اغتنم أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، اللقاء التواصلي الخاص بطرح المضامين المقترحة لمراجعة مدونة الأسرة، والذي واكبه زخم إعلامي دولي لافت، ليوضح خلفية قرار الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، عرض مقترحات إصلاح المدونة على المجلس العلمي الأعلى، وعلاقة ذلك بطبيعة النظام المغربي وخصوصيته.
التوفيق، وهو يفسر خصوصية النموذج المغربي في إصلاح مدونة الأسرة، خلال انعقاد اللقاء التواصلي المنظم اليوم الثلاثاء بالرباط، بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش ووزراء ورئيسا البرلمان ورؤساء هيئات دستورية، إلى جانب أعضاء من المجلس العلمي الأعلى؛ قال إنه "لا يمكن فهم خلفية هذا الاستفتاء من قبل أمير المؤمنين والموجّه إلى العلماء، إلا بالإشارة إلى بعض الأمور التي تتعلق بالنظام المغربي وخصوصيته".
الأساس الأول، حدده وزير الشؤون الإسلامية في العلاقة بين إمارة المؤمنين والعلماء، التي أكد أنها "مبنية على البيعة الشرعية"، مبرزا أنها "بيعة تتعلق بالمشروعية في النظام الإسلامي الشرعي الذي احتفظ به المغرب ويتميز به، وهي بيعة مكتوبة لا توجد خارج المغرب مكتوبة ولا مرعية، حافظ عليها المغاربة وتعطيها الأمة بالإجمال والتفصيل على امتداد التاريخ"، وبالتالي، يشدد التوفيق، فإنه "لا يمكن فهم هذه العلاقة وهذا الاستفتاء إلا في إطار أمور، من بينها البيعة الشرعية".
وذكر التوفيق أن البيعة الشرعية المكتوبة مبنية على الكليات الخمس، أي المشروعية التي تعطيها الأمة إلى ولي الأمر مقابل التزامه بأن يفي بأساسيات خمس، تسمى عند العلماء بالكليات الخمس، وهي أن يحفظ للأمة دينها ويحفظ لها الأمن والنظام العام المعبَّر عنه بالعقل، والعيش أو الاقتصاد وأن يحفظ لها الكرامة المعبَّر عنها في لغة الفقهاء بالعِرض، موضحا أن ولي الأمر يحصل على البيعة مقابل التزامه بهذه الكليات، مع الاجتهاد فيها لا بالوصول فيها إلى المثالية أو الكمال، ومن هذا المنطلق ينشئ ولي الأمر مشيخة العلماء، باعتبارها الوسيط بينه وبين الأمة في ما يتعلق بتأطير الدين.
الأساس الثاني، يتمثل، وفق التوفيق، في وارثة المشيخة العلمية وهي مؤسسة المجلس العلمي الأعلى الذي يرأسه أمير المؤمنين ويتكون من أعضاء يُعينهم، ومن رؤساء المجالس العلمية المحلية التي يبلغ عددها 82 مجلسا بحسب العمالات والأقاليم، وفي كل مجلس يوجد رئيس و12 عضوا، من بينهم على الأقل 4 من العالمات.
أما الأساس الثالث، فيتجلى، يتابع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في كون الفتوى من جهة العلماء قائمة على الاجتهاد المبني على النظر في النصوص الشرعية المختلف عن النظر في غيرها من النصوص، وفق قواعد وآليات خاصة، حتى لا تنفلت عن القصد التعبدي المقرر فيها بالامتثال والاستجابة، وفي احترام لترتيب مصادر التشريع، على رأسها القرآن الكريم، ثم السنة النبوية، فالإجماع والقياس.
الأساس الرابع الذي توقف عنده التوفيق، يتمثل في تفويض العلماء لأمير المؤمنين على أساس المصلحة المرسلة، مشيرا إلى أنه (أمير المؤمنين) "وإن فوّض له الأمر، لم يخالف أي شيء مما ذكره العلماء ونصوا عليه، فهو يحمّلهم المسؤولية الكاملة في ذلك ويعطيهم الحرية وفي نفس الوقت الثقة".
وبخصوص الأساس الخامس، فيهم دور العلماء على مستوى التخليق، يقول التوفيق في هذا الصدد: "إن دور العلماء لا ينحصر في الإفتاء، بل هو في الأساس مجهود تبليغي تخليقي"، مضيفا: "العلاقة بين المرأة بالرجل، كما نص عليها القرآن، هي علاقة بالمعروف، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه لا ينبغي أن يصل إلى النزاعات، لكن هناك استثناءات ينبغي أن يحميها ولي الأمر وما ينبغي أن يفعل في هذه النازلة أو تلك، والمطلوب من العلماء الحرص على علاقة الرجل بالمرأة التي بناها القرآن على المعاشرة بالمعروف".
وسجل أحمد التوفيق في ختام عرضه أن العلماء، وهم يفتون في كل الأمور، فإنهم "واعون بالتحديات المرتبطة بالنظام الاقتصادي والاجتماعي والتي تطرح عددا من المشاكل الدينية والدنيوية".