرى، دون حلول جذرية تضمن عدم تكرار المأساة بنفس السيناريو. فإعادة الإعمار ليست مجرد عملية بناء، بل هي فرصة لاستعادة الثقة في مؤسسات الدولة وقدرة المغرب على حماية مواطنيه وفي أن يكون الوطن أكثر من مجرد خريطة، بل حاضنا لمن فقدوا كل شيء.
لا أحد يطالب بمعجزات، ولا أحد ينكر أن الدولة قامت بمجهودات كبيرة، لكن التحدي الحقيقي ليس في التدخل الأولي بعد الكارثة، بل في القدرة على استكمال الطريق حتى النهاية، دون ترك المتضررين عالقين في منتصف المعاناة.
لقد واجه المغرب -دولة ومجتمعا- كارثة طبيعية غير مسبوقة، وكانت الاستجابة الأولية في مستوى الحدث، لكن العبرة ليست بالبدايات فقط، بل بالنهايات. وإذا كان الزلزال قد دمر البيوت، فلا يجب أن يدمر الإهمال والبطء ما تبقى من صبر الناس وإيمانهم بأن بلدهم لن يتخلى عنهم.
أكيد أن برد الشتاء لن يطول، لكن ذاكرة الضحايا ستظل حية، وستظل أعينهم تبحث عن إجابة واحدة: هل كان ما بعد زلزال الحوز أخطر من الزلزال نفسه؟