كشفت دراسة حديثة أعدتها جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان، عن تفشي العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما بالمغرب، وتوصلت إلى تعرض 80 في المائة من النساء العاملات في هذا القطاع على المستوى الوطني لشكل واحد، على الأقل، من العنف خلال مسارهن المهني. وسلطت الدراسة الضوء على واقع هذا القطاع، مسجلة أنه لا يتوفر مثل غيره من القطاعات، على إطار قانوني مخصص بشكل حصري لمكافحة العنف ضد المرأة، مما يعني اللجوء إلى القوانين والمقتضيات الأساسية المعنية بمكافحة العنف ضد النساء عموما، أبرزها القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، قانون الشغل، القانون الجنائي.
كما توصلت الدراسة إلى ندرة المبادرات والمصادر الوثائقية التي تعالج موضوع العنف القائم على النوع الاجتماعي في مجال السينما في المغرب، وأبرزت أن العنف القائم على النوع الاجتماعي في القطاع السينمائي لازال مصنفا ضمن الطابوهات في مجتمعنا ونادرا ما يشكل موضوع كتابات أو شهادات.
وعلى الرغم من ذلك، يضيف المصدر ذاته، فقد كسرت بعض الفنانات الصمت لفضح المعتدين، في حين قررت أخريات فعل ذلك دون الكشف عن هويتهن، في وقت يتضاعف فيه التنديد بحالات العنف الممارس ضد النساء المهنيات في قطاع السينما يوما بعد يوم، غير أنه يبقى ضئيلا لأنه يقتصر على بعض التصريحات المعلنة خلال المقابلات، وتظل الدراسات والتحقيقات حوله نادرة.
وحسب الدراسة دائما، فإن النساء لازلن يمارسن مهنا "مرتبطة في التصور التقليدي بالنساء" ويتعلق الأمر بمجال عمل تتجلى فيه علاقة سلطة يمارسها الرجال على النساء، وهي سلطة قد تكون مهنية مرتبطة بطبيعة علاقة عمل تراتبية، وتعززها بالخصوص العلاقات الاجتماعية المبنية على النوع، التراتبية، وتبنيها القواعد والقيم الاجتماعية.
كذلك، تطرقت الدراسة إلى تعدد التصورات المرتبطة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي حسب المهن ومناصب المسؤولية؛ مشيرة إلى أن جميع العاملين في قطاع السينما تقريبا يشجبون العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهو ما يؤكد أنه الظاهرة قائمة في قطاع السينما.
وسجلت أيضا استمرار العنف القائم على النوع الاجتماعي بمختلف أشكاله، مع انتشار واضح للعنف النفسي حسب مهنيي ومهنيات قطاع السينما في المغرب، مشيرة إلى أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يتخذ أشكالا متعددة، وهو من بين الآفات التي تؤثر على حرية الإبداع لدى المهنيات وتحد من قدراتهن.
وانطلاقا من تحليل نتائج المقابلات التي أجرتها توصل معدو الدراسة إلى أن العنف النفسي يعد الشكل الرئيسي للعنف السائد في قطاع السينما في المغرب، يليه العنف الاقتصادي ثم العنف الجنسي. ولم تتم الإشارة مطلقا إلى العنف الجسدي كشكل رئيسي للعنف.
وقال المستجوبون إن تفشي العنف النفسي يرجع لصعوبة إثبات وقوعه والذرائع والأسباب التي يدفع بها مرتكبو هذا العنف لتبريره (ما تتطلبه المهنة من إتقان تام، وجوب المواظبة، ضعف التزام العاملين…).
وتحتل أشكال العنف الاقتصادي المرتبة الثانية، وتتعلق بممارسات شائعة يمارسها الرؤساء التراتبيون الذين لا يتحلون بالشفافية أثناء تحديد المهام، ويقترحون عقودا تخدم مصالحهم بشكل أساسي وتستغل الوضعية الهشة للعاملات في المجال التقني والمكلفات بالإنتاج.
وبالنسبة للعنف الجنسي، فقد وصفته الممثلات بالخصوص كشكل رئيسي من أشكال العنف. حيث تُعتبر الممثلات، بالخصوص الأصغر سنا، أكثر عرضة للابتزاز الجنسي، أو التلميحات ذات الطابع الجنسي أو الملامسات الجنسية. علما أنه يتعين توخي الحذر بخصوص انتشار العنف الجنسي الذي يحدث في صمت تام من قبل الضحايا. فبدون شك لم يتم تصنيفه في المرتبة الأول لأن الضحايا لا يقومون يقمن بفضحه ولا يملكن الشجاعة اللازمة للتنديد به.
ومن بين 15 مشاركا ومشاركة في تلك المقابلات، أكد 80% أنهم تعرضوا – تعرضن أو شهدوا/ شهدن حالة واحدة على الأقل من العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال حياتهم- حياتهن المهنية.
أما نسبة 20% المتبقية، فصرحت أنها لم تشهد أي نوع من العنف القائم على النوع الاجتماعي. مؤكدين أنهم عاشوا شخصيا تجارب متعلقة بالعنف (النفسي، الاقتصادي، أو الجسدي) المرتكب خارج نطاق النوع، مؤكدين دائما انتشار العنف القائم على النوع الاجتماعي في القطاع على الرغم من عدم كونهن شهودا أو ضحايا أو مرتكبين لهذا العنف.
تبعا للك، أوصت الدراسة بتقديم الدعم والتوجيه لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي في قطاع السينما، وذلك عبر مأسسة وتوحيد إجراءات الدعم المقدمة على المستوى الوطني للنساء المهنيات ضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الدعم النفسي، كما دعت إلى وضع قواعد مهنية لمكافحة كافة أشكال التمييز والعنف القائم على النوع، وكذلك لضمان احترام ظروف عمل المهنيات في قطاع السينما وفقا لقانون الشغل ودفاتر التحملات المبرمة مع الجهات الوصية.